داعش ابن المجتمع الدولي
ميليشيا عسكرية متطرفة، وغارقة في أنهار من الوحشية والدموية، بيادق للدول الإمبريالية الكبرى، المظهر الجلي لتواطؤ الغرب على شعوب الشرق الأوسط، ترفع لافتات دينية باعتبارها ممرًا لترويج تجارة معيبة تحمل في جوفها ما يسد مأرب صنعها، تتمركز في العراق وسوريا باعتبارها قواعد رئيسية، وسيناء المصرية مركزًا ثانويًّا لها.
لمع نجم التنظيم مع أفول نجم موجات التغيير الديمقراطية العربية مع صعود حاد للثورات المضادة. ها هو داعش ابن النظام الدولي الذي هو باكورة تواطؤه وانقلابه الدامي على ما يزعم من مُثل ديمقراطية عليا، طالما أنهكتنا بتكرارها على غرار المقولة النازية الشهيرة «اكذب اكذب حتى تصير الكذبة حقيقية». تلك الثلة المرتزقة التي ولدت من رحم حرص النظام الدولي على إجهاض المكتسبات الشعبية لدول الشرق الأوسط، ولتبرير وجودية الثورات المضادة العربية، وعلة لتمريرها عبر عقول الجماهير الغفيرة بحتمية العودة إلى المربع صفر، أي ما قبل موجات التغيير التي رأت النور مع حلول عام 2011.
أتى تنظيم داعش الإرهابي باعتباره نواة أولى في صرح المشروع الصهيوأمريكي الذي وضعت خطوطه العريضة واشنطن، وعمق تفاصيله تل أبيب، بالتشارك مع أنظمة عربية استبدادية كبرى، فقد فطنت واشنطن وتل أبيب مبكرًا خطورة التأسيس لحكومات ديمقراطية في العالم العربي، ما سيمثل حجرًا يعسر تحطيمه؛ ما سيترتب عليه عرقلة مشروع صفقة القرن الكبرى التي يجري العمل على قدم وساق من أجل إنفاذها، فضلًا عن الممانعة المتأصلة بالأساس والفاعلة على الأرض مثل الحركات المناوئة لإسرائيل باعتبارها دولة احتلال.
الحاصل أن إسرائيل وحلفاءها من العرب أرادوا ضرورة استئصال قوى الديمقراطية، والتغيير العربية، هنا قد تماهت مصالح الكيان الصهيوني مع الدول الخليجية الثرية التي أخذت على عاتقها تكبد النفقات المالية لإشاعة الفوضى في دول الربيع العربي، فإسرائيل تريد أن تقضي تمامًا على القضية الفلسطينية، وتطمس ملامحها تمامًا، وذلك عبر جعل الصفقة المعيبة الضالع فيها ساسة ومسئولون عرب في أعلى هرم السلطة العربي أساسًا لتسوية بعيدة تمامًا عن قرارات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي الذي ينادي بضرورة تقرير الشعب الفلسطيني لمصيره.
لا غرو تماهت الأهداف والمآرب بقي التنسيق والتعاون في إيجاد الأداة والآلية الفاعلة فوجد التحالف ضالته في داعش، ذلك العفريت الذي سيوفر غطاء وذريعة للفتك والتنكيل بالتيارات الدينية المعتدلة على قاعدة كل هؤلاء يسبحون في بحر واحد، لا فرق بين معتدل ومتشدد جميعهم من نسل واحد ومن ذات البوتقة، فيضعون حركة مثل الإصلاح اليمنية مع القاعدة وداعش، وكذلك النهضة التونسية التي بلغت من الاعتدال ما رق إلى التطرف لمستوى حدا بأحد كوادرها لأن يقول «ليس لدي ما يمنعني أن أجلس بجانب المجوسي تحت قبة برلمان واحد».
غني عن البيان أن الزج بكل تلك الحركات والقوى اليمينية المعتدلة في الوطن العربي في خندق واحد مع التيارات الإرهابية التكفيرية، لم يأت على نحو عبثي بل هو في إطار خطة ممنهجة، تم رسم أبعادها من قبل القوى الغربية؛ ذلك لخلق ضرورة لإحياء الأنظمة العربية المهترئة، التي أُسقطت مع الانتفاضات الشعبية في ربيع 2011.
عفريت داعش لا غرو أنه يجسد مثالًا حيًّا لكم الكراهية المتزايدة من قبل الغرب لأي مشروع استقلال وطني حقيقي، فداعش ليس مجرد أداة طوعت لتعليل وتبرير بعث السلطوية والديكتاتورية من جديد من تحت ركام الانتفاضة من أجل محاربة الإرهاب، فشعار المرحلة «هيا نحارب الإرهاب الذي صنعناه على أعيننا» ليس هو الجوهر أو المصوغ لقيام مثل هذه التنظيمات الإرهابية، بل لضرب وتشويه الإسلام عامة في مقتل، وليس التيارات الدينية المعتدلة ذات الخلفية الإسلامية قط.
ففي هذا الإطار يقول «ديفيد كيركباتريك» صحافي النيويورك تايمز «إن مسئولين يمينيين في إدارة باراك أوباما في سياق شروق شمس الثورات المضادة قال لقائد دولة عربية كبرى فقط عليك بسحق هؤلاء».
لقد ملأت واشنطن أوعية من مياه النار تمثلت في هيئة تنظيم الدولة داعش الإرهابية؛ من أجل تشويه صورة الإسلام، ووصمه بالإرهاب.
استرسالًا تأكدت القوى الغربية أن الديمقراطية العربية التي كانت في طور التكوين قد أينعت، وحان وقت قطافها حسنًا! وكلاؤنا التاريخيون في الدول العميقة جاهزون لأداء المهمة بالتعاون مع تنظيم داعش الإرهابي، فيقول «جون كيري» مع نفس الصحافي «هذه بلدان لا بد وأن تُحكم هكذا، بقبضة فولاذية، طيلة عقود وهي تدار بنفس الطريقة، ومصالحنا تحتم التعاون والتنسيق مع تلك النوعية من الأنظمة».
خلاصة القول لسنا بحاجة لإثبات الثابت بفحيح أفواههم بأن داعش هي امتداد لإرهاب الغرب، وابنة النظام الدولي المدلل، ناهيك عن خرافة وهزلية ما يسمى بالتحالف الدولي المناهض لداعش، كيف يمكن لتحالف مكون من 60 دولة يعجز عن تحجيم زمرة تكوينها البشري لا يتجاوز عشرات الآلاف بما تمتلكه تلك الدول من ترسانة من الأسلحة المتطورة فضلًا عن قدرات استخباراتية مذهلة؟ لكن فقط سألجأ لتصريح الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية «إدوارد سنودن» «داعش صنيعة المخابرات الأمريكية والبريطانية لتشويه الإسلام وربطه بالإرهاب». فضلًا عن ذلك فإن التنظيم لم يستهدف أي مؤسسة أو عناصر إسرائيلية منذ نشأته لوقتنا هذا، لكل هذا أجزم أن عناصر داعش هم بكل ثقة بيادق مصنوعة في واشنطن وحلفائها الدوليين.