ظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة.. أيها "الأشقاء" طمّنونا عنكم
في هذه الأيام، وفي الذكرى الثانية والسبعين للنكبة، يعيش مجتمعُنا العربي بشكل عام، والفلسطيني بشكل خاص، حالةً غير مسبوقة من الغليان السياسي، الأمني، الدبلوماسي، الاجتماعي، والثقافي، على خلفية حراك إقليمي ودولي ضاغط ومتوتر في الوقت نفسه، يتمحور حول مشروع إنهاء القضية الفلسطينية بأسرع ما يمكن، وبأية طريقة كانت.
+وكما يبدو بالنسبة إلى رعاة هذا المشروع- الكيان الصهيوني في الأساس كمستفيد أول، بدعم من الإدارة الأميركية وبعض الأوروبيين، مع "شلة" من الدول والأنظمة العربية المرتهنة - فإن هدفهم أن تسلك "صفقة القرن" بتفاصيلها التي ظهرت، أو بأي تفصيل مرادف آخر، نحو النهاية التي ستكون قاضية على كامل الحقوق العربية في فلسطين، المسيحية منها والإسلامية.
إذا اعتبرنا أن للعدو الإسرائيلي ورعاته الغربيين مصلحة في إنهاء القضية الفلسطينية وإقفال كل أبواب إمكانية استعادة الحقوق العربية، فأين هي مصلحة العرب المرتهنين الذين يحملون راية التطبيع في إنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي من دون استعادة الحقوق، ولو بالحد الأدنى؟ ولماذا يقاتلون ليلاً نهاراً لتثبيت وجود العدو في فلسطين المحتلة؟ وما هي تأثيرات مواقفهم الانهزامية في القضية الفلسطينية؟
ما يميّز غالبية الصراعات بين الدول والمجتمعات عبر التاريخ أن للعملاء دائماً الدور الأكثر تأثيراً في أي منها، والعميل، بتعريفه النموذجي، هو الذي يتعامل مع عدو وطنه أو أمته أو قومه، إذا كان هذا العدو يحتل الأرض أو يعتدي عليها بهدف احتلالها.
يؤدي العميل دوراً أساسياً في تمكين العدو من الثبات على احتلاله أو الفوز في المعركة الهادفة إلى احتلال الأرض.
من جهة أخرى، لا فرق بين العميل والمُطبِع، بسبب ما يقوم به الأخير من دور لافت في مساعدة العدو على تثبيت احتلاله، عبر امتصاص رد فعل المقاومين للاحتلال، وتضييع تأثيرات هذه المقاومة في العدو، أو من خلال اتخاذه المواقف الهادفة إلى تضييع الحق المغتصب أو تبريره بحجج واهية، بعد أن يعمل لتفريغه من وجهه القانوني أو من حيثيته التاريخية، من خلال سعيه إلى تطبيع العلاقة بين الغاصب والمُغتَصَب، دافعاً أو موجهاً الأخير، بالتهديد أو بالوعيد، إلى التنازل عن حقوقه، تحت شعار الأمن والاكتفاء المادي والاقتصادي.
أغلب القوانين الوضعية عبر التاريخ، إضافة إلى الأعراف والتقاليد والأنظمة كافة، كانت متشدّدة في عقوباتها على العملاء، فتفرض عليهم أقساها، والتي تصل إلى الإعدام أو إلى الأشغال الشاقة المؤبدة بأقل تعديل، كما تحرمهم من الأسباب التخفيفية التي يستفيد منها بعض المجرمين أحياناً، إلا العملاء، فلا ظروف تخفيفية لهم. والسبب في ذلك يعود في الأساس إلى أن تعاملهم مع العدو يندرج تحت عنوان الخيانة، وأيضاً لكونهم قادرين على التسبب بالإيذاء الأكبر لوطنهم، إذ يملكون الكثير من المعلومات التي يحتاجها العدو، وهم بالعادة لا يشكّلون هدفاً لمراقبة أجهزة أمن الصديق، إذ من المفترض أنهم في خانة غير العدو، الأمر الذي يستغلونه ضد وطنهم ودولتهم.
من هنا، وحيث يمكن الدمج، وبشكل شبه كامل عملياً، بين دور العملاء أو الذين يتعاملون مع العدو الإسرائيلي ودور المطبعين أو الساعين للتطبيع مع هذا العدو، من أنظمة وحكومات عربية معروفة، من المفيد الإضاءة على تأثيرات التطبيع سلباً في القضية الفلسطينية، وذلك من خلال تحديد النقاط التالية:
- في انسحابها من جبهة مواجهة العدوّ، تؤدي الأطراف الساعية إلى التطبيع دور الطرف الذي يضعف هذه الجبهة أو يزعزعها، من خلال إفقادها نسبة كبيرة من الجهود والإمكانيات، والتي كانت لتكون مؤثرة لو حافظت على التزامها بمواجهة العدو، ولو بالحد الأدنى، سياسياً أو عسكرياً أو مالياً، وخصوصاً أن أغلب الدول الساعية إلى التطبيع مع "إسرائيل" هي الأغنى والأكثر قدرة مالياً من بين الدول العربية، لناحية امتلاكها السلاح الأقوى؛ سلاح النفط، الذي لو تم استعماله والمناورة من خلاله في سبيل خدمة القضية الفلسطينية، لكانت الأخيرة قد حقَّقت الكثير.
- إعلامياً، بدلاً من أن تؤدي وسائل إعلام هذه الدول والأنظمة دور الداعم للقضية الفلسطينية، وهي من الوسائل الأكثر قدرة تقنياً ومالياً، وذلك من خلال إظهار عدالة هذه القضية وأحقّيتها ومظلومية أبنائها، تؤدي اليوم الدور المعاكس، من خلال تغاضيها عن إظهار الحقوق المغتصبة أولاً، وتوجيه الرأي العام الذي تؤثر فيه نحو نسيان القضية الفلسطينية والتأقلم مع فكرة ذوبانها وطمسها ثانياً.
- سياسياً ودبلوماسياً، تعمل هذه الأنظمة العربية اليوم، والساعية إلى التطبيع مع العدو الإسرائيلي، على تسويق كل ما يمكن أن يقتل القضية الفلسطينية ويثبت احتلال العدو للأرض، من مثل "صفقة القرن"، بحيث أصبحت هذه الصفقة الشغل الشاغل لقادة هذه الأنظمة ومسؤوليها ودبلوماسييها، بهدف إظهار حسناتها وما يمكن أن تؤمّن للشعب الفلسطيني في ما لو أيّدها واقتنع بها، من إغراءات مالية وسياسية واجتماعية. وبينما لا تحمل هذه الصفقة أية عناصر أو نقاط عادلة لقضية فلسطين وحقوق شعبها، نجد هؤلاء المطبعين رأس الحربة في دعمها والترويج لها.
وهكذا، يمكن استنتاج خطورة الدور الذي تؤديه الدول والأنظمة العربية الساعية إلى التطبيع مع العدو على القضية الفلسطينية، وضخامة التأثيرات السلبيىة لموقفها الداعم للتطبيع في إمكانية استعادة الحقوق المغتصبة والأراضي المحتلة من قبل الكيان الصهيوني، وكأن ما تقوم به تلك الدول "الشقيقة" يبقى بمثابة الجريمة الأشد إيلاماً مما قام ويقوم به العدو ضد أمتنا!
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً