قبل 3 سنە
محمد بكر
220 قراءة

سجلّ أميركا وقلم بايدن.. السيناريست ذاته للقصة ذاتها!

كثيرةٌ هي التحليلات والتوصيفات لاستقراء المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة بعد تنصيب جو بايدن رئيساً للبلاد. ثمة من يقول إننا على موعد مع نهج جديد يخطه قلم بايدن في سجلّ أميركا، برؤية جديدة وسيناريو مختلف عن أربع سنوات من حكم ترامب كانت مليئةً بالمشاهدات الغريبة والسلوك الاستثنائي. أولى بوادر "التغيير" كانت بإلغاء قرار حظر دخول مواطني سبع دول إسلامية إلى الولايات المتحدة كان قد أقره ترامب، وعودة سريعة إلى اتفاقية باريس للمناخ، وكذلك الاتفاق النووي مع إيران، بحسب مراقبين .

لا يجادل أحد ربما في أن بايدن سيتخذ خطوات كبيرة نحو المحو التدريجي لتركة ترامب. نتحدث هنا تحديداً عن الداخل الأميركي، ومحاولته بقوة أن يكون رئيساً لكل الأميركيين كما قال، فتعيينه كامالا هاريس نائباً للرئيس، ولويد أوستين وزيراً للدفاع. يؤكد ذلك خطوات الرجل نحو تعزيز الوحدة بشكل أكبر في المجتمع الأميركي ونسف العنصرية وتعالي البيض.

ولا يجادل أحد أيضاً في إجراءات مهمة سيتخذها بايدن نحو منظومة صحية أميركية أكثر قوة ورفعة تليق بدولة كالولايات المتحدة، بعد أن ظهر جلياً مدى عجزها وضعفها خلال جائحة كورونا.

ولا شك في أن الرئيس الجديد سيعمل على توفير تأمين صحي لمواطنيه، ويعوض الاقتصاد الأميركي المتضرر من الجائحة، بهدف تعزيز الداخل وإظهار المسؤولية في مواجهة المخاطر والتحديات، لكن ماذا عن السياسة الخارجية وملفات كبيرة في المنطقة كانت اليد الأميركية هي الطولى فيها والمفصّلة لمشاهد الدم والخراب والقتل على امتداد جغرافيات بعينها؟

أولى الملامح التي تتحدث عن ماهية السياسة الخارجية الأميركية رسمها وزير الخارجية أنتوني بلينكن، خلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، دعا خلالها إلى إحياء التحالفات القديمة للولايات المتحدة، لإنشاء ما أسماه "جبهة موحدة" لمواجهة روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، وقال أيضاً: "عندما لا نقود، فثمة أحد آخر سيملأ مكاننا، ولكن بطريقة لا تعزز مصالحنا، أو أن لا أحد سيفعل ذلك".

هذه الرؤية الواضحة بتعابيرها وضوح الشمس تشي بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن دور القائد والمحدد لشكل النظام السياسي في العالم، ولن تتنازل أو تنسحب من مشهدية كباشها مع خصومها من دون مقابل، أو بالشكل الذي يسمح بتصاعد قوى أخرى تسحب منها هذا الدور .

ثاني تلك الملامح هو وصول أوستن، إلى قيادة البنتاغون، وهو صاحب الحضور العسكري والميداني "الصاخب" في المنطقة، وتحديداً في العراق وأفغانستان، وأحد الذين دعوا إلى زيادة عديد القوات الأميركية في العراق، كما أنه يصف روسيا بالعدو، ويعبر بشكل مباشر عن التنامي المقلق للصين، والذي يجب مواجهته والحد منه، كما قال في أول اتصال هاتفي مع نظيره البريطاني بعد تسلمه حقيبة الدفاع .

يبدو صعباً على بايدن أن يقوم برفع العقوبات عن إيران كبادرة حسن نية للعودة إلى الاتفاق النووي معها، وهو الذي قيل إنه يدعم تلك العودة، لكن ببنود جديدة، وذلك ما حسمته طهران عندما أعلنت عدم نيتها مناقشة اتفاق جديد، كما حسمت النقاش في ما يتعلق بملفها الصاروخي، وتالياً استمرار مشهد الكباش مع الولايات المتحدة.

في الشمال السوري، قد لا نشهد تطوراً لافتاً بانسحاب أميركي كامل منه أو من المنطقة، فمن المتوقع أن تجدد الإدارة الجديدة مطالب الإدارة القديمة من دمشق، في اعتبارها أن أي تطور مرهون بحزمة أمور متعلقة بالانسحاب الإيراني، وبيانات عن "الجهاديين الأجانب"، وحصة في إعادة الإعمار، وهو ما سيدفع بايدن إلى تعزيز الورقة الكردية إذا ما استمرت دمشق في رفض المطالب الأميركية .

وسيستمر تعزيز العلاقة مع دول الخليج وابتزازها مالياً ودفعها فاتورة الحماية الأميركية، ولكن ليس بأسلوب ترامب "الصلف" المباشر، إنما بطريقة أكثر "ودية"، ظاهرها "احترام وعلاقات متبادلة" وتحالف استراتيجي، كما قال بلينكن، وباطنها رئيسٌ ومرؤوس، ناهيك بأن تلك الدول ستبادر أصلاً لملء سلة بايدن بالعطاءات السياسية والمالية، في محاولة لتعويض ما تراه خسارةً برحيل ترامب.

وقال روعي شارون، محلل الشؤون العسكرية في هيئة البث الرسمية الإسرائيلية "كان"، نقلاً عن مصادر رفيعة، إنهم "مستمرون في منع تمركز إيران في سوريا، بغض النظر عمن يصل إلى البيت الأبيض"، كما قال أفيف كوخافي إنهم "سوف يجددون المعطيات الموضوعة لمواجهة طهران"، وهو ما يؤكد استمرار التوجهات الإسرائيلية للضغط على بايدن، والمصادقة العملية على تفعيل المواجهة مع طهران. ولعل العدوان الأخير على حماه هو أولى الرسائل السياسية لبايدن .

المسلسل الأميركي في تصدير حلقات وأجزاء الهيمنة والتسلط وإرهاب الدولة مستمر، وهو الأمر البديهي الأساس في أسلوب الولايات المتحدة السياسي الذي لا يتعلق بمن يأتي ومن يغادر. قد يختلف السرد، لكن السيناريست يبقى ذاته، والسيناريو يبقى نفسه.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر  عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP