هل يستطيع ترامب النجاة؟
طغت التظاهرات الأميركية على المشهد العالمي، وغطَّت على أخبار كورونا وأعداد الإصابات والوفيات حول العالم عامة، وفي الولايات المتحدة خاصة، التي ضربها الوباء بشكل أكبر من باقي العالم.
وفي خضمّ الأحداث المتطورة دراماتيكياً، تتّجه الأنظار مع كلّ حدث أو أزمة في الولايات المتحدة إلى قياس قدرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على استغلال الأحداث لمصلحته، وبالتالي التجديد لولاية ثانية، ومن أبرزها:
1- وباء كورونا، والأزمة الاقتصادية التي ضربت الاقتصاد الأميركي، والمرشّحة إلى التفاقم، وارتفاع أعداد العاطلين من العمل، وقيام الإعلام بتحميل الرئيس مسؤولية ارتفاع الإصابات بالوباء، واتهامه بعدم القدرة على التعامل معه بشكل جيد.
وفي هذا الإطار، تتضارب الآراء حول قدرة الديموقراطيين على هزيمة ترامب استناداً إلى هذه الأسباب فقط، في ظل قدرته على الهجوم المضاد، وتحميل الصين المسؤولية، وتمسّك الجمهوريين بالرئيس، وتماسك قاعدته الانتخابية مقابل مرشح ديموقراطي ضعيف نوعاً ما.
وفي مراجعة تاريخية لتأثير انتشار الأوبئة في الانتخابات الأميركية، نجد أن الأوبئة يمكن أن يتم استثمارها في الانتخابات، ففي ربيع العام 1918، ضرب وباء الإنفلونزا الولايات المتحدة الأميركية، ثم أتت موجة ثانية في تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه، الأمر الذي أرخى بظلاله على انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بمجلسيه.
كان إقبال الناخبين ضعيفاً جداً بسبب الخوف من الإنفلونزا، وأتت النتيجة مفاجئة، إذ سيطر الجمهوريون على المجلسين، وكانت المرة الأولى التي يسيطرون فيها على كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ منذ العام 1908.
2- التظاهرات التي تعمّ أرجاء البلاد، رداً على قيام شرطي أميركي بقتل رجل أسود. وبغض النظر عن الاتهامات التي يسوقها الديموقراطيون والجمهوريون لأطراف خارجية بالتدخل لإثارة النزاعات، وعلى الرغم من محاولة جميع الأطراف إدانة قتل جورج فلويد، فإن من الواضح أن ترامب يحاول أن يستفيد من مشاهد السرقة والحرق وأعمال النهب والدمار، لإبراز نفسه كبطل "القانون والنظام"، وهو ما عكسه في إحدى تغريداته بعد أيام على بدء التظاهرات (يوم الإثنين).
فعلياً، يحاول ترامب أن يكرر تجربة نجاح المرشح الجمهوري ريشارد نيكسون في العام 1968. في تلك السنة، تحدّث نيكسون عن "الأغلبية الصامتة"، وسوّق نفسه منقذاً للبلاد، بعد أن زادت الجريمة، وانتشرت التظاهرات وأعمال الشغب، وازداد الانقسام المجتمعي بسبب حرب فييتنام وحملة مارتن لوثر كينغ للحقوق المدنية... وفي خضمّ كل تلك الأزمات، استطاع نيكسون أن يحقق انتصاراً على الديموقراطيين.
تتباين تقديرات الخبراء الأميركيين حول قدرة ترامب على الاستفادة من التظاهرات العارمة وأعمال الشغب المرافقة لها لإعادة انتخابه، ولكن تجدر الملاحظة أن إطلاق نيسكون جملته الشهيرة كانت في معرض انتقاد المسؤولين، ولم يكن هو نفسه رئيساً.
من المتوافق عليه في السياسة، أن من الأسهل على المعارضين اتهام السلطة بالتقصير وعدم فعل ما يلزم لكبح الجريمة وحفظ الأمن والنظام، ولكن ترامب - وعلى الرغم من محاولته اتهام حكام الولايات الديموقراطيين بالتقصير - فإنه كرئيس للولايات المتحدة، مسؤول عن الأحداث والتطورات (السلبية والإيجابية) التي تحصل في عهده.
في المحصّلة، يبدو - لغاية الآن - أنَّ من المبكر الحكم على قدرة ترامب على التجديد، في ظل التداعيات السلبية لكورونا وما تلاها، وفي ظل تمسك قاعدته الانتخابية به لأسباب عاطفية وغرائزية وشعبوية. ويبقى، بلا شكّ، أن العالم أجمع ينظر باهتمام بالغ إلى الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، وكأنها أمر خاص تتأثر به كل دولة في الكرة الأرضية.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً