أوروبا المشلولة بأمراضها
دول الاتحاد الأوروبي التي وقعت على الاتفاق النووي مع إيران بعد مباحثات ماراطونية لا تزال تعلن التزامها بالاتفاق، لكنها تلتزم بالاعلان ولا تلتزم بتنفيذ الاتفاق على الرغم من إقرار آلية للتنفيذ مع إيران. فقد درجت على إعلان المواقف ضد الحرب وضد اليمين المتطرف وضد الارهاب وو.... على قول المثل الشعبي المصري "أسمع كلامك يعجبني أشوف أفعالك أتعجّب".
الانتخابات الاوروبية التي تصدّرها إعلان "تقدّم اليمين المتطرف"، تدل على أن أوروبا لا تلتقط أنفاسها لكي تقف أمام أزمة انحدارها التي تهدّد البلدان والمجتمعات الاوروبية العريقة.
اليمين الفاشي والعنصري الذي اجتاح أميركا والدول الغربية، كان من المتوقع أن يسجّل قفزة صاعدة في الانتخابات الأوروبية مستفيداً من موجة "تفوّق العرق الأبيض" التي دفعها دونالد ترامب من القاع إلى السطح. لكن ما كان متوقعاً لم يتضّح في نتائج الانتخابات الأوروبية فأحزاب أقصى اليمين فازت بنحو 117 مقعداً في البرلمان الأوروبي من أصل 751 مقعداً. ولا تشكل كتلة كبيرة بالمقارنة مع كتل الأحزاب الليبرالية والاشتراكية ويمين الوسط كحزب"الشعب الأوروبي" الذي حصد منفرداً 178 مقعداً على الرغم من خسارته 38 مقعداً استقطبها حزب الخضر. ولم تتقدم هذه الأحزاب في ألمانيا واسبانيا، بل أن تجمع مارين لوبان الذي حلّ في المرتبة الأولى في فرنسا لم يتقدّم عن انتخابات 2014 الأوروبية السابقة.
التهويل بتضخيم "صعود اليمين المتطرف"، هو سياسة متعمّدة تنتهجها الأحزاب الحاكمة في أوروبا لتبرير فضائلها بالمقارنة مع مخاطر الفاشية وأقصى اليمين حيث تضع الناخبين الأوروبيين بين خيارين أحلاهما مرّ. فهذه السياسة المتعمّدة بدأها في فرنسا الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي القريب في سياسته وقناعته من أقصى اليمين، واستكملها الرئيس السابق فرنسوا هولاند الذي سار على هدى سلفه في التهويل من صعود اليمين المتطرف من دون أن يقوم بأي خطوة لسحب البساط من تحت أقدام العنصرية والفاشية.
الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وضع كامل ثقل الرئاسة والحكومة في حملة انتخابية تعمّدها أن تكون بمثابة استفتاء على خيار الفرنسيين بينه وبين مارين لوبان. وخلال هذه الحملة عزّز من تحريض مارين لوبان في حديثه عن الخطر الاسلامي في فرنسا وفي عمله المتواصل لدعم الشرطة والأجهزة الأمنية والقوانين القمعية في حماية الأمن من المهاجرين بل عمل على التدخل في مالي وليبيا بذريعة محاربة الارهاب وعدم تدفق المهاجرين إلى أوروبا. لكنه وراء ذلك يستهدف التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة بعد ثلاث سنوات، آملاً أن تنحصر المعركة بينه وبين مارين لوبان لتأمين الفوز المريح كما فاز في الرئاسة السابقة.
هذه السياسة التي تنحصر في "اللعبة الانتخابية" من أضيق أبوابها المصلحية، عطّلت المنافسة السياسية بين البرامج والأحزاب بشأن أزمة الاتحاد الأوروبي وأزمات المجتمعات الأوروبية. ففي كل الدول الأوروبية التي خاضت الانتخابات لم يتم التداول ولا الحوار في أي من الموضوعات التي يشار إليها بين حين وآخر فيما يسمى"تطوير المؤسسات الأوروبية" كما ألمح ماكرون وميركل، أو ما يسمى "السياسة الدفاعية المشتركة" وغيرها الكثير من الطموحات التي يذكرها زعماء أوروبا وقت الحاجة لزيادة الشيء من الشيء نفسه فيما يسمى الاصلاح والتحديث وفق صيغة ماكرون المحبّبة.
العنصرية والفاشية التي تتقدم في أوروبا، تنمو في بيئة الأحزاب الحاكمة التي تنحدر نتيجة خياراتها السياسية في الاتحاد الأوروبي. فالاتحاد التي أوجدته هذه الأحزاب لمواجهة المتغيرات الدولية وتعزيز دور أوروبا الموحّدة في هذه المتغيرات، أصابته بالشلل والعجز عن مواجهة أزمات المجتمعات الأوروبية وعن التأثير الأوروبي في مواجهة المخاطر التي تهدّد المنظومة الدولية. لكن الأحزاب الحاكمة لا تجد سبيلاً لعرض منجزاتها وميزاتها الفضلى سوى التلويح بمخاطر الأسوأ منها في اليمين المتطرف لكسب أصوات الناخبين ولا تبدّل تبديلا.
دول الاتحاد الأوروبي التي وقعت على الاتفاق النووي مع إيران بعد مباحثات ماراطونية لا تزال تعلن التزامها بالاتفاق، لكنها تلتزم بالاعلان ولا تلتزم بتنفيذ الاتفاق على الرغم من إقرار آلية للتنفيذ مع إيران. فقد درجت على إعلان المواقف ضد الحرب وضد اليمين المتطرف وضد الارهاب وو.... على قول المثل الشعبي المصري "أسمع كلامك يعجبني أشوف أفعالك أتعجّب".
ملاحظة/ المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة يعبر عن رأي المؤسسة.