أمن الخليج على عاتق أهله فيما بينهم
الواقعة التي تعرضت لها ناقلتا نفط في بحر عُمان، تدل على أن حشود القواعد العسكرية والأساطيل لا تحمي أمن الخليج بل لعلها تهدّده بمخاطر قد تكون عواقبها خطيرة على السلم العالمي.
ليست الأولى وقد لا تكون الأخيرة.. فحقاً باتت مياه الخليج بل وعموم المنطقة على صفيح ساخن في الآونة الأخيرة جراء العمليات التخريبية، في ظل تصاعُد التوتّر بين (واشنطن وطهران)، مع توالي التهديدات العدوانية بإثارة القلاقل في المياه الخليجية، التي قابلتها تحذيرات أمريكية من "استهداف سفن تجارية وناقلات نفط للإضرار بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة".
بالعودة قليلاً للخلف نجد أنه في غضون شهر؛ تمّاستهداف 6 ناقلات نفطية ومحطتيّ ضخ بترول سعوديتين، في 3 حوادث مُتفرقة فضلاً عن استهداف منشآت حيوية سعودية. وفي خِضم هذا التصعيد، وُجّهت أصابع الاتهام إلى الجيران في المنطقة، ومعها طالبت دول عربية المجتمع الدولي باتخاذ موقف حازم في مواجهتها، وإن نفت إيران ضلوعها في أيٍ من هذه الحوادث.
في تسلسل الحوادث التي وقعت في مياه الخليج منذ بداية التصعيد (الأمريكي – الإيراني) نجد البداية في مياه الإمارات في 12 أيار/ مايو الماضي، حيث تعرّضت 4 سفن تجارية مدنية من عدة جنسيات لـ"عمليات تخريبية" بالقُرب من المياه الإقليمية لدولة الإمارات في خليج عُمان، باتجاه الساحل الشرقي القريب من إمارة الفُجيرة وفي المياه الاقتصادية للدولة، والسفن الأربع التي تعرّضت للتخريب في مياه الإمارات هم: ناقلتا نفط سعوديتان وثالثة إماراتية ورابعة نرويجية، حسبما أعلنت السلطات الرسمية في الدول الثلاث.
قالت حينها السعودية إن "ناقلتيّ نفط تعرّضتا لهجوم تخريبي وهما في طريقهما لعبور الخليج العربي في المياه الاقتصادية للإمارات بالقرب من الفجيرة، عند أحد أكبر مراكز تزويد السفن بالوقود في العالم، ويقع مباشرة خارج مضيق هرمز، وهو ممر حيوي لسوق النفط العالمية"، حسبما أعلن وزير الطاقة السعودي، أن "إحدى الناقلتين كانت في طريقها لتحميل النفط السعودي من ميناء رأس تنورة، ومن ثمّ الاتجاه إلى الولايات المتحدة لتزويد عملاء أرامكو"، مُشيرًا إلى "عدم وقوع أي إصابات أو تسرب للوقود من جراء الهجوم، في حين نجمت عنه أضرار بالغة في هيكلَي السفينتين".
في البداية قالت الإمارات إن العمليات التخريبية لم تُسفر عن أضرار بشرية أو إصابات، دون أن تُحدد طبيعة تلك الأعمال أو الجهة التي تقف خلفها، لكنها أكّدت أن "تعريض السفن التجارية لأعمال تخريبية وتهديد حياة طواقمها يُمثّل تطورًا خطيرًا"، بحسب ما أعلنته وزارة خارجيتها. كما رفضت ما وصفته بـ"الشائعات التي لا أساس لها من الصحة" حول وقوع انفجارات في ميناء الفجيرة، الذي يبعُد 70 ميلاً بحريًا عن مضيق هُرمز، مؤكدة على أن العمليات في الميناء كانت تجري بصورة طبيعية.
لقد اتهمت الولايات المتحدة حينها إيران بأنها تقف وراء العمليات التخريبية، وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون إنه من الواضح أن إيران تقف وراء الهجوم. وأضاف أن "ألغامًا بحرية على الأرجح من إيران" استُخدِمت في الاعتداء على السفن. لكن طهران نفت صحة ذلك ووصفت الهجمات بأنها "مخيفة ومثيرة للقلق"، واتهمت "مُخرّبين من دولة ثالثة" -لم تُسمهم- بوقوفهم وراء الهجمات، مُحذّرة في الوقت نفسه من المؤامرات "التي يحيكها المتربصون لزعزعة الأمن الإقليمي".
لقد قدّمت كلِ من السعودية والإمارات والنرويج لأعضاء مجلس الأمن الدولي نتائج تحقيق مُشترك حول الهجمات، اشتمل على 5 نقاط من بينها أن "الهجمات تطلبّت قدرات استخباراتية للاختيار المُتعمّد لأربع ناقلات نفط من بين 200 سفينة من مختلف أنواع السفن التي كانت ترسو قبالة الفجيرة وقت وقوع الهجمات". وأشارت الدول الثلاث، بحسب النتائج الأوليّة، إلى "تورّط إحدى الدول، على الأرجح"، دون أن تُحدّد جهة بعينها وراء الهجوم، لكنها قالت إنها "تحمل بصمات عملية مُعقدة ومُنسقة".
تطورت الأحداث حتى تمّ استهداف محطتيّ ضخ بترول سعوديتين بعد يومين من حادث الفُجيرة، تابعتين لشركة "أرامكو" السعودية بطائرات بدون طيار "درونز" مُفخّخة، وقال المتحدث الأمني لرئاسة أمن الدولة في السعودية إن "استهدافًا محدودًا لمحطتيّ الضخ التابعتين لشركة أرامكو بمحافظة الدوادمي ومحافظة عفيف بمنطقة الرياض، وقع بين الساعة السادسة والسادسة والنصف من صباح الثلاثاء الموافق 14 أيار/ مايو 2019. ونجم عنه حريق في المحطة رقم 8، وتمّت السيطرة عليه بعد أن خلَّف أضرارًا محدودة. وأن المملكة تشجب هذا الهجوم".
الأحداث سريعة جداً ففي صباح الخميس الماضي قالت البحرية الأميركية إن ناقلتي نفط تعرضتا لأضرار جراء حادث في بحر عُمان، ما أدى إلى ارتفاع في أسعار النفط العالمية. وتحدثت صحيفة "تريد ويندز" المعنية بالشحن أن طوربيداً أصاب ناقلة نفط مملوكة لشركة (فرونت لاين) النرويجية قبالة سواحل إمارة الفجيرة بالإمارات، بحسب وكالة رويترز. ووفقاً لبلومبرج للأنباء فإن أحد مشغلي الناقلتين أكد وجود شبهة في أن الحادث ناجم عن هجوم. وقالت رويترز إنّه تمّ إخلاء ناقلتين بعد حادث في خليج عمان وإن أفراد الطاقم بخير.
واقع الحال أنّه زاد التوتر من جديد في الخليج بعد تفجيرات حافلتي النفط في خليج عُمان. ووصول صواريخ يمنية جنوبية إلى مطار أبها السعودي في تحوّل خطير في حرب اليمن. ففي ظل هذه التطورات الخطيرة لماذا لم تنجح الولايات المتحدة في منع وصول الصواريخ اليمنية للعمق السعودي وكذلك حماية ناقلات النفط؟. ومتى تنتهي حرب اليمن وهل للأمريكان دور في تمديد الحرب؟. ومن المستفيد من التصعيد في الخليج واليمن؟.
هنا يبقى أن كل ما سبق من أحداث جاء ليوثق عديد الكوارث، وأن الواقعة التي تعرضت لها ناقلتا نفط في بحر عُمان، تدل على أن حشود القواعد العسكرية والأساطيل لا تحمي أمن الخليج بل لعلها تهدّده بمخاطر قد تكون عواقبها خطيرة على السلم العالمي. لكن الأحداث التي تتعرض لها ناقلات النفط قد يكون سببها دفع هذه الأساطيل لخوض الحرب ضد إيران ويظل الخليج عرضة للتهديد ما لم تتفق الدول المتشاطئة في الخليج على حمايته من دون تدخل من وراء البحار لا تخفى أطماعها.
ملاحظة/ المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة يعبر عن رأي المؤسسة.