البحرية الإيرانية والذراع القوية في الخليج
في الوقت الذي تحمي فيه إيران ناقلات نفطها وتحارب تهريب النفط، تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها في الخليج لتقوم بنفس الدور. باتت البحرية الإيرانية تظهر كقوة عالمية تتحكّم في مضيق هرمز وتوضع على خريطة البحرية العالمية، ولم يعد بالإمكان تفادي دورها الإقليمي.
أعلن التلفزيون الرسمي الإيراني يوم (السبت السابع من أيلول/ سبتمبر 2019) أن خفر السواحل احتجز سفينة قَطْر أجنبية في الخليج مع طاقمها المؤلّف من 12 فلبينياً للاشتباه في تهريبها للوقود. السفينة كانت تحمل قرابة 284 ألف لتر من وقود الديزل. ولم يذكر التقرير أيّ عَلَم كانت ترفعه السفينة.
وسبق أن احتجزت إيران سفناً في الخليج معلنة أنها تُستخدَم في تهريب الوقود. ويأتي احتجاز هذه السفينة في منطقة مضيق هرمز، في ظل تصاعُد التوتر بين إيران والغرب في الخليج منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي العام الماضي وإعادة فرضها العقوبات على طهران. وأثارت الأزمة بين واشنطن وطهران مخاوف من اندلاع حرب في منطقة الخليج تكون لها تبعات عالمية.
وكانت إيران احتجزت في يوليو تموز الماضي ناقلة نفط ترفع عَلم بريطانيا قرب مضيق هرمز بسبب ما قالت إنها مخالفة لقواعد الملاحة البحرية. وجاء ذلك بعد أسبوعين من احتجاز سلطات جبل طارق، التابع لبريطانيا، لناقلة إيرانية قرب جبل طارق للاشتباه في نقلها النفط لسوريا بالمخالفة للعقوبات المفروضة من الاتحاد الأوروبي. وأفرجت سلطات جبل طارق في ما بعد عن الناقلة الإيرانية، فيما أفرجت طهران الأسبوع الماضي عن سبعة من أصل 23 فرداً هم طاقم الناقلة التي ترفع العَلم البريطاني.
لقد وضَّحتُ في مقالٍ سابقٍ كيف وقّعت إيران الشهر الماضي اتفاقاً بحرياً مع روسيا، وكيف سمحت الجمهورية الإسلامية للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية لروسيا بنَشْرِ قاذفاتها الاستراتيجية في قاعدة همَدان الجوية واستخدامها كمركزٍ لقصف بعض المناطق في سوريا، إضافة إلى التعاون العسكري المشترك في الخليج على ضوء التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران.
ولقد رصدت العديد من المواقع حجم وقوة البحرية الإيرانية مقارنة بقوة بريطانيا البحرية. فوفق موقع "غلوبال فاير باور" المُختصّ بالشؤون العسكرية للدول يضمّ الأسطول البحري لإيران 398 قطعة بحرية، في المقابل تمتلك بريطانيا 76 قطعة بحرية فقط، في تفوّق واضح وكبير لصالح إيران في هذا الجانب.
وتمتلك بريطانيا حاملة طائرات واحدة، بينما لا يضمّ الأسطول البحري لإيران أياً من حاملات الطائرات، وهنا التفوّق واضح لصالح بريطانيا في هذا الجانب. أما من حيث عدد الفرقاطات البحرية، تُرجّح الكفّة هنا لصالح بريطانيا التي تمتلك 13 فرقاطة بينما تمتلك إيران 6 فرقاطات فقط. وتتفوّق البحرية البريطانية على نظيرتها الإيرانية، بامتلاكها 6 مُدمّرات، في المقابل لا تمتلك إيران أياً منها، وهي نقطة تُعتَبر حاسمة، فهذا النوع من السفن الحربية يُستخدَم في مُرافقة القطع الأكبر في الأسطول لتوفير الحماية له من هجمات القطع الصغيرة المُعادية كالزوارق البحرية والغوّاصات والطائرات.
وتُسلّح المُدمّرات الحديثة بصواريخ بحر- جو مُضادّة للطائرات وبحر- بحر مُضادّة للسفن والطوربيدات التي تُطلقها الغوّاصات. وفي حين تمتلك إيران 3 من الطرّادات البحرية التي تُعتَبر أكبر حجماً من المُدمّرة، لا تمتلك بريطانياً أياً منها، لكن لندن تتفوّق في عدد السفن المُضادّة للألغام، حيث تمتلك 13 قطعة بحرية من هذا النوع، في المقابل تمتلك طهران 3 قطع منها فقط. ومن حيث عدد الغوّاصات التي تُعدّ عنصراً هاماً في تحديد الكفاءة العسكرية للأساطيل البحرية للدول، تمتلك إيران 34 غوّاصة في المقابل تمتلك بريطانيا 10 غوّاصات فقط، وهنا يبدو التفّوق واضحاً لصالح إيران، التي تتفوّق أيضاً من حيث عدد سفن الدوريات بامتلاكها 88 قطعة بحرية من هذا النوع مقابل 22 سفينة تمتلكها بريطانيا.
في الوقت الذي تقول الولايات المتحدة إنها تقوم بحماية تصدير النفط الخليجي وناقلاته، حاولت إعادة توجيه اهتمامها ومواردها نحو المُنافسة مع روسيا والصين، لكن التزامات واشنطن الأخرى حول العالم تُفشِل هذه المحاولات.
ومنذ تولّيه منصبه، سعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى معالجة هذه المشكلة عن طريق الضغط على الحلفاء للالتزام بمزيد من الدعم العسكري في أماكن مثل سوريا (حيث تحاول الولايات المتحدة تقليل مستويات وجودها العسكرى)، ومؤخّراً في الخليج (حيث تواجه الآن زيادة خطر حدوث صِدام عسكري مع إيران). لكن المخاوف بشأن توجّهات القيادة الأميركية جعلت حتى أقوى شركاء واشنطن في أوروبا يتحفّظون على نشر المزيد من قواتهم في هذه المناطق الساخِنة.
في الوقت الذي تحمي فيه إيران ناقلات نفطها وتحارب تهريب النفط، تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها في الخليج لتقوم بنفس الدور. باتت البحرية الإيرانية تظهر كقوة عالمية تتحكّم في مضيق هرمز وتوضع على خريطة البحرية العالمية، ولم يعد بالإمكان تفادي دورها الإقليمي.