قبل 5 سنە
أزاد عيسى
370 قراءة

ماذا يكشف لنا الهجوم والتنمر اللذان تتعرض لهما إلهان عمر؟

يُعتبر التنمُّر الذي تتعرَّض له نائبة الكونغرس الأمريكية إلهان عمر شديداً إلى حدٍّ استثنائي.

فأولاً، اتهمتها المؤسسة الليبرالية بمعاداة السامية، ثم انتقدها المحافظون والدموع تنهمر منهم. والآن، اتهمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالسخرية من أحداث 11 سبتمبر/أيلول، في حين يُلمِّح أنصاره، الذين يُعدون بمنزلة سيركٍ من الإعلاميين اليمينيين والمعلقين اليمينيين، إلى أنَّها ليست مناسبة للكونغرس، وليست مواطنة مخلصة للولايات المتحدة.

اجتزاء من السياق
ويبدو أنَّ الجولة الأخيرة من الهجمات على إلهان قد بدأت بعد تداول مقطع فيديو لها تصف فيه ما حدث في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، بأنَّ «بعض الأشخاص فعلوا شيئاً ما» على الإنترنت، وهو ما أعطى وسائل الإعلام اليمينية فرصة لاتهامها بالتقليل من شأن أكبر هجوم أجنبي على الأراضي الأمريكية.

وقد أُخِذَت هذه العبارة من خطابٍ ألقته إلهان في أواخر الشهر الماضي (مارس/آذار 2019)، في حدثٍ نظمه مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، حاولت فيه تأكيد أنَّ مستوى التحامل الذي واجهه المسلمون بعد 11 سبتمبر/أيلول قد خلق الحاجة إلى مجتمع مدني مسلم قوي، «لأنَّهم أدركوا أنَّ بعض الأشخاص فعلوا شيئاً ما، وأننا جميعاً بدأنا نفقد إمكانية الحصول على حرياتنا المدنية».

وبالنظر إلى أنَّ إلهان، اللاجئة المسلمة الصومالية المحجبة الفخورة بأصولها، تقول ما لا يريد أي شخص في المؤسسة سماعه على الإطلاق، فقد وجدت وسائل الإعلام اليمينية أنَّه من الضروري أن تشوه تصريحاتها وتُحرِّفها كلما سنحت الفرصة.

ومن ثَمَّ، تعرَّضت إلهان لهجومٍ وحشي من وسائل الإعلام، لا سيما قنوات شركة News Corporation التي أسسها روبرت مردوخ، أعقبته تغريدة نشرها ترامب تضمَّنت مقطع فيديو لا يمكن وصفه إلا بأنَّه تحريضي، إذ يعرض مزيجاً بين لقطاتٍ من هجمات 11 سبتمبر/أيلول على مدينة نيويورك وكلمات إلهان، وهنا تحوَّلت الهجمات على عضوة الكونغرس من هجماتٍ حمقاء وغير حادة إلى هجماتٍ خطرة كلياً.  

لكنَّ محاولات إسكاتها والتنمُّر عليها لم تأت فقط من ترامب والحزب الجمهوري، إذ كانت هناك محاولة مستمرة من معظم أعضاء التيار السائد في الحزب الديمقراطي، لتهميش إلهان وتحويلها إلى شخص غير مرغوب فيه داخل المؤسسة وبين الأمريكيين عموماً.

وتُعتبر إلهان غريباً، لأنَّها تُثير الأمور من منظورٍ يتحدى التيار السياسي السائد. فعكس إلهان، من الصعب التمييز بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. إذ يريد الحزبان رحيلها، لأنَّها تزعج عصبةً ما زال معظم أفرادها من الطبقة العليا ومسيحيين وذوي بشرة بيضاء وليبراليين ليخدموا أغراضهم، لكنهم في النهاية محافظون مروِّجون للحروب.

إسلاموفوبيا عميقة
في حين أنَّ هجمات ترامب على إلهان تعتبر مجرد محاولة لتعزيز قاعدته من الناخبين المحافظين اليمينيين في ظل استعداده للانتخابات الرئاسية في العام المقبل (2020)، يبدو أنَّ المعاملة التي تلقاها إلهان من حزبها تعكس الحالة العميقة من الإسلاموفوبيا والعنصرية المعادية للمسلمين التي تعد سمة أساسية لأمريكا -كما نعرفها- منذ عقود.

إذ قالت سارة ساندرز، المتحدثة باسم البيت الأبيض، دفاعاً عن تغريدات ترامب حول تصريحات إلهان، ومتجاهلةً -بالطبع- أنَّ التصريحات تعرَّضت للتحريف والاجتزاء من سياقها: «أرى أنَّ تصريحاتها مخزية للغاية وغير ملائمة لعضوة في الكونغرس. وأعتقد أنه من الجيد أن يهاجمها الرئيس».

ولكن في الحقيقة، فالنصف الأول من تصريح سارة الدفاعي ينطبق على معظم الديمقراطيين.

وفي عطلة نهاية الأسبوع الماضي، بعدما دخل ترامب في الصورة، دافع بيرني ساندرز وإليزابيث وارين، المرشحان الرئاسيان اليساريان المنتميان إلى الحزب الديمقراطي، عن إلهان.

وصحيحٌ أنَّ ساندرز، على وجه الخصوص، دعم عضوة الكونغرس الشابة سابقاً. لكنَّ عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت هذا ما زال مستقلاً عالقاً في نزاع مع أعضاء التيار السائد بالحزب الديمقراطي، وقد اتضح مدى سماح هذا التيار، إلى جانب ليبراليِّي المؤسسة، للسياسة الأمريكية بالوصول إلى ذلك المستوى من الكراهية عبر معاملة إلهان.

ويكفي النظر إلى نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، التي كانت الوحيدة «من وسط عصبة الديمقراطيين» التي «انتقدت» ترامب بسبب «استخدامه صور 11 سبتمبر/أيلول من أجل هجومٍ سياسي».

سياسة الاستعراض
مع أنَّ كثيرين «انتقدوا» بيلوسي كذلك، لعدم ذكرها إلهان بالاسم في هجومها على ترامب (على الأقل بالبداية)، فإن الغضب من جبن بيلوسي المزعوم يعطي فكرةً خاطئة عن حقيقة أنَّ معظم الاشمئزاز من ترامب ليست له علاقة تُذكر بحماية إلهان، بل يتعلق أكثر بسياسة الاستعراض التي أصبحت شريان الحياة لدورة الأخبار الأمريكية.

ففي يوم الأحد 14 أبريل/نيسان 2019، طلبت بيلوسي من مسؤولي مجلس النواب مراجعة الإجراءات الأمنية الرامية إلى حماية إلهان بعد تغريدة ترامب. ووفقاً لمساعد بارز في الحزب الديمقراطي، دعت بيلوسي إلى المراجعة بناءً على عشرات تهديدات القتل التي تلقتها إلهان حتى قبل أن ينشر ترامب الفيديو يوم الجمعة 12 أبريل/نيسان 2019.

ومع ذلك، فإن بعض أبرز أعضاء الحزب الديمقراطي لم يدافعوا عن زميلتهم. وإن فعلوا، فهل سيعود عليهم هذا الدفاع بالنفع؟ إذ إنَّ معظم قادة الحزب لا يريدون سوى رحيل ترامب، وهذا واضح للغاية.

وفي اللحظة التي اتضح فيها أنَّ هذه النائبة المسلمة السوداء القوية لن تتماشى مع التيار، بدأت تتعرَّض للإساءة دائماً.

بذيئة وانتقامية
بتخليهم عن إلهان وتعزيز الانطباع بأنَّ تعليقاتها على لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية قبل شهرين كانت معادية للسامية، فإن أعضاء التيار السائد في الحزب الديمقراطي والمؤسسة الليبرالية قد وضعوا إطاراً تكون فيه مهاجمة نائبة «أمريكية» حالية بالكونغرس أمراً مقبولاً في النهاية.

وهذا بالضبط هو الانطباع الذي تسبب فيه زملاؤها الذين سمحوا للهجمات البذيئة والانتقامية بالتصاعد.

وعلى المرء أن يتساءل عمَّا إذا كان أيٌّ من هذا مفاجئاً.

فما الذي فعلته هذه المؤسسة الليبرالية للمسلمين في أمريكا باستثناء توسيع الرقابة على المجتمع، وقصف أبناء دينهم في الشرق الأوسط أو القرن الإفريقي وإقامة إفطار في أحد أيام شهر رمضان كل عام؟

وما الدليل الآخر المطلوب إلى جانب الهجمات الوحشية على إلهان لتوضيح أنَّ المسلمين الأمريكيين، بعد مرور نحو 18 عاماً على أحداث 11 سبتمبر/أيلول، ليسوا في مأمنٍ من العنف ولا في منأى عن الشك واللوم، سواء أكانوا يبيعون شطائر النقانق على إحدى شاحنات الطعام أم يجلسون في الكونغرس.

ومن ثَمَّ، فتطبيع العنصرية المعادية للمسلمين ليس شيئاً برز مع ترامب، بل هو أمريكي تماماً مثل فطيرة التفاح، كما يقولون.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP