قبل 5 سنە
د. أسامة جاويش
418 قراءة

السودان وقراءة الكتالوج العسكري

في الصفحة الأولى من كتالوج الانقلابات العسكرية وخطوات ترسيخ الحكم العسكري عبر التاريخ، ستجد الخطوة الأولى تتلخص في كلمتين "كسب الوقت"؛ فعامل الوقت يعطي الفرصة للعسكر بأجهزته الاستخباراتية وأذرعه الإعلامية للعمل على امتصاص الصدمة الشعبية الأولى، ومن ثم التحضير لكيفية الالتفاف على المطالب الشعبية ثم الانقلاب عليها والإطاحة بها.

القمة الإفريقية المصغرة التي عقدت في القاهرة مؤخرا كانت أبرز دليل على ذلك، فقد أعلن السيسي الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي أن القمة منحت المجلس العسكري الانتقالي في السودان "مزيداً من الوقت" لإقامة نظام ديمقراطي. فبعد تهديد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي المجلس العسكري الانتقالي في السودان بفرض عقوبات عليه والتلويح بشطب عضوية السودان من الاتحاد إذا لم يلتزم بمهلة الـ15 يوما لتسليم السلطة للمدنيين. جاء السيسي ليعقد هذه القمة الطارئة ويخرج لمهلة ثلاثة أشهر بدلا من خمسة عشر يوما حتى لا تنجر السودان للفوضى وتضر بمصالح المنطقة على حد زعمه.

الوقت، والوقت فقط إذا هو ما يراهن عليه السيسي، ويريد أن يوفره لعبدالفتاح آخر، ولكنه برهان قائد المجلس العسكري في السودان حتى لا تصبح جارته الجنوبية مصدر إزعاج جديد ومنبعا لربيع عربي آخر ظن السيسي أنه قد تخلص من تبعاته إلى غير رجعة. ولكن حتى الآن المتظاهرين في السودان يقفون أمام محاولات السيسي للتدخل، وهناك معارضة كبيرة في الداخل السوداني لمحاولات السيسي دعم العسكر على حساب الثورة الشعبية. وما تظاهرات السودانيين أمام القنصلية المصرية في الخرطوم والهتاف ضد السيسي بقوة عنا ببعيد.

في السودان، يسير المجلس العسكري الانتقالي على الكتالوج المصري بامتياز حتى الآن، تصريحات تغازل الشعب السوداني، متحدث باسم المجلس العسكري يجيد التعامل مع وسائل الإعلام، دعوات للحوار، التأكيد على عدم الرغبة أو الطمع في الحكم، إعلان النية لتسليم السلطة للمدنيين في أقرب وقت، اعتقالات لرموز النظام السابق، تقارب مع السعودية والإمارات.

عفوا هل أخطأت وكتبت هذا المقال عن مصر ما بعد ثورة يناير ٢٠١١ ولم أنتبه أن العنوان عن السودان؟ لا عزيزي القارئ، الحديث عن السودان بالفعل وعن ما يجري الآن في ٢٠١٩ ولكنه ليس مصادفة يشبه إلى حد كبير ما فعله المجلس العسكري في مصر بعد رحيل مبارك قبل ثمان سنوات.

الرهان العسكري الآن في السودان مع بدء جلسات المفاوضات مع قوى الحرية والتغيير المعارضة في السودان يرتكز على كسب الوقت على ما يبدو ومن ثم العمل على تفكيك قوى المعارضة السودانية واحدة تلو الأخرى ثم مواجهة الاعتصام أمام القيادة العامة في نهاية الأمر.

المعارضة السودانية بدأت في الوقوع في فخ المجلس العسكري الانتقالي، ففي لقاء تلفزيوني على "قناة الحوار" الفضائية ذكر لي أمين الشؤون السياسية في المؤتمر الشعبي، صديق محمد عثمان، أن قوى التغيير والحرية لا تمثل إلا نفسها، وتعتبر نفسها وصية على الشعب السوداني. وذهب عثمان لأبعد من ذلك حينما قال إن غالبية الشهداء قد سقطوا منا نحن!

الصادق المهدي آخر رئيس وزراء سوداني منتخب، أعلن عن عدم مشاركة حزبه في الحكومة الانتقالية مع تقديم الدعم الكامل لها، ولكنه حذر من انقلاب وشيك على المجلس العسكري الانتقالي.

هكذا إذا لم يمضِ على رحيل البشير إلا بضعة أسابيع، وبدأت بعض أطياف المعارضة في السودان في توزيع الاتهامات ضد بعضهم البعض والبعض الآخر ينتظر انقلابا على الانقلاب وتغييرا على التغيير، وفي ظل كل هذا الفراغ السياسي وعدم استطاعة المعارضة على التوحد خلف رمز سياسي أو جهة بعينها، وكما جرت العادة بدا المجلس العسكري السوداني الانتقالي في التحرك منفردا حتى إشعار آخر حيث أصدر عددا من القرارات، الأربعاء الماضي، من بينها البدء بسداد ديون البلاد الخارجية، واستجلاب خط جديد لمطبعة العملة لحل أزمة السيولة، وتعليق عقد شركة عالمية للموانئ تمهيدا لإلغائه.

وقرر المجلس العسكري أيضا اعتماد يوم الأحد، عطلة أسبوعية للمدارس المسيحية في البلاد، بدلا من عطلة السبت. وأصدر قرارا كلف بموجبه المراجع العام بالشروع فورا في المراجعة المالية والإدارية للإدارة العامة للحج والعمرة. وقام بتجميد صناديق دعم السلام والإعمار بولايتي جنوب كردفان، والنيل الأزرق، وحل مجالس إدارتها، واستلام المقار.

أعطي للعسكر الوقت وسيفعل بك وبالثورة ما يريد، وهذا ما يفعله المجلس العسكري في السودان كما فعله من قبله العسكر في مصر. عدد ليس بالقليل من رموز المعارضة السودانية يرون أن الجيش السوداني لم يأتي بانقلاب عسكري وإنما استدعاه الشعب السوداني فاستجاب الجيش ولكن ليحذر من صدقوا أن الشعب هو من استدعى الجيش فالعسكر يأتي ولا يرحل ويستدعى، ولكنه لا يترك الحكم لمن استدعوه فكتالوج العسكر لم ولن يتغير أبدا. 

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP