قبل 4 سنە
يسري أبو عوض
274 قراءة

حراك تبادُل الأسرى ومفاتيح الصندوق الأسود

 

تحرص حركة حماس على إخضاع ملف الأسرى لاختبار النوايا والوقوف على الأسقف المقبولة؛ إلا أن الأمور سُرعان ما تعود إلى نقطتها الأولى رغم إعلان الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، عن جاهزيّتهما للبدء في جولات تفاوض غير مباشرة ككل مرة.

تباطأ الجانب الإسرائيلي في إعطاء أية معلومات رغبة منه في استدراج كتائب القسّام لإعطاء معلومات من جانبها. والأخيرة رفضت منذ الأيام الأولى تقديم أية معلومات من دون مقابل على حد قولها، إلا أنها كشفت عن وجود أربعة جنود إسرائيليين أسرى لديها، من دون أن تكشف عن حالتهم الصحية ولا عن هويّاتهم، باستثناء الجندي آرون شاؤول. 

في هذا السياق قالت القسّام إن الجيش الإسرائيلي خلّف أشلاءً لجنوده في شوارع مدينة بيت حانون وفي منطقة الشجاعية خلال عدوان 2014، ولم تكشف القسّام المزيد من التفاصيل حول عدد الجنود أو أشلائهم بغرض إحراج القيادة الإسرائيلية أمام جمهورها وتحريك المياه الراكِدة، ما دعا الجانب الإسرائيلي إلى إطلاق التسريبات والتصريحات مؤكّداً ما نشرته القسّام، وأوضح أن المفقودين جنديان ومواطنان مدنيان يحملان الجنسية الإسرائيلية وهما الأثيوبي أباراهام منغستو، والعربي هاشم بدوي السيّد، وكانا دخلا إلى قطاع غزَّة لأسبابٍ غير واضحة ويُرجَّح أنهما دخلا عن طريق الخطأ، الأول براً والآخر بحراً.

يلزمنا فَهْم استراتيجية التفاوض قبل الخوض في دهاليز الصفقة المقبلة، والمُتتبّع لتسلسل المفاوضات من حيث التكتيك والتوقيت في صفقة التبادُل الأولى، يجد أن استراتيجية "شراء الوقت" هي المُعتمَدة لدى الجانب الإسرائيلي من أجل البحث عن تسوية تفاوضية مقبولة؛ فهو غير قادر على دفع أثمانٍ باهِظة حسب وصف المسؤولين الإسرائيليين، وكذلك لتحسين وضعه التفاوضي رغم استمرار الوساطات التي كشف عنها مسؤول ملف الأسرى في حماس موسى دودين وهو أحد محرّري ومُبعدي صفقة شاليط من خمس دول عربية وغربية وهي (مصر، وتركيا، وقطر، والسويد، وألمانيا). هذه الدول حاولت مراراً إخراج صفقة تبادُل للأسرى بين الحركة و"إسرائيل"، إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل، إذ تشترط حركة حماس إطلاق سراح 51 من محرّري صفقة شاليط أعادت "إسرائيل" اعتقالهم بعد ستة أيام على أسر ثلاثة إسرائيليين في الضفة الغربية عام 2014، وهذا ما ذكره القيادي في حماس خليل الحيّة: "نحن جاهزون، والوفد المفاوِض جاهز، والأوراق جاهزة، والقرارات جاهزة، جاهزون لمفاوضات ماراثونية مسقوفة بزمن، شرط أن يكون الاحتلال جاهزاً لدفع الثمن، لكن إسرائيل غير جاهزة".

من جانبه بعث الجانب الإسرائيلي برسائل مُشابهة عبر مكتب نتنياهو: "إن منسّق شؤون الأسرى والمفقودين وطاقمه، بالتعاون مع هيئة الأمن القومي والمؤسّسة الأمنية، مستعدّون للعمل بشكلٍ بنّاءٍ من أجل استعادة القتلى والمفقودين وإغلاق الملف"، فما الذي يُعرقل البدء في صفقة تبادل جديدة؟

الباحِث في العقيدة الأمنية الاسرائيلية يُدرِك تماماً استحالة شروعها في مفاوضات جادّة قبل استنفاذ الخيار الأمني بشكلٍ كامل، فقد كان الجانب الإسرائيلي يحاول عبر منظمة الصليب الأحمر إيصال كتب ونظّارة طبية للجندي جلعاد شاليط، ولكن الآسرين كانوا يستبدلون الكتب بنسخ مصوَّرة كما استبدلوا النظّارة بأخرى.

حاولت "إسرائيل" معرفة مصير مفقوديها الجُدُد في القطاع، وعند الحديث عن الوسائل يمكن الإشارة إلى ما قاله ضابط إسرائيلي رفيع إن "إسرائيل جازفت بقوّة سيريت متكال في خانيونس بسبب قلّة المعلومات عن حماس وذراعها العسكرية"، وأضاف الضابط إن الوحدة كانت تستهدف زرع منظومة تجسّس لاختراق شبكة اتصالات المقاومة في غزَّة، ونتذكّر في هذا السياق دعوة الوزير نفتالي بينيت عام 2016 لخطف قادة حركة حماس لمُبادلتهم بالجنود الأسرى.

أعتقد بأن المطروح في الوقت الراهِن والقريب هو صفقة  "معلومات" لا صفقة "تبادُل" كجزءٍ من مساعي تعزيز الثقة بين الطرفين، يتم بموجبها إعطاء إشارات موثّقة من قِبَل القسّام عن عدد الأسرى وحالاتهم في غزَّة، مقابل إفراج "إسرائيل" عن كبار السن والمرضى والأطفال، في مقدّمة للشروع في مفاوضات مارثونية جادّة.

ويبقى إطلاق سراح الأسرى أصحاب الكفاءة القيادية والقدرة التنفيذية العالية هو التحدّي للمفاوِض الفلسطيني والهاجِس الذي يؤرِق صانِع القرار الإسرائيلي فيها،  فقد كان من العناوين التي أخّرت الصفقة بل كادت أن تُطيح بها.

ومن هؤلاء الذين ترفض "إسرائيل" إدراجهم في أية صفقة تحرير الأسير عبدالله البرغوثي الذي يقضي حكماً بالسجن المؤبّد سبعة وستين مرة، إضافة إلى 5200 عام؛ لمسؤوليته عن مقتل 67 إسرائيلياً في سلسلة عمليات نفّذت بين العامين 2000 و2003م، إضافة إلى قيادات فلسطينية مثل: مروان البرغوثي، وأحمد سعدات، وعباس السيّد، وحسن سلامة، وإبراهيم حامد.

وتبقى العين على  كتائب القسّام التي تمتلك مفاتيح الصندوق الأسود، خصوصاً أنها أدارت ملف شاليط بحنكة واقتدار، ورغم التسريبات التي تحدّثنا عنها سابقاً إلا أن تفاصيل ما يطرح حتى الآن غير مُعلّن رسمياً. الأيام ستطول لا محالة فالأمر ليس سهلاً، والنفس الطويل سلاحٌ وأسلوب، والعبرة بالخواتيم.

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP