قبل 5 سنە
سفيان بنحسن
465 قراءة

كاتدرائية نوتردام وبابل ورامسفيلد

“هذه الأمور قد تحدث أحيانا” هي عبارة وردت على لسان السفاح رامسفيلد في معرض تعليقه على عمليات النهب التي طالت متحف بغداد الوطني منذ الساعات الأولى لدخول القوات الأمريكية إلى العاصمة العراقية، كانت قوات المارينز المنتشرة كالجراد في شوارع بغداد قد تكفلت بحراسة وزارة النفط والبنك المركزي متعمدة ترك متحف بغداد دون حراسة ليتعرض إلى أكبر عملية سرقة آثار في التاريخ، وفي مشهد يحاكي ما يقدمه لاعبو خفة اليد في السيرك تظهر بعض تلك الآثار بعد زمن قصير في متاحف أمريكا وأوروبا. ضحية أحرى للغزو الهمجي أو ما أسماه بوش “الحرب الصليبية” هو موقع بابل أحد عجائب الدنيا السبع الذي طاله التدنيس الأمريكي وتحول مع دخول  الغزاة إلى قاعدة عسكرية مما تسبب في أضرار كبيرة للموقع ليستكمل المعتدون تدميرهم الممنهج للإرث الإنساني المتجسد في بلاد الرافدين فتكون شواهد التاريخ أكبر ضحايا الغزو الهمجي.

 تعود بنا الذاكرة إلى هذه الأحداث وهذا العدوان على الإرث الحضاري العربي العظيم ونحن نشاهد حريق نوتردام ودموع الأوروبيين وبعض أذنابهم في أوطاننا، نحن نؤمن بأن كل الآثار هي محراب للإنسانية يجب أن يحظى بالتقديس لكون هذه الأوابد، وفق تعريف بيير روسي، وهي تنفي اللحظة العابرة الزائلة، تؤكد أن الفن ليس سوى إندفاع الأرض بإتجاه السماء، لكن أن نبكي صرحا أوروبيا عمره لم يتجاوز الألف عام ونسكت عن تدمير بابل ومنارة الحدباء وعن نهب آثار العراق التي تعود إلى حضارة كان معاصروها في أوروبا يعيشون في كهوفهم حياة البدائية الأولى فإننا نضرب مثلا آخر في النفاق والكيل بمكيالين.

متاحف فرنسا وبريطانيا وأمريكا وغيرها تقف اليوم شاهدا على النهب الذي تعرضت له بلداننا منذ سنوات الإستعمار الأولى لينكشف نوع آخر من التطهير مارسه الغرب هو التطهير الثقافي الذي يهدف من وراء السرقة إلى تزوير التاريخ أو طمسه، ويقينا فإن نقل الأثر بعيدا عن مكانه الطبيعي يحوله إلى ما يشبه أداة للزينة بلا قيمة فيفقد سياقه التاريخي ويضيع تاريخ المنطقة التي سرق منها الأثر، فالهدف أكثر من مجرد التباهي بآثار تفقد قيمتها خارج إطارها الحضاري وإنما هو تدمير تاريخ الامة العربية، فلا تختلف في جوهرها السرقات الغربية عن تدمير الجماعات المتشددة لبعض تماثيل الموصل وتدمر ومدينة الحضر بل لعل هذه الجماعات تخدم من حيث تدري او لا تدري هذه السياسة الغربية بترسيخ مقولة أن العرب غير قادرين على حماية إرثهم الحضاري كأن هذه الشواهد الخالدة لم تكن في مأمن قبل أن تدنس أقدام الغزاة معبد الإنسانية العظيم “بلاد الرافدين”.

السرقة والنهب والتدمير وتزوير التاريخ نهج إعتمده الغزاة لصياغة تاريخ جديد يرسخ فكرة أن العربي هو شخصية صحراوية إنبثقت في التاريخ في عهد غير معروف، ولعل سرقة “النسخة العراقية من أسفار العهد القديم” بعيد الإحتلال الأمريكي ثم ظهورها في فلسطين المحتلة وأيضا سرقة أقدم مخطوطة توراتية من اليمن ونقلها إلى نتنياهو يؤكد أننا أماما تطهير ثقافي لهذه الأرض ومحاولات صنع تاريخ يلائم النظام العالمي الجديد، ونضرب هنا مثلا فضيحة شركة HOBBY LOBBY التي تورطت في شراء آثار عراقية عبر وسطاء صهاينة في دبي لتخرج الفضيحة إلى العلن وتتعهد الشركة بصنع تحف مماثلة أو “مزورة” تقدمها للحكومة العراقية، وأيضا فضيحة مئات القطع التي وجدت في منزل نوري المالكي مخزنة في صناديق ربما تمهيدا لبيعها أو تهريبها.

يؤلمنا ما حل بكنيسة نوتردام كونها وليدة نسائم الشرق على الغرب، فلولا الإغريق ما كانت حضارة روما التي بناها “رومورس″ و”رومولوس″ القادمين من الشرق ولولا حضارات بابل وسومر ما كان الإغريق فالأصل واحد والحضارة واحدة شرقية لا غربية، هذا عدا عن فضل الأندلس على سائر أوروبا حضارة وعلما وثقافة، لكننا نثق تماما أن الحكومة الفرنسية ستعيد الكنيسة إلى حالتها الأولى كما أننا علي يقين بأن هبات ضخمة من أمراء النفط في الوطن العربي قد أرسلت لإعادة تشييد هذا الصرح، وربما هم الأمراء الذين تحدثنا بعجل عن دورهم في سرقة آثار العراق ونقله إلى الولايات المتحدة أو الأراضي المحتلة أو غيرها فأمثال هؤلاء لا يعنيهم الأثر ولا التاريخ الذي يرويه بقدر ما يعنيهم التملق وطلب الود والرضى، يتصيدون الفرص للتزلف وكأن الفيلسوف الكولومبي نيكولاس غوميز دافيلا كان يلمح إليهم بقوله”كل حضارة تنهار إثر لا مبالاتها بالقيم الفريدة التي قامت عليها”.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP