وعد بلفور وتقسيم المنطقة: هل تغيرت الأهداف اليوم؟

ishraq

صورة من الارشيف

تصادف في الثاني من تشرين الثاني من هذا العام الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم. هذا الوعد الذي لم يأتِ في سياق منفصل عن الأطماع الإستعمارية التي ترافقت مع اتفاقيات تتالت كي تكرّس التجزئة في بلادنا العربية ومن ثم إعادة إنتاجها اذا ما اقتضى الأمر.


يجب أن لا ننسى أن وعد بلفور هو جزء من السياسة البريطانية التي اتبعت في البلاد العربية في نهاية القرن التاسع عشر وحتى اليوم. وقد ابتدأ التقسيم رسمياً في المنطقة العربية وتحديدأً في منطقة شرق المتوسط مع اقرار اتفاقية سايكس بيكو في العام 1916 مروراً بوعد بلفور في العام 1917 وانتهاء بمعاهدتي سيفر في العام 1920، ومن ثم معاهدة سيفر الثانية في العام 1923، حيث تم تكريس التقسيم الأولي. وبناء على معاهدة سيفر الثانية، قامت فرنسا بالتنازل عن الموصل لصالح البريطانيين لتصبح جزءاً من العراق، وعن جزيرة كيليكيا ولواء اسكندرون لصالح الأتراك مقابل إيقاف الحرب التي استمرت ما بين الحلفاء والأتراك حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.

بعد احتلال فرنسا لكل من لبنان وسوريا، وبريطانيا لفلسطين وشرقي الأردن والعراق تم توزيع التركة العثمانية نهائياً. هذا ناهيك عن أن الدول العربية التي تقع في شمال أفريقيا كانت قد توزعت ما بين إيطاليا وفرنسا وبريطانيا قبل نهاية القرن التاسع عشر. لم يتوقف التوزيع عند هذا الحد فقط، بل كان لا بد من اتخذ القرار من أجل خلق كيان يعمّق هذا التقسيم، ولينهي ما ابتدأه سايكس- بيكو في المراحل المقبلة. واختيار هذا الكيان لم يكن اعتباطيأً أو حتى بمثابة جائزة ترضية لمحاولات اليهود الحثيثة منذ نهاية القرن التاسع عشر من أجل بناء دولتهم المستقلة.

لم تكن فكرة إنشاء دولة يهودية في فلسطين من بنات أفكار اليهود في أوروبا والعالم، بل إن أول من اقترح إقامة دولة يهودية في فلسطين كان نابليون بونابرت، الذي اقترح الفكرة على يهود فرنسا من أجل حثهم على تمويل الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام 1798-1801. غير أن هزيمة نابليون في العام 1799 في عكا على يد العثمانيين بقيادة أحمد باشا الجزار بمؤازرة الأسطول البريطاني بقيادة وليام سيدني سميث أنذاك كانت أحد أهم الأسباب التي دعت الى تراجع الحملة، وبالتالي الى فشل أول مشروع استيطاني صهيوني.

خلال ندوة نظمتها مجلة “صباح الخير” في دمشق في العام 1984 وذلك بمناسبة مرور عامين على الإجتياح الإسرائيلي للبنان، وتحت عنوان: “معركة المصير القومي الواحد من اتفاقية “سايكس-بيكو” الى مشروع “إسرائيل الكبرى”، قدم سميح كويك، عضو قيادة الإنتفاضة في حركة فتح أنذاك، ورقة أوضح فيها أنه بالرجوع الى الوثيقة الصادرة عن مؤتمر للدول الإستعمارية عقد في العام 1907، والتي تسمّى بوثيقة “كامبل بزمان” وجاء فيها: “إن البحر المتوسط هو الشريان الحيوي للإستعمار لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب، والممر الطبيعي الى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم، ويكمن الخطر المهدد للعالم في هذا البحر. ففي حوضه مهد الديانات والحضارات وعلى شواطئه الجنوبية والشرقية يعيش شعب واحد له وحدته التاريخية والدينية ولغته وآماله، كل مقومات التجمع والترابط والإتحاد، وتتوافر في ثرواته الطبيعية وكثرة تناسله كل أسباب القوة والتحرر والنهوض. ويكمن الخطر على كيان الإمبراطوريات الإستعمارية في تحرر هذه المنطقة وتثقيف شعوبها وتطويرها وتوحيد اتجاهاتها وتجمعها واتحادها حول عقيدة واحدة”.

وعندئذ جاءت توصيتان مهمتان في وثيقة كامبل ألا وهما، أولاً: “إن على الدول ذات المصالح المشتركة أن تعمل على استمرار وضع هذه المنطقة المجزأ والمتأخر وعلى إبقاء شعبها على ما هو عليه من تفكك وجهل وتأخر”. والتوصية الثانية كانت: “بضرورة العمل على إقامة حاجز بشري قومي وغريب على الجسر الذي يربط آسيا بأفريقيا ويربطهما معاً بالبحر المتوسط بحيث يجب أن تقوم في هذه المنطقة، وعلى مقربة من قناة السويس، دولة صديقة للإستعمار عدوة لسكان المنطقة”. وبالتالي فقد كان بحسب التوصيات أن تكون دولة إسرائيل ما يشكل هذا الحاجز البشري الغريب.

وفي الندوة ذاتها وبحسب اللواء الركن أمين النفوري، الذي يشرح أن استيقاظ المشروع الصهيوني في فلسطين لم يكن فقط بسبب هرتزل والدعاية له، بل إن الأسباب الحقيقية وراءه هو كسب اليهود كحلفاء أقوياء للدول الحليفة في الحرب العالمية الأولى، وتأتي قوتهم كنتيجة للنفوذ الكبير الذي يتمتعون به في الولايات المتحدة الأميركية، والتي لو لم تقف الى جانب الحلفاء (بريطانيا، فرنسا، آيرلندا، روسيا) لكانوا خسروا الحرب مقابل الدولة العثمانية وحليفاتها ألمانيا والنمسا وهنغاريا أنذاك.

 

كيف قرأ العرب المخطط الاستعماري الغربي للمنطقة

أوضح الأمين العام لوزارة الحارجية الفرنسية الى زعماء اليهود في فرنسا في العام 1917: “إن انتصاركم مرتبط بانتصار الحلفاء”.

ويوضح النفوري أن إسرائيل وتوسعها في الأرض العربية كان ولا يزال مرهوناً بالدعم الغربي والإسناد السياسي والعسكري والإقتصادي الموجه نحو العداء التقليدي الغربي للمنطقة العربية. أي أن وعد بلفور جاء كنتيجة لسايكس- بيكو ولمخطط استعماري هدفه التقسيم من أجل الإبقاء على السلطة للدول الإستعمارية، ولم يأتِ الوعد شعوراً بالعطف على اليهود من قبل جلالة الملك البريطاني كما جاء في نص الوعد.

وقد جاء التنسيق ما بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة البريطانية وثيقاً من أجل إيجاد وطن قومي لليهود في فلسطين ويوضح ذلك عبدالله غلوم الصالح في كتابه “فلسطين في دائرة الفوضى الخلاقة”، الذي يشرح فيه السبب في عدم تطبيق توصيات تقرير لجنة كينغ- كرين، والتي استطلعت الآراء حول تقسيم المنطقة وإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين في العام 1919. فمرد إهمال توصيات اللجنة الأميريكية يعود لكون الرئيس الأميركي وود ورد ويلسون ومستشاره إدوارد هاوس كان لهما الباع الطويل في إنشاء دولة يهودية. وبناءً عليه كان وقوف أميركا إلى جانب الحلفاء وتقديم الدعم المالي لهم ضد الدولة العثمانية وحلفائها.

ويؤكد توفيق يوسف حصو في كتابه “وعد بلفور والحلقة المفقودة”، أنه بالرغم من توصيات وزير الخارجية الأميركي روبرت لاسنغ أنذاك في رسالة وجهها الى ويلسون بعدم إعلان وعد بلفور، إلا أن الأخير أعاد الرسالة الى وزير خارجيته الذي استقال. ولم يكترث ويلسون الى هذه الإستقالة وبقي وفياً لإلتزامه ودعمه لوعد بلفور حتى وفاته في العام 1920، مع أن دراسات عديدة كانت تقول إن مرض ويلسون منعه من اتحاذ موقف يتماشى مع مبادئه الأربعة عشر والتي تدعو الى حرية الشعوب في النضال ضد المحتل وتقرير مصيرها، وهذا لم يكن سوى “ضحك على اللحى”، إذا جاز القول.

محمد حرب فرزات يرى، في الندوة نفسها، أن شنق شهداء السادس من أيار – مايو أتى ممنهجاً ليصب في خانة القضاء على زعماء الحركة العربية التي قامت ضد الأتراك وعلى الأخص رجال المؤتمر العربي في باريس في العام 1913. كما يستنتج أنه منذ اتفاقية سايكس بيكو لم تكن قضية فلسطين بالأساس مسألة إقليمية منفصلة، بل هي في الحقيقة جزء من قضية أكبر هي قضية سوريا كلها وقضية المشرق العربي في حاضره ومستقبله. فقد كانت اتفاقية سايكس بيكو هي المفتاح لوعد بلفور ومفتاحاً للحركة الصهيونية كي تخترق الجدار العربي ولتكون محصلة الصراع الإستعماري البريطاني- الفرنسي على قناة السويس والألماني على الخط الحديدي برلين- بغداد – البصرة.

لا تزال حتى اليوم تجري محاولات على قدم وساق من أجل تعميق التجزئة وتطبيق بنود اتفاقية سايكس بيكو كما جاءت. وتقتضي المعاهدة بتقسيم العراق الى دول عربية (سنية وشيعية) ودولة كردية، أي تقسيم إثني وطائفي، وتقسيم سوريا الى ثلاث دول درزية وسنّية وعلوية، ودولة مسيحية في جبل لبنان ودولة شيعية في جنوبه ودرزية وأخرى سنية وخامسة علوية. على أن تقسّم مصر الى دولتين مسلمة وقبطية (تقسيم طائفي)، والسودان إلى دولتين عربية في الشمال ودولة زنجية مستقلة في الجنوب. هذا إضافة الى دولة بربرية في المغرب العربي، وهكذا دواليك.

 

سايكس بيكو ثانية للمنطقة؟

التقسيم الذي طرحه المستشرق الأميريكي اليهودي برنارد لويس، بحسب أحمد سعيد نوفل في كتابه “دور إسرائيل في تفتيت الوطن العربي”، يشمل إيران وأفغانستان والباكستان والتي ستقسم على أساس إثني. وحتى الأردن سيخضع للتقسيم الى دولتين واحدة دولة للبدو وأخرى للفلسطينييين. وجاء ذلك بحسب ما اقترحه برنارد لويس والذي نشر مقاله هذا في مجلة تصدر عن وزارة الدفاع الأميركية – البنتاغون. ويرى لويس أن هذا التقسيم سوف يخدم الإسرائيليين ويجعلهم الأقوى في المنطقة والتي بموجب قوتها ستلجأ هذه الدول الضعيفة إلى طلب العون منها وحل الخلافات فيما بينها.

وبموجب ذلك ترى “إسرائيل”، أن من حقها الدفاع عن الأقليات في الوطن العربي بوصفها “دولة الأقليات بامتياز”. وأكدت مقالة نشرت في صحيفة “دافار” الإسرائيلية في 14/4/1981 على أن حق إسرائيل مشروع لكونها دولة يهودية في الشرق الأوسط، وعلى العمل على الدفاع عن أية أقلية قومية أو إثنية أو دينية في المنطقة، لكونها (أي إسرائيل) جزءاً لا يتجزأ منها. ورأت المقالة أن “من مصلحة إسرائيل المشروعة أن تشارك في الحفاظ على النسيج التعددي للشرق الأوسط لكونه أساس وجودها وأمنها، ومن حق إسرائيل منع السيطرة العربية والإسلامية على مختلف الأقليات التي تعيش في المنطقة”.

وبناء عليه فإن اتصالات الدولة العبرية بالأقليات في العراق ولبنان يعود الى أواخر الثلاثينات من القرن العشرين من أجل حضهم على التمرد والإنفصال. وليس سراً القول إن إسرائيل بحد ذاتها وحتى بالإمكانيات التي تملكها اليوم لا تستطيع أن تنفذ مشروعاً كهذا من دون الدعم الذي يقدم لها والخطط التي تضعها الحكومات الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية.

وقد حدد بن غوريون بالتحديد الحاجة وراء العمل من أجل العمل على انفصال الأقليات، قائلاً: “نحن شعب صغير، وإمكاناتنا ومواردنا محدودة، ولا بد من العمل على علاج هذه الثغرة في تعاملنا مع أعدائنا من الدول العربية، من خلال معرفة وتشخيص نقاط الضعف لديها. خاصة والعلاقات القائمة بين الجماعات والأقليات العرقية والطائفية، بحيث نسهم في تفخيم وتعظيم هذه النقاط، لتتحول في النهاية الى معضلات يصعب حلّها أو احتواؤها.”

وبناء عليه، يمثل الكاتب الإسرائيلي إرييه أورنشتاين، وبحسب خلدون ناجي معروف في مقاله في مجلة العلوم السياسية، موقف المثقفين الإسرائيليين المعادين للوحدة العربية قائلاً: “على نقيض شعار الوحدة العربية الذي ينادي به العرب، إنني أؤمن بتفسخه بعد حين، وظهور طوائف عرقية وجغرافية مثل لبنان المسيحي، ومنطقة الأكراد في شمال العراق، وجبل الدروز ودولة إسرائيل.”

كما اقترح البروفسور الإسرائيلي عزرا زوهر باتباع سياسة خارجية إسرائيلية نشطة لتقسيم الدول العربية وإبدالها بكيانات إثنية وطائفية.

ويروي شكيب شقراوي في كتابه “سنوات المحنة في كردستان” أنه بعد أن حصل تقارب كبير ما بين الحكومة العراقية ومصطفى برزاني الزعيم الكردي في العام 1971، وخلال اجتماع مع العراقيين في 29 سبتمبر أيلول 1971، تعرض الملا مصطفى برزاني لمحاولة اغتيال حيث وصل وفد من الحكومة العراقية بسيارتين برئاسة الشيخ عبد الجبار الأعظمي لمقابلته في بلدة “بحاج عمر” التي تقع بالقرب من الحدود العراقية الإيرانية. بدأ الاجتماع بين برزاني والوفد الحكومي في الساعة الخامسة إلا ربع، وفي الساعة الخامسة بعد الظهر حصل انفجار في داخل غرفة الإجتماع، وقد قتل من جراء ذلك الانفجار ثلاثة أفراد من أعضاء الوفد الحكومي بالإضافة إلى الشخص الذي كان يقدم الشاي للضيوف. وعند خروج برزاني من غرفة الاجتماع التي وقع فيها الإنفجار القى أحد سائقي السيارات التي كانت تقل الوفد الحكومي قنبلة يدوية على برزاني مما أدى إلى إصابته بجرح بسيط. أما سائق السيارة الثانية والتي كانت تقل وفد الحكومة العراقية فقد قاوم وهرب إلى إحدى البنايات المجاورة ولحق به أحد أعضاء الوفد الحكومي. وبعد شجار بين الطرفين دام لمدة عشرة دقائق، قتل بعدها السائق وعضو الوفد الحكومي العراقي. واعتبرت الحادثة مؤامرة حيكت بين المجموعة الكردية بالاتفاق مع الموساد الإسرائيلي لإعاقة اتفاق السلام بين الحكومة المركزية والجانب الكردي، وذلك خوفاً من تفرغ الجيش العراقي لمعركة فلسطين، خصوصاً وأن زيارة الوفد كانت في أوج أعمال حرب الاستنزاف العربية ضد إسرائيل، وكان الكل يتوقع نشوب حرب عربية – إسرائيلية. والدليل هو وجود ضباط الموساد في شمال العراق وقتها وتحديدا في سبتمبر أيلول 1971. وهناك صورة لهم وأغلب أصحاب الصور ترأسوا جهاز الموساد فيما بعد .

ويؤكد نوفل أن الدعاية الصهيونية لم تتوقف عند هذا الحد. فقد اعتبر بعض زعماء الحركة الصهيونية أن العرب هم ممثلون وهم أصل سبب المشاكل عند الأقليات وأن موطنهم هو في الجزيرة العربية ويجب أن يعودوا اليها، وأنهم إمبرطورية مغتصبة، وأن إسرائيل في المحصلة ستساعد الطوائف اللاجئة في بلادها على التحرر وتقرير مصيرها السياسي في الشرق الأوسط.

تكريس تقسيم الشرق الأوسط والبلاد العربية لم يكن طريقاً سلساً ومن دون مخاطر. فلقد تعرضت المنطقة الى سلسلة من الحروب والإعتداءات منذ نهاية القرن الثامن عشر، والذي ابتدأ مع الحملة الفرنسية والتي اطلعنا على هدفها الأساس وهو السيطرة على خط التجارة ما بين الشرق والغرب، ولدعم وجودها حاولت بناء دولة يهودية في فلسطين تضمن لها السيطرة على المنطقة، وصولاً إلى احتلال أفغانستان (2001) والعراق (2003) من قبل تحالف غربي ضم دول حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة.

واليوم نشهد حرباً، تحت مسمى “الفوضى الخلاقة” والتي يراد منها تقسيم الدول العربية، وبخاصة وسوريا والعراق ومصر لمصلحة ليس فقط إسرائيل، ولكن لمصلحة استمرار سيطرة الدول ذاتها التي أوجدت الكيان الصهيوني. في هذا الإطار تتحدث العديد من الكتابات عن الحروب التي قامت ما بين إسرائيل والدول العربية والتي ابتدأت بدعم وتسليح العصابات الصهيونية في العام 1948، ومن ثم العدوان الثلاثي على مصر والذي جاء رداً على تأميم قناة السويس في العام 1956، أي باختصار من أجل إعادة السيطرة على مصالح الدول الإستعمارية وخصوصاً على مرافئ البحر المتوسط والبحر الأحمر. ومن ثم جاءت حرب 1967 التي احتلت بموجبها إسرائيل المزيد من الأراضي العربية. ومن ثم جاءت حرب تشرين أكتوبر 1973 والتي مثلت اتحاداً ما بين الجيوش العربية كان بمثابة ناقوس خطر للأميركي جعلته يعمل من أجل تكريس التقسيم وإعادة تفعيل “سايكس بيكو” والدفع باتجاه المصالحات العربية مع إسرائيل كدولة أمر واقع. وبناء عليه، ابتدأت الحروب المتتالية على لبنان.

في مداخلة له خلال ندوة نظمتها مجلة “صباح الخير” في دمشق في العام 1984، تحدث إنعام رعد رئيس الحزب السوري القومي الإجتماعي أنذاك، عن تصالح الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني قائلاً” “إذا عزلنا سوريا والحركة الفلسطينية واللبنانية، فأين العرب؟ إنهم متصالحون مع الكيان الإسرائيلي، الذي لم يفشل كمشروع وأيديولوجيا.” ولا ننسى هنا أن الإجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1978 جاء بعد ضمان حياد مصر عن الصراع العربي- الإسرائيلي وزيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس المحتلة.

ويستطرد رعد، بشأن مشروع التجزئة، “أن النقطة الأهم هي استغلال الكيان الصهيوني لموضوع الطائفية في لبنان. فحتى عام 1984، كان الإسرائيلي قد نجح نجاحاً جزئياً. وتمثل ذلك في وصول جناح الى السلطة يمثل المسيحيين المتصهينين مشكل من حزب الكتائب والجبهة اللبنانية، والذين يعتبرون أن إسرائيل حليفتهم، لكن ذلك لم يعنِ فشل آيديولوجيا الثورة المضادة، بل انتصارها. ويتابع أن مصر، مع أن شعبها موحد لم يستطع إسقاط كامب ديفيد في حين أن التيار الوطني صنع معجزة الصمود على أرض لبنان… فالتفتت الطائفي قد يؤدي الى نجاح المشروع الصهيوني”.

عبدالله غلوم يضيف أن حروب المنطقة التي يشنها الإستعمار الحديث والذي هو الولايات المتحدة الأميركية كان دائماً وراء الحروب والصراعات في الشرق الأوسط منذ العام 1971، أي في اللحظة التي ترك فيها الإستعمار البريطاني القديم المنطقة. فأميركا هي التي صنعت حروب الخليج الأولى (الحرب العراقية – الإيرانية)، والثانية (احتلال الكويت)، والثالثة (احتلال العراق)، والرابعة (حرب اليمن)، مما جعل المراقبين يرددون دائماً مقولة: أينما نجد حرباً وصراعاً في الشرق الأوسط، إبحث عن الولايات المتحدة الأميركية ومن ورائها الكيان الصهيوني.

ولكن الكاتب يستدرك أن هذه الحروب المفتعلة في المنطقة بمجملها لم يكن هدفها سوى تمهيد الطريق نحو الإنقضاض على القضية الفلسطينية وتصفيتها. والمشكلة الكبرى هو أن العرب لا يملكون دون استراتيجية وليس لديهم وضوح في الرؤيا أو شعور بما يجب عليهم فعله نحو فلسطين.

وصلنا اليوم الى المئوية الأولى المشؤومة لوعد بلفور، ولكن علينا دائماً أن ندرك أن وعد بلفور هو نتيجة وليس سبب، هو الوسيلة وليس الغاية عند الدول الإستعمارية ابتداء من بريطانيا وروسيا القيصرية وفرنسا، وصولاً الى الولايات المتحدة الأميريكية. فوعد بلفور جاء لسببين رئيسيين: أولهما زرع جسم غريب في قلب الوطن العربي تضمن تفرقته وضعفه، بحسب ما أرادت اتفاقية سايكس بيكو التي توزعت تركة الرجل المريض، والذي كان لزاماً أن يبقى على ضعفه ومرضه. والسبب الثاني هو توجيه رأس المال اليهودي في العالم أجمع من أجل خدمة الدول المستعمرة.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP