قبل 4 سنە
ابراهيم نوار
277 قراءة

العراق عندما يضيق ذرعا بالولايات المتحدة يعيد لها جنودها في أكفان

 

لا تنس أن هذا هو عام الانتخابات الرئاسية، ومن ثم فإن كل كفن يعود من الخارج بجثة جندي أمريكي، يمثل قذيفة ثقيلة تصيب الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب. وتشير الضربات الصاروخية التي تعرضت لها قواعد أمريكية في العراق، ثم القصف الجوي الأمريكي لأهداف عسكرية هناك، إلى تصاعد المواجهة المسلحة ضد القوات الأمريكية. الولايات المتحدة قالت إنها استهدف مخازن أسلحة لتنظيم كتائب حزب الله في العراق، بينما قالت الحكومة العراقية إن القصف أصاب مواقع للجيش العراقي، وأسفر عن ضحايا ومصابين من الجيش والشرطة ومن المدنيين.


المواجهات الجديدة تتابعت في أقل من خمسة أيام، وراح ضحيتها من الجانب الأمريكي ثلاثة قتلى، جنديين أمريكيين وواحدا بريطانيا، واثنين من العسكريين الأمريكيين حالتهما خطيرة، ربما يعودان في أكفان أيضا، إضافة إلى عدد من المصابين. وفي المقابل فقد العراق ثلاثة من جنود الجيش واثنين من الشرطة ومدنيا واحدا إضافة إلى خمسة مصابين.
التصعيد الحالي لا يمكن النظر إليه بوصفه حدثا عرضيا، بعد انقطاع استهداف المنشآت الأمريكية تقريبا منذ شهر يناير الماضي. كذلك لا يمكن النظر إليه على أنه استمرار محدود لاستهداف المنشآت الأمريكية، الذي كان متقطعا أيضا خلال الفترة الماضية، وحتى عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني. ولذلك فإن مجلس النواب الأمريكي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، سارع إلى إقرار تشريع يقيّد سلطة الرئيس الأمريكي ترامب في شن حرب على إيران، في خطوة تهدف إلى محاصرة نيران التصعيد، لكيلا تتحول ردود الفعل العسكرية إلى حرب مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران. في المقابل فإن الجيش العراقي اعتبر القصف الجوي الأمريكي لأهداف قال إنها تابعة له، انتهاكا للسيادة الوطنية العراقية، وقالت الحكومة العراقية المشلولة عمليا حتى يتم تشكيل حكومة تحصل على ثقة مجلس النواب، إنها (ستتقدم) بشكوى ضد الولايات المتحدة في مجلس الأمن.

ومن المفيد إعادة قراءة الأحداث وردود الفعل العسكرية التي وقعت خلال الفترة من 8 إلى 14 مارس، على ضوء استراتيجية المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران على أرض العراق، وحالة القلق السياسي الشديد داخل العراق، بسبب انسداد احتمالات التغيير والانقسامات العرقية والطائفية، التي تهدد أمن البلد واستقراره. الغرض من إعادة القراءة ينحصر فقط في طبيعة المواجهة بالوكالة داخل العراق، وتأثيرها المحتمل على الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
نذكر أن أحد الأهداف الطويلة المدى لإيران هو إخراج القوات الأمريكية من الشرق الأوسط عموما، ومن العراق وسوريا، على وجه الخصوص. وتسعى إيران لتحقيق هذا الهدف عن طريق حزمة مترابطة من السياسات والأدوات، تشمل شبكة من التنظيمات المسلحة وشبه المسلحة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن. لكن إيران انشغلت كثيرا في المواجهة ضد التنظيمات العسكرية ذات الطابع الطائفي الديني السني، خصوصا بعد أن نجح تنظيم “داعش” في السيطرة على أجزاء مهمة من العراق، شملت محافظة الموصل ومناطق غرب بغداد ومحافظة الأنبار الممتدة من الحدود الشمالية الغربية مع تركيا وسوريا إلى الحدود الجنوبية الغربية مع الأردن. في هذه المواجهة التي استمرت لمدة 4 سنوات تقريبا منذ عام 2014 وحتى عام 2018، كانت العلاقات بين التنظيمات المسلحة الإيرانية، أو الخاضعة لنفوذها والقوات الأمريكية تتم على أساس الالتزام بقاعدة (التعاون المشترك ضد العدو المشترك- عدو عدوى صديقي).
هذا العدو المشترك كان تنظيم “داعش”، لكن بمجرد أن أعلنت الولايات المتحدة الانتصار على التنظيم والحد من خطره على الولايات المتحدة، وعلى المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، تغيرت طبيعة العلاقات بين الطرفين. الولايات المتحدة التي تبنت سياسة (الضغوط القصوى) ضد إيران فقدت المصلحة في التنسيق مع الجماعات العسكرية المعادية لتنظيم “داعش”، خصوصا أن إسرائيل دخلت بقوة على خط المواجهة في سوريا، مستهدفة مراكز وتجمعات التنظيمات العسكرية وشبه العسكرية الموالية لإيران داخل سوريا وعلى الحدود السورية – العراقية.
ومع ذلك فإن كلا من الولايات المتحدة والتنظيمات الموالية لإيران في العراق وسوريا، خلال المرحلة الجديدة من المواجهة، التي تلت تحجيم خطر “داعش”، وإعلان الولايات المتحدة أنها ستنسحب من سوريا، التزمتا بعدم استهداف الأفراد. ومن ثم فقد انحصرت المواجهات في نطاق استهداف المنشآت، خصوصا المعسكرات ومخازن الأسلحة. الواقعة الفاصلة التي أنهت العمل بتلك القاعدة غير المكتوبة حدثت في ديسمبر عام 2019، عندما تم إغتيال احد وكلاء المخابرات المركزية الأمريكية في العراق، بواسطة كتائب حزب الله العراقي، وبتنسيق مع قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، حسبما تقول الرواية الامريكية.
ويبدو أن الولايات المتحدة على أعلى مستويات السلطة (الرئيس الأمريكي) تبنت خلال الأشهر الأخيرة من عام 2019 استراتيجية إضافية للتعامل مع إيران، تهدف إلى إرباك هيكل السلطة في طهران. ويذكر تقرير نشره أحد محرري وكالة بلومبرغ في يناير الماضي، بناء على وثائق سرية حصل عليها المحرر أن ترامب، وافق على استراتيجية (إرباك النظام) وليس (تغيير النظام) في التعامل مع طهران قبل نهاية العام الماضي. وقد عرض التقرير بعض التفاصيل الخاصة بهذه الاستراتيجية والغرض منها، وذكر ان أحد مستشاري جون بولتون في مجلس الأمن القومي الأمريكي قد طورها (قبل رحيل بولتون عن منصبه) بهدف استخدامها ضد النظام الإيراني، لإنشاء حالة من الخلل في علاقات القوى بين أطراف السلطة ومراكز القوى في طهران. وقد وافق الرئيس على هذه الاستراتيجية، لكن تنفيذها وجد الفرصة الملائمة في يناير 2020 عندما صدر الأمر بتنفيذ عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني على أرض العراق. بهذا سقطت قاعدة عدم استهداف الأفراد في الصراع بين الولايات المتحدة وإيران.
من هذه الزاوية، فإننا عند إعادة قراءة أحداث المواجهات الأخيرة بين القوات الأمريكية والجماعات والتنظيمات المسلحة في العراق، نقرأ رسالة صريحة موجهة إلى الولايات المتحدة، بأن جنودها في العراق مستهدفون، كما نقرأ رسالة من الولايات المتحدة إلى إيران مفادها، أن أركان مراكز القوى المختلفة في إيران هم أيضا مستهدفون، انطلاقا من استراتيجية regime disruption التي تستخدمها ضد طهران منذ يناير الماضي. وطالما أن استراتيجية إيران الطويلة المدى تهدف صراحة إلى طرد القوات الأمريكية من العراق وسوريا والشرق الأوسط عموما، فمن المتوقع أن تشهد الأشهر المقبلة، وحتى إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر، تصعيدا عسكريا في العراق ضد القواعد العسكرية الأمريكية، يستهدف المنشآت والأفراد في آن. وفي المقابل فإن ردود الفعل الأمريكية لن تقتصر على استهداف المنشآت العسكرية للتنظيمات المسلحة، وشبه المسلحة الموالية لإيران، وربما يتسع نطاق هذه الضربات إلى أماكن خارج نطاق العراق. من المتوقع أيضا أن تقوم إسرائيل بدور نشيط في العمليات العسكرية الانتقامية، بغرض مساندة الولايات المتحدة من ناحية، ولغرض شل القدرات القتالية لهذه التنظيمات في سوريا.
وليس من المستبعد أن يؤدي التصعيد إلى زيادة عدد النعوش الطائرة التي ستعود من العراق إلى الولايات المتحدة. ومن المؤكد ان القيادة الحالية في طهران لها مصلحة في إسقاط الرئيس الأمريكي الحالي في انتخابات نوفمبر المقبل (بصرف النظر عن قدرتها) ، فذلك من شأنه فتح نافذة للحوار بين طهران وواشنطن، بما يمكن أن يؤدي إلى إنقاذ الاتفاق النووي، وعودة الولايات المتحدة للالتزام به، والاتفاق على صيغة جديدة لضبط المواجهة بين الطرفين، تتضمن إعادة نشر القوات الأمريكية في العراق، وليس رحيلها، من باب أن استمرار وجود هذه القوات يمثل أحد عناصر التوازن الاستراتيجي في المنطقة بين القوتين الأمريكية والروسية على المدى الطويل.
إن إدارة الرئيس الأمريكي ترامب أصابت إيران بأضرار شديدة، ربما تحتاج إلى سنوات طويلة للشفاء منها، وهو ما يتطلب خلق ظروف مواتية للمرشح الرئاسي الديمقراطي للفوز في انتخابات الرئاسة المقبلة. عودة العسكريين الأمريكيين إلى بلادهم في نعوش سيكون أحد أقوى أسلحة إيران في الأشهر القليلة المقبلة. ومع ذلك فإن المؤشرات الحالية تدل على أن كلا من واشنطن وطهران تعطيان أولوية فائقة لمكافحة انتشار فيروس كورونا، وهو الأمر الذي لا يمكن استبعاده من معادلة الفعل وردود الفعل في المواجهة بين الطرفين، خصوصا أن عددا من رموز الحكم في طهران اصيبوا بالفيروس، وآخرهم علي أكبر ولايتي وزير الخارجية المخضرم في عهد اية الله الخميني ومستشار المرشد الحالي للشؤون الدولية. ظاهرة انتشار الإصابات من مدينة قم، مركز السلطة الدينية في إيران، إلى بقية أنحاء البلاد، تثير هي الأخرى العديد من علامات الاستفهام، حول طبيعة المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، إذا ربطنا ذلك باستراتيجية “إرباك النظام”، التي يتبناها ترامب ضد طهران، وبالاتهامات الموجهة من الصين إلى الولايات المتحدة بإن الجيش الأمريكي هو الذي طور النسخة المستجدة من فيروس كورونا، وإنه هو الذي نقل الفيروس إلى مدينة ووهان اهم المراكز الصناعية في الصين، في شهر ديسمبر الماضي.

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

 

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP