منتدى التعاون الصيني العربي... تطور نوعي في العلاقات بين الجانبين
استضافت بكين "منتدى التعاون الصيني العربي"، في دورته العاشرة التي عُقدت في 30 أيار/مايو، والذي شهد حضوراً مميزاً لجهة مشاركة أربعة رؤساء وملوك عرب.
تأسس منتدى التعاون الصيني العربي في كانون الثاني/يناير 2004 خلال زيارة الرئيس الصيني آنذاك، هو جين تاو، للقاهرة، بهدف تعزيز العلاقات والتعاون بين الصين والدول العربية. وعقد المنتدى اجتماعه الأول في مقر الجامعة العربية في القاهرة في أيلول/سبتمبر 2004، وتم الاتفاق على أن ينعقد مرة واحدة كل عامين.
استمرارية انعقاد المنتدى تؤكد رغبة الجانبين في تعزيز التعاون وزيادة التنسيق بينهما في القضايا السياسية، وتوسيع العلاقات لتشمل الجوانب الإنسانية والثقافية والحضارية.
مشاركة القادة العرب كان الهدف منها نقل رسائل سياسية، تفيد بأن العرب سئموا من الانحياز الأميركي المطلق إلى الكيان الصهيوني، مناشدين القوى الكبرى، وعلى رأسها الصين وروسيا، كي تؤدي دوراً في الإعداد لمؤتمر دولي للسلام بين الفلسطينيين و"إسرائيل".
وكانت لجنة متابعة قرارات القمة العربية الإسلامية، التي عُقدت في الرياض لمناقشة الحرب في غزة، اختارت بكين لتكون وجهتها الأولى، في إطار سعيها لدى عواصم القرار الدولي لوقف الحرب الوحشية التي ترتكبها "إسرائيل".
القضية الفلسطينية كانت حاضرة بقوة في منتدى التعاون الصيني العربي، وأعلن الرئيس الصيني موقف بلاده الداعم لقيام دولة فلسطينية مستقلة عند حدود عام 1967، وعاصمتها القدس.
ورأى الرئيس الصيني أنه "لا ينبغي للعدالة أن تغيب إلى الأبد"، في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يشير إلى حقوق الشعب الفلسطيني والظلم الذي تعرض له.
وأعلنت بكين مساعدات لغزة بعد الحرب بقيمة نصف مليار يوان صيني، وتقديم ثلاثة ملايين دولار مساعدات للأونروا لتتمكن من مساعدة المدنيين في غزة.
الصين، بقوتها الاقتصادية وفعاليتها السياسية وتأثيرها العالمي، يبدو أنها الدولة الوحيدة القادرة على إيجاد حل للقضية الفلسطينية، إذا ما استطاعت تخليص هذا الملف من يد واشنطن التي كانت تحتكره في يدها تاريخياً.
مراجعة الماضي والبناء عليه
كان منتدى التعاون الصيني العربي حقق نتائج كبيرة خلال الأعوام العشرين الماضية، لكنها تبدو دون طموحات الجانبين، وخصوصاً الجانب الصيني الذي يسعى لتعزيز شراكاته مع دول المنطقة، وخصوصاً أن تلك الشراكات لم تعد تقتصر على الجوانب الاقتصادية وحدها.
جامعة الدول العربية كانت أول منظمة إقليمية تشترك في مبادرة الحزام والطريق، وهو ما يعكس الحرص العربي على تعزيز التعاون مع بكين.
ومن النتائج التي حققها المنتدى زيادة حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية من 37 مليار دولار في عام 2004، بحيث وصلت إلى نحو 400 مليار في عام 2023.
وكذلك انضمت كل الدول العربية إلى مبادرة الحزام والطريق، وإقامة 12 دولة عربية شراكات استراتيجية مع الصين، منها 4 دول أقامت شراكات استراتيجية شاملة.
أنشأ المنتدى منذ تأسيسه 19 آلية للتعاون بين الصين والدول العربية، وأصدر 85 وثيقة بشأن التعاون بين الجانبين.
وبمساعدة الصين، انضمت ثلاث دول عربية إلى منظمة البريكس، وست دول إلى منظمة شنغهاي، وهما منظمتان تُعَدّ بكين الفاعل الأساسي فيها.
وكذلك، عُقدت القمة العربية الصينية في الرياض في عام 2022، وبعدها استطاعت بكين تحقيق المصالحة بين الرياض وطهران.
قام بنك التنمية الصيني بتنفيذ مشاريع تنموية في الدول العربية بلغت قيمتها 17 مليار دولار، ونفذت الصين مشاريع بنى تحتية مهمة في عدد من الدول العربية.
أهمية الدول الأربع بالنسبة إلى الصين
وجهت الصين الدعوة إلى رؤساء مصر وتونس والإمارات العربية المتحدة وملك البحرين، ولكل دولة خصوصيتها في علاقاتها ببكين.
ثلاث دول من الدول الأربع تقيم اتفاقيات للسلام مع "إسرائيل" (مصر – البحرين -الإمارات)، والصين تسعى لإيجاد حل للقضية الفلسطينية.
جاءت مشاركة مصر للاحتفاء بالذكرى العاشرة لتحول العلاقات بين البلدين إلى شراكة استراتيجية شاملة.
بالنسبة إلى الصين، مصر دولة مهمة، فهي أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، وتقع في قلب الوطن العربي، وهي بوابة الصين نحو القارة الأفريقية.
وفي مصر قناة السويس، وما تشكله من أهمية خاصة في نقل البضائع الصينية إلى القارة الأوروبية. لذا، سعت بكين للحصول على عقود تخص البنى التحتية للقناة وعملت على توسعتها لتكون قادرة على مرور سفن الشحن العملاقة فيها.
في عام 2016، وقعت الصين ومصر اتفاقية للمقايضة بالعملات الوطنية. كما بادلت الصين كثيراً من ديونها على مصر بالاستثمارات، وهو ما ساهم في تحسن الاقتصاد المصري.
الممر الهندي يستبعد قناة السويس، وهو مشروع منافس للحزام والطريق الصيني. وبالتالي، فإن لكلا البلدين تحفظاته بشأن هذا الممر.
وكانت الاستثمارات الصينية في مصر بلغت 8 مليارات دولار في عام 2023، وهناك نحو 2800 شركة صينية تعمل في مصر.
زيادة عدد الشركات الصينية، وارتفاع عدد السياح الصينيين المتجهين إلى مصر، زادا في عدد الرحلات الجوية بين البلدين، بحيث وصلت إلى 28 رحلة شهرياً، أي بمعدل رحلة كل يوم تقريباً.
الشيء الجيد هو أن مصر توازان في علاقاتها بين الشرق والغرب، ولا تريد الاعتماد على الاستيراد من الصين، بل عملت على نقل التكنولوجيا والصناعات وتوطينها فيها، وهو ما ساهم في تأمين فرص العمل وتخفيف الحاجة إلى القطع الأجنبي.
أما تونس فهي دولة مهمة أيضاً، ولها وزن استراتيجي كبير، وكانت تاريخياً جزءاً من طريق الحرير، حيث كان يقصدها الأوروبيون قبل ذهابهم إلى الشرق الأوسط، ثم إلى الصين.
موانئ تونس مهمة جداً، وتتيح للصين "الاقتراب ما أمكن من أوروبا". وبالتالي، فإن التعاون والشراكة معها يشجعان سائر الدول المغاربية والأفريقية على السير على خطاها.
أما البحرين فكانت العلاقات بينها وبين الصين تحظى بنوع من الفتور، نتيجة أسباب كثيرة. فالبحرين فيها أكبر قاعدة عسكرية أميركية خارج الولايات المتحدة، بحيث توجد فيها قيادة الأسطول الخامس الأميركي، وهو الأسطول المسؤول عن أمن المنطقة كلها.
كما أن البحرين هي رئيسة القمة العربية لهذا العام، وهي المعنية بمتابعة قراراتها التي تم التوصل إليها في قمة المنامة قبل أيام.
وتسعى البحرين لأداء دور سياسي عبر سعيها لعقد مؤتمر دولي للسلام في أراضيها، وترغب في أن تكون بكين داعمة لهذا التوجه.
وكانت العلاقات بين بكين والمنامة شهدت تطوراً خلال الأشهر الماضية، وتم فتح عدة رحلات جوية أسبوعياً بين البلدين، وتنظيم مجموعات سياحية من البحرين إلى عدة مدن في الصين.
أما الإمارات العربية المتحدة فتحظى زيارة رئيسها لبكين بأهمية خاصة، كونها الزيارة الأولى له منذ استلامه الحكم في عام 2022.
وللإمارات أهمية كبيرة بالنسبة إلى بكين على الصعيد الاقتصادي، كونها "سوقاً حرة" متقدمة في منطقة الشرق الأوسط.
كما أن بكين كانت داعمة لانضمام كل من مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى منظمة البريكس في العام الماضي.
لكنّ الإمارات تتخذ موقفاً قد يبدو متوازناً، لجهة كونها طرفاً في مبادرة الحزام والطريق، لكنها في الوقت نفسه جزء من "الممر الهندي"، الذي يُعَدّ مشروعاً منافساً للحزام والطريق.
كما أن الإمارات دخلت في تحالف I2U2، الذي ضم كلاً من الهند و"إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية. وبالتالي، فإنه لن يلقى ارتياحاً من جانب الصين.
التعاون المستقبلي بين الصين والدول العربية
كانت بكين حريصة على استمرار التعاون والتنسيق بين الجانبين الصيني والعربي، وأعلنت أنها ستستضيف الاجتماع المقبل في عام 2026.
وحدد الرئيس الصيني ما وصفه بـ"5 معادلات" لمجالات التعاون بين الصين والدول العربية، وهي:
- معادلة التعاون المدفوع بالابتكار: تهدف إلى التعاون في مجالات الصحة والذكاء الاصطناعي والتنمية الخضراء والزراعة الحديثة والمعلومات الفضائية، وبناء مركز مشترك لرصد الحطام الفضائي ومركز للتعاون والتطوير لتطبيقات نظام بيدو الصيني (بديل من غوغل، وGPS)، وتعزيز التعاون في مجالي الفضاء الآهِل والطائرات المدنية.
- معادلة تعزيز التعاون استثمارياً ومالياً بين الصين والدول العربية، وتعزيز التعاون بين المؤسسات المالية والمصرفية في مجال إصدار العملات الرقمية للبنوك المركزية.
- معادلة التعاون في مجال الطاقة: لتعزيز التعاون بين الجانبين في مجالات البحث والتطوير واستخدام تقنيات الطاقة الجديدة وإنتاج المعدات اللازمة لها.
- معادلة التعاون اقتصادياً وتجارياً.
- معادلة لتعزيز التواصل، ثقافياً وشعبياً، والعمل على إنشاء "المركز الصيني العربي لمبادرة الحضارة العالمية"، وتعزيز دور "مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية"، وتسريع وتيرة بناء منصات، مثل "الرابطة الصينية العربية للمؤسسات الفكرية"، و"منتدى تنمية الشباب الصيني العربي"، و"الرابطة الصينية العربية للجامعات"، و"مركز الدراسات الصيني العربي للتعاون الثقافي والسياحي"
وفي إطار تعزيز التعاون بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب العربية، سيتم دعوة 200 مسؤول من الأحزاب العربية لزيارة الصين في كل عام.
كما جرى الاتفاق على زيادة عدد السياح الصينيين إلى الدول العربية ليصل إلى 10 ملايين سائح خلال الأعوام الخمسة المقبلة.