مئوية بلفور المشؤومة وانتفاضة القلم الجديدة في فلسطين

ishraq

صورة من الارشيف

 ومضى عقد من الزمن نعم إنها مئة عام عجاف من الإعلان الذي أدى إلى إقامة الدولة اليهودية في الأراضي الفلسطينية فوسط الصمت العربي المطبق الذي بات أمرا معهوداً ومسبوقا وغير مستغرب، بينما انتفض أبناء هذه الأرض المحتلة بما سنسميه انتفاضة القلم والرسائل التي ارسلت وبالآلاف إلى رئيسة الوزراء البريطانية تعبيراً عن الرفض الأزلي لهذا الوعد الغادر.


تاريخ هذا الوعد


يعتبر الثاني من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من هذا العام هو الذكرى المئوية لصدور (وعد بلفور) أهم الوثائق في الصراع الفلسطيني العربي الصهيوني. وحينها أخذ الوعد الذي أعد بصيغته النهائية في 31 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1917م، على شكل رسالة بعث بها اللورد آرثر جيمس بلفور في 2 كانون الثاني/نوفمبر1917م إلى اللورد إدموند دي روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية، ونشر في الصحف البريطانية صباح يوم 23 من المحرم 1336هـ /الموافق: 8 من كانون الثاني/نوفمبر من نفس العام، وهو العدد نفسه الذي نُشرت فيه أنباء اندلاع الثورة البلشفية، وقامت طائرات الحلفاء بإلقاء آلاف النسخ من وعد بلفور، وأنباء صدوره على يهود روسيا القيصرية وبولندا وألمانيا والنمسا.

ويعد صاحب الوثيقة اللورد آرثر جيمس بلفور، من الصهاينة غير اليهود، ومع أن الوعد صدر من بريطانيا، إلا أن صياغته وصدوره كان جهداً بريطانياً أمريكياً مشتركاً، وقد كان الدافع الحقيقي لهذا الوعد هو رغبة الإمبراطورية البريطانية في زرع دولة استيطانية في وسط العالم العربي في بقعة مهمة جغرافياً لحماية مصالحها الاستعمارية، وخصوصاً في قناة السويس ولحماية الطريق إلى الهند.

تاريخ الوعود الغربية الفارغة للاعتراف بفلسطين

وعد بوش

في 2 اكتوبر 2001 أعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش اعترافه بأهمية إقامة دولة فلسطينية وهو ما أصبح يطلق عليه في وسائل الإعلام حينها والصحف العربية خاصة “وعد بوش” والذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي: “أن الدولة الفلسطينية كانت وباستمرار جزءا من الرؤية أو التصورات الأمريكية لحل مشكلة الشرق الأوسط شريطة ضمان أمن إسرائيل“.

وقد احتل هذا التصريح الأمريكي أهميته التاريخية في ضوء أنه أول إشارة رسمية أمريكية تصدر عن رئيس أمريكي وخاصة جمهوري إلى ضرورة الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة.

وعود جيمي كارتر و بيل كلينتون

وقد سبق لرئيسين أمريكيين آخرين ولكنهما كانا من الحزب الديمقراطي وهما الرئيس الأسبق جيمي كارتر والرئيس السابق بيل كلينتون أن أعطيا تصريحات وتلميحات إلى الاعتراف بشكل أو بآخر بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم أو إقامة دولة لهم لكنها كانت تصريحات خجولة وغير قاطعة أو حاسمة.

فقد تحدث كارتر في نهاية السبعينيات وإبان مفاوضات كامب ديفيد للسلام بين مصر و”إسرائيل” عن أنه يتفهم ضرورة إعطاء وطن قومي للفلسطينيين في حين صرح الرئيس كلينتون خلال زيارته لغزة وخطابه أمام المجلس التشريعي الفلسطيني في جلسة إقرار إلغاء بنود الميثاق الوطني الفلسطيني التي رأت فيها اسرائيل أنها تدعو إلى تدميرها، أنه هو، أي كلينتون على اقتناع بضرورة قيام الفلسطينيين بتقرير مصيرهم على أرضهم وقبيل مغادرة كلينتون للبيت الأبيض وبعد فشل مفاوضات السلام في كامب ديفيد طرح كلينتون أفكاره التي رأى أنها ستكون محورا لأي مفاوضات تسوية نهائية بعد رحيله عن البيت الأبيض فيما يشبه (الكلمة الوداعية) متحدثا عن أن إقامة دولة فلسطينية ستكون جزءا من أي جهود ناجحة لتسوية الصراع في الشرق الاوسط في المستقبل.

الوعود الغامضة والكاذبة
 
إن كل هذه التصريحات لم تحدد بوضوح ماهية أو حدود الدولة الفلسطينية التي يجرى الحديث عنها ومشكلة وعد بوش الاخير كما هو الحال في تصريحات كلينتون وكارتر من قبل أنها تركت الأمور دوما غائمة وغامضة وأخطر من ذلك فإنها تربطها بالرؤية والإرادة الاسرائيلية للحل أو لشكل الدولة الفلسطينية المقبلة.

نتنياهو في بريطانيا تزامناً مع مئوية بلفور وماي ترفض الاعتذار


هذا والتقت تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية، رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” الذي يزور لندن ذكرى مئوية الوعد، حيث رفضت بريطانيا مطالب دعتها إلى الاعتذار عما حدث، قائلة إنها فخورة بالدور الذي أدته.

الرسائل الفلسطينية وانتفاضة القلم


في هذا السياق أعد طلاب فلسطين ومن كل فئاتهم وانتماءاتهم آلاف الرسائل بخمس لغات وجهت لرئيسة وزراء بريطانيا بمئوية وعد بلفور،  حيث انشغلت طواقم تربوية فلسطينية في ترتيب تلك الرسائل تمهيدا لتسليمها للقنصل البريطاني في القدس المحتلة تعبيرا عن الرفض الفلسطيني لاحتفال بريطانيا بالذكرى المئوية لوعد بلفور.

وتشارك أقدم 18 مدرسة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة في تلك المناسبة، ومن بينها سبع مدارس أنشئت قبل منح بريطانيا الوعد المشؤوم منها مدرسة فاطمة خاتون بمدينة جنين والتي أسست عام 1882 ومدرسة مريم العذراء في بيت لحم ويعود تأسيسها إلى 1888.

ردود فعل من الداخل الفلسطيني

وفي ردود الأفعال الغاضبة، قالت حركة فتح، إنها ترفض إصرار ماي على الاحتفاء بالذكرى المئوية لوعد بلفور.

حيث قال أسامة القواسمي، المتحدث باسم الحركة وعضو مجلسها الثوري: “بريطانيا تجدد إصرارها على الجريمة، وتشجع وتدعم الاحتلال بشكل مباشر، في الاستمرار بتنفيذ نظام الأبارتهايد العنصري الذي يُمارس بحق شعبنا“.

وأضاف: ” الأولى أن تعترف بريطانيا بدولة فلسطين، بدلاً من الاحتفاء بنكبة الشعب الفلسطيني التي بدأت أول فصولها عام 1917، بعد إصدارها لذلك الوعد المشؤوم”. واعتبر المتحدث باسم حركة “فتح” تصريحات ماي تجديد للجريمة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.

بدورها، أدانت حركة “حماس” رفض ماي، تقديم أي اعتذار من بلادها عن “وعد بلفور”، وأعرب حازم قاسم، الناطق باسم الحركة، في تصريحات لوكالة “الأناضول”، عن استنكار حركته، لتصريحات ماي التي عبّرت خلالها عن فخرها بدور بلادها في تأسيس إسرائيل.

وأردف قاسم: “إن تلك التصريحات تعاند المنطق الأخلاقي والقيمي، خاصة وأن وعد بلفور ما زال يعاني منه شعب كامل شرد من أرضه” وأضاف: “لا ينبغي لها (ماي) الفخر بالمساهمة في تأسيس دولة على أرض الشعب الفلسطيني، والتي هي بطبيعة الحال ملك لهذا الشعب“.

وطالب بريطانيا بالاعتذار للشعب الفلسطيني عن وعد بلفور، ووقف “دعمها للاحتلال الإسرائيلي، والانحياز إلى الحق الفلسطيني، كي تنسجم مع ما تدّعيه من قيم ومبادئ“.

من جانبها، اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي رفض بريطانيا تقديم اعتذارها للشعب الفلسطيني عن وعد بلفور إصراراً على جريمتها ضد الشعب الفلسطيني”

وطالب أحمد المدلل، القيادي في الحركة، تقديم بريطانيا للمحاكمة الدولية، على ما اقترفته من انتهاكات لحقوق الفلسطينيين. وقال: ما زال الشعب الفلسطيني يعاني من آثار ذلك الوعد من حصار، وتدمير، وتشريد وتهجير، واستيطان، وتهويد، وحروب، الآلام ما زالت مستمرة.

واستنكرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تصريحات ماي، واصفةً إياها بالافتخار الوقح، وقال هاني الثوابتة، عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية ومسؤولها الإعلامي: هذه التصريحات ليست غريبة عن مسؤولين في دولة عنصرية وتكشف عن وجهها القبيح وادعائها الكاذب للديمقراطية، وأنها جاءت إمعاناً بمواصلة الخطيئة التاريخية لبريطانيا بحق شعبنا الفلسطيني.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP