قبل 4 سنە
فؤاد البطاينة
235 قراءة

أمريكا ..أزمة حكم و فوضى سياسية !

استطاع اليمين المتطرف في أمريكا الذي يمثل الركن الأساسي في الدولة العميقة أن يقلب موازين كثيرة في امريكا وأوروبا والعالم على يد ترامب خلال الأربع سنوات الماضية. وهناك رؤساء دول كثيرين أزاحوا قناع الزيف عن وجوههم وأدمغتهم استقواءً بنهج ترامب أو تقليداً له. ولن يكون بالسهل إزالة معالم تلك الحقبة. ولا أعتقد بأن نجاح ترامب في انتخابات عام 2016 كان مجرد صدفة أو رغبة شعبية بقدر ما كان نتيجة دعم خفي ومبرمج لليمين المتطرف على صعيدي الدولة العميقة والحزب الجمهوري. وهذا لا يعني بأن ترامب كان على تنسيق مع تلك الجهات، ولا تلك الجهات كانت غافلة عن تكوينه الشخصي الأهوج وضحالة خبرته واتزانه وحكمته بل استخدمت أمراضه هذه لتنفيذ أو تحقيق سياساتها وبرامجها الرأسمالية والعقدية.
ويبدو من الضجيج المُفتعل حول نتائج الإنتخابات الأخيرة أن عدم نجاح ترامب فيها كان مفاجئاً لليمين المتطرف الذي لم يستوعب خسارة الصبي، حيث كشفت تداعيات الخسارة الأولية عن صدمة وسلوك مرتبك في التعامل معها. كما كشفت عن مدى التغييرات العميقة التي نجح بصنعها ترامب أثناء ولايته من خلال اختراق ادارة مفاصل الدولة اختراقاً يمينياً متطرفا، وهذا ما تُفسره الشجاعة بالتمادي على النظام الإنتخابي وتقاليده واللجوء لغوغائية الشارع ولمسرحية الإستعانة بالقضاء بلا سند وازن أو متين سعياً لقرار مسيس مأمول وغير مستبعد.
لا أعتقد بأن الأزمة الإنتخابية في الولايات المتحدة أمر عابر، ولا المسألة في هذه الدولة العظمى عادت تُختصر ضمن سياق حزبين برامجيين في إطار الدستور. بل إننا أمام مرحلة تاريخية جديدة في صراع استراتيجي بين تيارين بنهجين على مساحة الدولة وسكانها لن ينتهي على خير لأمريكا. وهذا ينم عن خلل أو زيف في النهج الديمقرطي وثورة دكتاتورية عليه يقابلها ثورة مضادة. الفكر الرأسمالي الامبريالي له أنياب فيل ولا يستسلم لديمقراطية ولا يتعايش معها طويلاً. واستطاعت الانجيلية المسيحية المتدروشه بالفيروس الصهيوني أن تخترق هذه الأنياب وتتحالف معها. ولا نستطيع القول إلا أن هناك بالمقابل فكراً يساريا أصيلاً كان قد ولد مبكراً في مواجهة الغطرسة والإنتفاخ على حساب استعباد الشعوب والدوس على قيم العدالة والمساواة وحقوق الانسان. ولا بد لهذا الفكر أن ينهض أيضا من جديد. على يد الشعب وأصحاب المصلحة الحقيقية
نعود لصلب الأزمة الأمريكية. ماذا عسى بايدن أن يفعله فيما إذا لم تستقر له الرئاسة، وماذا عساه فاعلاً إذا استقرت له وخرج ترامب من البيت الأبيض. الجواب في الحالتين سيكون مرتبطاً بمعطيات تتمثل بالمناخ المؤسساتي الذي صنعه ترامب في مفاصل الدولة، وفي كونجرس مجلس شيوخه أغلبيتة جمهورية ومجلس نوابه ازداد فيه الجمهوريون وبمواقف وسلوك الدولة العميقة وبالعصابات الشعبية العنصرية المسلحة والأشبه بتشكيلة الميليشيات. وأقول مسبقا وكما سيلي أنه في الحالتين لن تربح أمريكا وسيكون خطها البياني بين الانحدار الحاد للهاوية أو البطئ إليها.
 ففي الحالة الأولى ستدخل أمريكا في أزمة حكم وفوضى سياسية وأمنية واجتماعية على المستويات الرسمية الفاعله وعلى مستوى الشعب. ومن الصعب إيقافها إلى أن تصل لنوع من الحرب الأهلية وانفصالات بالولايات لن تستقر قبل وقت طويل لعدم التجانس السكاني والغايات. وإذا ما تحرك الجيش الإتحادي فسيزيد الطين بلة ويَفشل هذه المرة، فالوضع مختلف جداً عن حرب عام 1861. التي ربحها الإتحاد، بمعنى أن الولايات المتحدة ستتجه للتفكيك كما حصل في الاتحاد السوفييتي ولكن بطريقة عنيفة. وبهذا أضيف بأنه حتى لو جنح بايدن إفتراضاً للتضحية بالتنازل عن حقه بالرئاسة بصيغة قانونية ما من أجل استقرار أمريكا فلن يُسعف هذا في كبح جماح الرفض له من المناوئين لسياسة ترامب التي تخدم اليمين المتطرف ولا من ردات الفعل على المستويات الشعبية والرسمية.علاوة على أن هذا السلوك الإفتراضي إن حصل من بايدن سيكرس صدءاً سرطانياً في الدستور وطعنة تَسوق أمريكا إلى الدكتاتورية العالمية والإخلال بالسلم والأمن الدوليين.
أما في الحالة الثانية التي تستقر فيها الرئاسة لبايدن. فليس في ضؤ المعطيات المشار اليها في الفقرة الرابعة ما يسمح له أن يكون مُنتجاً أمام كونغرس غير متعاون ومنفذ لارادة اليمين المتطرف، وستقتصر امكانيات التغيير على ما هو تحت سيطرته المطلقه دستوريا. وأرى أن أمامه نوعين من التحديات. يتمثل الأول في مقدرته على الصمود في الحكم لأربع سنوات قدادمه. ولا نبالغ إن قلنا بأن ذلك ليس سهلاً. فسيواجه حرب إفشال له من اليمين المتطرف وإرث ترامب. أما النوع الثاني من التحديا ت فهي واسعة على الصعيدين الداخلي والخارجي.ولعل الأهم داخلياً إذا تجاوزنا عن القوانين الضريبية والصحية والعنصرية، سيكون التحدي الإقتصادي الذي فرضته تداعيات سلوك التعامل مع كوفيد 19 هو الأكبر، ولا سيما أنه ترافق مع بروز الصين التي تفوقت واستفادت في هذا السباق الذي امتد أثره سلبياً على الاقتصاد الأمريكي وطموحاته التنافسية.
 أما على الصعيد الخارجي فأمام بايدن لجانب رؤيته ونضوجه السياسي، رؤية إدارة أوباما في السياسة الخارجية التي كان شريكاً فيها. ومن المتوقع أن يحاول اختراق الكثير من سياسات ترامب التي أبرزت الصورة البشعة لأمريكا وأضرت بها، وفي مقدمتها الكثير من المسائل السياسية والاقتصادية والبيئة والأخلاقية المشتركة مع أوروبا، والتي اخترقت التحالف الغربي بشكل عام. وكما قد يسعى لترشيد علاقة امريكا مع روسيا لتسوية مشاكل كثيرة في سلة مقايضات وقد يكون في حساباته التنسيق معها لحل سياسي في سورية. وسيسعى لإعادة المصالحة أو المهادنة مع ايران على أسس من التفاهم فهو يعلم بمركزية إيران في المنطقة ويعلم بأن عبث ترامب باتفاقية الملف النووي كان نوعاً من البلطجة السياسية إرضاء مهزوزاً للكيان الصهيوني. وبالتأكيد سيتجه لإعادة استيعاب تركيا كدولة إقليمية مركزية، وأطلسية هامة وذلك من خلال حوار على عدة ملفات معاً. وسيواجه بايدن صعوبات في هذا لكثرة نقاط الخلاف التي منشؤها اهتمام أردوغان بالمصالح التركية وبروزه كرمز معني بالشأن الاسلامي العام. ولن يكون كل هذا سهلاً على بايدن
 وعلى صعيد القضية الفلسطينية، فجوهر السياسة بين الحزبين واحد. إذ كلاهما يرى بأن وجود الكيان الصهيوني المحتل وتفوقه العسكري مصلحة أمريكية استراتيجية عليا في المنطقة العربية والعالم. فلا عدالة في مجمل السياسة الأمريكية للقضية الفلسطينية والفلسطينيين والعرب، ولا معايير الدستور الأمريكي تسري عليهم. والاختلاف بين الحزبين هو في السلوك السياسي الإجرائي أحياناً، وفي الرؤية المرحلية وبالتعاطي الدبلوماسي مع القانون الدولي وبطرقة الذبح. وأتوقع قرارات إجرائية وشكلية تخترق مسار صفقة القرن، تعيد بها شيئا من ما الوجه للسلطة الفلسطينية بغية استدراجها لمفاوضات أساسها صفقة القرن. ومنها التمسك ببعض قرارات مجلس الأمن بشأن شرعية المستوطنات والضم دون المساس بقرارات ترامب في القدس. وكذلك إعادة الدعم للأنروا وإعادة مكتب المنظمة لواشنطن ومنح السلطة بعض المال. أما على الصعيد العربي فستستمر إدارته باتباع سياسة أوباما بازدراء الأنظمة العربية لا سيما الخليجية كالسعودية, وإثارة ملفات حقوق الإنسان فيها ولن تكون مصر خارج هذا الإطار. وقد تتغير اللعبة مع الاخوان المسلمين وعندها ستنهض قطر على حساب الإمارات. وبالتأكيد لدى بايدن السند لوقف دعم الحرب في اليمن.
أما الأردن، فاتوقع أن يحظى باهتمام خاص من حيث موقعه الجغرافي والتصاقه العضوي بالقضية الفلسطينية والمشروع الصهيوني. فهو الساحة والبوابة المأمونة الجانب للسياسات والعمليات الأمريكية في العراق وسورية وهو عمق الكيان الصهيوني المُفترض في الظرف الراهن. وقد كنت قد ذكرت في مقال سابق أن إدارة ترامب رفضت فكرة تنازل الملك عن مُلكه لولي عهده الأمير حسين، وربما أن إدارة بايدن ستتفهم هذا الأمر الذي سيُسهل عليها العمل في ضوء ما يعتقدونه أو يُعتقد من فشل الملك في إدارة الحكم والدولة وانعزاله التام عن الشعب وقضاياه، والتستر على استباحة القانون والفساد والتخلي عن رجالات الدولة الموالين وتهزيء مؤسسات الحكم وسلطاتها والتسريع بهدم وتصفية المملكة وشيوع الفوضى في الوقت الخطأ لأمريكا. فليس في الأردن اليوم ما يبقيه دولة قائمة ً إلّا كفالة أمريكا. وفي الختام، كان هذا المقال مجرد رأي أو وجهة نظر تحتمل الخطأ والصواب.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP