فرنسا وأزمة كورونا.. خوف من "جان فلجان"
لا تقتصر أزمة وباء كورونا في فرنسا على كارثية أعداد المصابين والوفيات، بل تمتد إلى وضع هُوية النظام وبناه السياسية والاقتصادية والصحية والمالية على المحك.
التاريخ الفرنسي الَّذي شهد ويلات وكوارث في أزمان غابرة، يتمنّى بعض مفكّريه أن لا تحوّل جائحة كورونا الشعب الفرنسي إلى جان فالجان (بطل رواية "البؤساء" لفيكتور هوغو)، الذي سُجن زوراً وظلماً، فحوّله الطغيان إلى متمرد ومُنتقم من السلطة.
ما السبب وراء هذا التخوف؟
يقول المعنيون، من سياسيين وأطباء وقادة رأي، إن وباء كورونا تحول إلى عاصفة من دون قيود، أدخلت عشرات الآلاف إلى المستشفيات، وقتلت ما يقارب ألف شخص، وهي تجول وتصول وسط عجز السلطات الفرنسية وفشلها في الحماية الفعالة لمواطنيها.
التركيز على الفشل، بحسب المراقبين، يستند إلى تجاهل الوباء في بداياته، بحسب ما اعترفت به وزيرة الصحة السابقة، أنييس بوزان، التي قالت إنها كانت، قبل استقالتها من الوزارة للترشح إلى الانتخابات البلدية، على عِلم بخطر الوباء، ولم تتصرف على هذا الأساس، وكان الواجب هو إعلان الحجر المنزلي.
هذا الاعتراف وضع المسؤولين في دائرة الهجمات المتعددة المصادر، ليصل الأمر إلى المطالبة بمحاسبةٍ وملاحقةٍ صدرت عن تجمعات طبية ونقابية وشعبية.
ومما زاد موقف الدولة حرجاً، قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إجراء دورة أولى من الانتخابات البلدية في عزّ تفشي الوباء. هذا القرار كانت له تبعات صحية مخيفة، بحسب المطّلعين، وسمح لمئات الآلاف بالتواصل والاحتكاك مع بعضهم البعض، على الرغم من مخاطر هذا السلوك في انتقال العدوى.
المعارضون لإجراء الانتخابات كانوا على حق، فمنذ نهاية الدورة الانتخابية، أخذت أعداد المصابين ترتفع بمعدلات قياسية، حاصدة المزيد من الأرواح، ولا سيما أن الأقنعة الواقية اختفت من الأسواق، بسحر ساحر، وكذلك المعقمات وأدوات الحماية الأساسية، إضافة إلى تناقص كميات الأدوية المخصّصة لمعالجة الألم أو الالتهابات وأنواع الإنفلوانزا.
فرنسا، البلد السادس على لائحة الدول الغنية في العالم، تركت مواطنيها من دون حماية، بحسب قول وسائل إعلام ومحللين. مواقع التواصل الاجتماعي تشهد على صرخات المواطنين وشكواهم من عدم الحصول على الأدوات اللازمة لدرء خطر الإصابة بالوباء.
والمخيف في ما يحصل هو شهادات مواطنين وعائلات يروون تجاهل المستشفيات والمراكز الصحية لطلبات الاستشفاء أو الدخول إلى الطوارئ، استناداً إلى قرار حكومي قضى بتطبيق بروتوكل حديدي لا يسمح بالدخول إلى المستشفى لتلقي اختبارات الإصابة بالمرض، مهما كانت الحالة الصحية. على سبيل المثال، يقول ممرضو الطوارئ للقلقين من الإصابة إنهم عندما يصلون إلى مرحلة الاختناق يمكن استقبالهم!
وبينما يختنق الفرنسيون في العزل، يتسع الجدل أخيراً حول ما إذا كان عقار "هيدروكسيكلوروكين" خياراً صائباً لمعالجة كورونا؛ عقار اقترحه البروفيسور المتخصص في علم الأوبئة والجراثيم، ديديه راوول، انطلاقاً من المستشفى الذي يديره في مدينة مارساي، إذ تماثل للشفاء مرضى كثيرون، بحسب بيانات المستشفى وشهادت أطباء ومرضى.
تجاهل الحكومة والمجلس العلمي الفرنسي لمشروع ديديه راوول للعلاج، من دون تقديم مبررات مقنعة، دفع الأخير إلى قطع صلته بالمجلس، لكنه أبقى على خط الحوار مع رئيس الجمهورية.
وهكذا انقسم الشعب الفرنسي حول دور الطبيب الفرنسي الشهير، فتوسعت حملات تأييده من جهة، والتشهير به ووصفه بالمتكبر والمغامر من جهة أخرى، بينما تدخل فرنسا في حالة من الإحباط مع قرب تجديد قرار الحجر المنزلي لستة أسابيع إضافية، تحمل معها توقّعات بارتفاع عدد المصابين بالفيروس، وزيادة مقلقة في عدد الوفيات؛ توقعات ترفع نسبة المتململين والغاضبين من أداء الحكومة ومؤسَّساتها، ما يدخل فرنسا في أزمة غير مسبوقة تطاول هُوية النظام وبنيته السياسية والصحية والمالية. وها هو المفكّر الفرنسي، ريجيس دوبريه، يقول بنهاية مجتمع الفرد الذي بُنيت عليه النظم الغربية.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً