إيران والمقاومة في وجه البلطجة الغربية: قراءة في خطاب الإمام الخامنئي
في سياق التوترات الدولية المستمرة بين إيران والغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة، تأتي تصريحات الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) كرد واضح وحاسم على المحاولات الأمريكية والغربية لفرض الهيمنة على إيران والمنطقة. فقد أكد الإمام الخامنئي أن سياسة البلطجة التي تنتهجها بعض الدول في التفاوض مرفوضة تمامًا، مشددًا على أن البرنامج الصاروخي الإيراني غير قابل للتفاوض، كما انتقد المعايير المزدوجة للحضارة الغربية التي كشفت عن حقيقتها الزائفة.
هذه التصريحات تعكس موقفًا مبدئيًا واستراتيجيًا للجمهورية الإسلامية، وتسلط الضوء على جوهر الصراع بين الاستقلال والسيادة من جهة، والهيمنة الغربية من جهة أخرى. في هذا المقال، سنناقش هذه المحاور بالتفصيل ونتناول أبعادها السياسية والاستراتيجية.
⸻
أولًا: البلطجة الغربية ومحاولة فرض الهيمنة عبر التفاوض.
تاريخيًا، استخدمت القوى الكبرى أساليب التهديد والضغوط الاقتصادية والعسكرية لإخضاع الدول التي ترفض السير في ركابها. وقد مثّلت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب نموذجًا فجًا لهذه السياسة، حيث حاولت واشنطن فرض شروطها على إيران بعد الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي عام 2018.
غير أن إيران، بقيادتها الثورية، رفضت الانصياع لهذه الضغوط، وتمسكت بسيادتها واستقلال قرارها السياسي. وهذا الموقف نابع من مبدأ أساسي في العقيدة السياسية للجمهورية الإسلامية، وهو عدم القبول بأي إملاءات خارجية، خاصة من القوى التي تسعى لفرض إرادتها عبر العقوبات والتهديدات العسكرية.
لقد أكد الإمام الخامنئي في خطابه أن الإصرار الغربي على فرض نهج التفاوض القسري مرفوض، وهو موقف متسق مع تجارب التاريخ، حيث إن العديد من الدول التي خضعت للضغوط الأمريكية انتهى بها الأمر إلى مزيد من التبعية والانهيار الداخلي، كما حدث مع بعض الدول العربية التي راهنت على واشنطن في حماية أمنها القومي.
وفي المقابل، فإن الصمود الإيراني أثبت أن الاستقلال السياسي والاقتصادي ليس مجرد شعار، بل استراتيجية يمكن تحقيقها بالصبر والتخطيط المدروس.
⸻
ثانيًا: البرنامج الصاروخي الإيراني خط أحمر.
منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، أدركت إيران أن القوة الدفاعية هي مفتاح الحفاظ على الاستقلال، خاصة في ظل بيئة إقليمية معادية تحيط بها القواعد العسكرية الأمريكية من كل جانب. ولهذا، كان تطوير البرنامج الصاروخي خيارًا استراتيجيًا لا يقبل المساومة.
لقد حاولت الولايات المتحدة مرارًا فرض قيود على البرنامج الصاروخي الإيراني، بحجة أنه يمثل تهديدًا للأمن الإقليمي، لكن الحقيقة هي أن ما تريده واشنطن هو إبقاء إيران ضعيفة وغير قادرة على الدفاع عن نفسها أمام أي عدوان محتمل.
وهنا يبرز تساؤل مهم: لماذا يُسمح للكيان الصهيوني ودول أخرى بامتلاك ترسانات ضخمة من الأسلحة المتطورة، بينما يُطلب من إيران التخلي عن قدراتها الدفاعية؟ هذا النهج يعكس المعايير المزدوجة التي سنتحدث عنها لاحقًا، لكنه أيضًا يكشف عن مخاوف الغرب من إيران كقوة صاعدة قادرة على فرض معادلات جديدة في المنطقة.
⸻
ثالثًا: المعايير المزدوجة في الحضارة الغربية.
أحد أبرز الانتقادات التي يوجهها الإمام الخامنئي للغرب هو نفاقه في التعامل مع القضايا الدولية، حيث يستخدم الغرب شعارات مثل حقوق الإنسان، الديمقراطية، والأمن الدولي، لكنه في الوقت نفسه يدعم الأنظمة القمعية ويشن الحروب عندما تخدم مصالحه.
1. ازدواجية المعايير في دعم الاحتلال الإسرائيلي
أحد الأمثلة الصارخة على هذه المعايير هو الدعم الغربي المطلق للكيان الصهيوني رغم جرائمه ضد الشعب الفلسطيني. فبينما تدّعي الولايات المتحدة وأوروبا الدفاع عن حقوق الإنسان، نراها تغض الطرف عن المجازر التي يرتكبها الاحتلال، بل وتدعمه عسكريًا وسياسيًا.
2. الحروب الأمريكية في الشرق الأوسط
الحضارة الغربية، التي تدّعي أنها تقوم على حقوق الإنسان والديمقراطية، كانت المسؤولة عن أكبر الكوارث الإنسانية في العقود الأخيرة، من العراق إلى أفغانستان إلى ليبيا وسوريا. فباسم “مكافحة الإرهاب”، دمرت واشنطن شعوبًا بأكملها، وارتكبت مجازر بحق المدنيين دون أي مساءلة دولية.
3. معاقبة الدول المستقلة ودعم الأنظمة القمعية
بينما تفرض واشنطن عقوبات اقتصادية قاسية على إيران، كوبا، فنزويلا، لأنها دول مستقلة، نجدها تدعم أنظمة استبدادية في الشرق الأوسط طالما أنها تخدم مصالحها. وهذا يكشف أن الهدف الحقيقي للغرب ليس الديمقراطية أو حقوق الإنسان، بل الهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب.
⸻
خاتمة: المواجهة مستمرة… وإيران ماضية في طريقها.
لقد أثبتت التجارب أن الوقوف في وجه الهيمنة الغربية يتطلب ثباتًا استراتيجيًا وقوة ردع حقيقية، وهو ما جعل إيران اليوم قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها. فسواء فيما يتعلق برفض سياسة التفاوض القسري، أو الدفاع عن القدرات العسكرية، أو فضح المعايير المزدوجة للغرب، فإن الجمهورية الإسلامية مستمرة في مسارها دون تراجع.
وكما قال الإمام الخامنئي:
“لا يمكن لأمريكا أن تفعل شيئًا، ولن تستطيع أن تفرض علينا إرادتها، فإرادتنا أقوى وعزيمتنا أصلب، لأننا أصحاب حق ونقف على أرضية صلبة.”
إن هذه الرؤية الاستراتيجية ليست مجرد شعارات، بل هي واقع يثبت يومًا بعد يوم أن الشعوب المستقلة يمكنها الصمود والانتصار في وجه الطغيان العالمي، مهما كانت التحديات والعقوبات المفروضة عليها.
لا تتبنى الإشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة