قبل 6 سنە
محمد علوش
407 قراءة

ماذا وراء التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزّة؟

 

اللافِت في الاعتداء الإسرائيلي أنه جاء مُتزامِناً عملياً مع أمرين:
- أولاهما نجاح وساطة مصرية في تثبيت تفاهُمات على هدنةٍ بين المقاومة في غزّة والاحتلال، جرى بموجبها التأكيد على سلميّة مسيرات العودة وعدم اقترابها من الحدود المُتاخِمة لغزّة، مقابل تخفيف الحصار، والسماح لقطر بتحويل 15 مليون دولار لدفِع رواتب موظفي القطاع، وتحسين أوضاع شبكة الكهرباء. 
- ثانيهما: حملة تطبيع علنية سياسية وإعلامية وعلى أعلى المستويات جرت مع عددٍ من دول الخليج. رافقتها تصريحات عربية رسمية تُثني على موقف إسرائيل من ضرورة الحفاظ على استقرار الحُكم في السعودية لمواجهة إيران.
وبناء عليه، يمكن قراءة المشهد الأمني في القطاع ضمن السياقات التالية: 
ردّ المقاومة الفلسطينية على العدوان كان مُدوِّياً، حيث تمكَّن القسَّام من قَتْلِ قائد العملية وهو برتبة مُقدَّم في الجيش الإسرائيلي وإصابة ضابط آخر بجروحٍ بليغة. كما أطلقت المقاومة 17 صاروخاً على مستوطنات غلاف غزّة تمكَّنت القبّة الحديدة من اعتراض ثلاثة منها فقط، ما حمل ما يُسمَّى ب "الجبهة الداخلية" في الجيش الإسرائيلي على إلزام جميع سكان غلاف قطاع غزَّة بالبقاء في الملاجئ. كما تقرَّر وقف خط القطارات بين بئر السبع وعسقلان. في حين قطَعَ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو زيارته إلى فرنسا والعودة فوراً إلى تل أبيب لمُتابعة تطوّرات الأوضاع الأمنية.
الكيفيّة الفلسطينية في ردّ العدوان أكَّدت أن المقاومة في قطاع غزَّة لم تتوقَّف يوماً، وأنها وصلت مع الخبرة والقدرة على الحركة والمرونة اللافِتة في اتّخاذ القرار وسرعة الاستجابة وقت المُباغتة إلى مستويات تليق بجيوش وليس بمجموعات مُسلَّحة. كما أكَّدت على اللّحمة الشديدة بين جميع الفصائل الفلسطينية رغم تعدادها. ففي لحظات الحَرَج الشديد شهدنا تكاتف الفصائل المُسلَّحة وتعميمها الاستنفار والجهوزيّة التامّة للتعامُل مع المُستجّدات بإرادةٍ صلبةٍ وعزيمةٍ لا تلين، بما يعكس حال النضوج السياسي والأمني عند قيادات الفصائل المُختلفة. 
مُحاولة العدوان خَرْق وقف إطلاق النار والتعدّي على الشعب الفلسطيني رغم الحصار المضروب عربياً وإسرائيلياً على قطاع غزّة منذ عقد ونيف على مليون وربع مليون إنسان في قطاع في شريط ساحلي صغير، يؤكّد أن الاحتلال لا يُراعي حُرمة ولا ذمّة، ولا يفي بوعوده ولا مواثيقه في التعاطي مع القضايا العربية والفلسطينية. فهو لم يحترم يوماً إلا القّوة، ولا يفهم إلا لغة القوّة، ولا تردعه عن غيّه وإجرامه إلا القوّة. وأنه مُصرٌّ على استئصال أيّ جهد فلسطيني يقف في وجه مخطّطاته على أرض فلسطين المحتلة. وأنه يسعى إلى ذلك من دون تفريق بين فصيل وطني وفصيل إسلامي، بين فصيل يحمل السلاح وفصيل يحمل غصن الزيتون طالما أن الهوية الفلسطينية هي من توحّد هؤلاء في وجه مشاريعه. وأن الفلسطيني الجيّد هو إمّا الميّت أو العميل للاحتلال. 
تؤكّد حادثة أمس أن الاحتلال يوظِّف عمليات التطبيع مع جيرانه العرب لضرب القضية الفلسطينية وليس لدفع مباحثات السلام قُدُماً إلى الأمام كما يحاول أن يشيع المُدافعون عن التطبيع. فهو لم يعد يكترث بالغَضَب العربي تجاه ما يقوم به في فلسطين. ويرى أن المناخ الدولي والإقليمي يسمح ببناء علاقات عربية إسرائيلية على أعلى مستوى وفي كافة المجالات من دون ربطها أو اشتراطها بمسار المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية ومن دون أيّ اعتبار يُذكَر لمسار القضية الفلسطينية. 
في ظلّ هذا المناخ المُعادي للقضية وللمقاومة الفلسطينية، نفهم الحديث المُتكرِّر بأن قطاع غزَّة هو مكان للفوضى وعدم الانضباط ، هو مُجرَّد بروبغندا إعلامية إسرائيلية وغير إسرائيلية لتشويه صورة المقاومة والنيل منها تحت مُسمَّيات مختلفة. وأنه ليس للمقاومة الفلسطينية سند عربي على الإطلاق. ولولا البندقية وقدرة المقاومة على التصنيع العسكري الداخلي وتعاون بعض الدول التي لا تزال تُعطي للقضية الفلسطينية أبعاداً أيديولوجية لكان قطاع غزَّة الآن غارِقاً بالبحر نزولاً عند رغبة أرييل شارون ومن قبله إسحاق رابين. 
لم تعد بندقية المقاومة في قطاع غزَّة خياراً للتصدّي والمواجهة ، ولم تعد رمزاً للنضال التاريخي الفلسطيني وحسب. لقد أضحت بندقية المقاومة رديفاً للوجود الفلسطيني ورادِعاً حقيقياً للحفاظ على ما تبقّى من كينونة الهوية الفلسطينية على أرض فلسطين التاريخية.

d.j

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP