الأنغام الإسرائيلية تُدنس ثالث عاصمة عربية
منذ عصر امس الجمعة ووسائل الإعلام الإقليمية والعالمية، تركز على زيارة رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي المحتل بنيامين نتنياهو، لسلطنة عمان، وتحاول التأكيد على ان الزيارة جاءت بدعوة رسمية من السلطنة وبالتحديد من سلطانها قابوس بن سعيد. الأمر الذي نفاه وزير الخارجية يوسف بن علوي بعيد مغادرة نتنياهو العاصمة العمانية مسقط، بقوله ان الزيارة جاءت بطلب من نتنياهو نفسه
فمهما كان المصدر الباعث للزيارة، فقد واجهت رددوا عنيفة على الصعيدين الشعبي والسياسي في المنطقة، خاصة وان السلطنة وعلى مدى فترة حكم السلطان قابوس إمتازت بالحيادية وعدم التورط في أي أمر يزعزع الأمن ويهدد السلام، سواء داخل أراضيها او لدى الجانب الذي تتعامل معه
لكن هذه الزيارة وفي الوقت الراهن الذي تمر المنطقة في ظروف لا تحسد عليها، تثير أكثر من سوال يوجَه للسلطنة وسلطانها قبل غيرهما، إضافة إلى أن الزيارة سيكون لها تداعيات على السلطنة والمنطقة بأسرها في نفس الوقت، وهما غنيتان عن أي مشاكل إضافية
فعلى صعيد الشعوب نعتقد أن الأمر لايحتاج للذكر من معارضة الشعوب لإستقبال أي من مجرمي كيان الإحتلال الملطخة أيديهم بدماء الأطفال والأبرياء الفلسطينيين على مر أكثر من سبعة عقود. خاصة وان الكيان ومسؤوليه كالكتلة النارية، أينما حلوا، حرقوا وأوجدوا حرائق تأتي على الأخضر واليابس كما يقول المثل
وعلى صعيد السياسي فقد إستنكرت معظم الفصائل الفلسطينية المقاومة للإحتلال الإسرائيلي وفي مقدمتها حركة الجهاد الاسلامي وحركة حماس وحركة فتح، و تحالف قوى المقاومة الفلسطينية، حيث كان السبق لمدير المكتب الإعلامي لحركة الجهاد الاسلامي داوود شهاب الذي ادان الزيارة في مؤتمر صحفي وقال انها شكلت صدمة للفصائل الفلسطينية لأنها بمثابة تبرئة الكيان المحتل من كل جرائمه وغسل يديه من دماء الأطفال والأبرياء الذين تُسفك دماؤهم كل يوم على ارض فلسطين بيد هؤلاء القتلة
ولم يكن موقف الجمهورية الاسلامية الايرانية بعيدا عن موقف الفصائل الفلسطينية حيث انتقدت ايران وعلى لسان الناطق باسم خارجيتها بهرام قاسمي الزيارة مؤكدة انها جاءت حصيلة ضغوط اللوبيات الصهیونیة في البیت الابیض والادارة الامیركیة على السلطنة، ومما لاشك فيه ان هذا الكیان یسعى لإثارة الخلافات بین الدول الاسلامیة والتعتیم على سبعین عاما من إغتصابه لارض فلسطین وعدوانه ومجازره ضد الشعب الفلسطینی المظلوم
وأضاف قاسمی، ان التاریخ والتجارب يؤكدان ان التراجع والخضوع للاملاءات اللامشروعة لامیركا والكیان الصهیوني الغاصب سیجرؤهم اكثر على ممارسة الضغوط والمزید من التمدد في المنطقة وتجاهل الحقوق المشروعة والمحقة للشعب الفلسطینی، وتجبر الدول الاسلامیة للمضي قدما نحو إنتهاج سياسة التطبیع الدبلوماسي مع غاصبي القبلة الاولى للمسلمین
ومهما كانت بواعث الزيارة، إلا أن المراقبين يرون أنها ترمي "أكثر من عصفور بحجر"، ولها أهداف أكثر من ان يُمكن حصرها في العدد، لكن بما يسمح لنا الوقت سنتطرق الى اربعة أهداف إعتقدنا أنها قد تكون من أهم اهداف الزيارة المشؤومة
اولا- لايحتاج الموقف لتوضيح عن مواقف المملكة العربية السعودية إزاء القضية الفلسطينية وضغوط قادتها على قادة الفصائل الفلسطينية وإجبارهم أو إغرائهم بالمال والمواعيد الطنانة، للدخول في مساومات مع الكيان المحتل والقبول بما يُملى عليهم من قبل الإدارة الأمريكية بإعتبارها الراعي الأول والأهم فيما يسمى بـ "عملية السلام"، بدءا من مبادرتها التي بدأت بـ "مشروع فهد" في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، مرورا بالوساطات التي مارست خلالها الضغوط على الفصائل الفلسطينية لترضخ بالتخلي عن كل شيئ مقابل "السلام" المزعوم مع الكيان المحتل لأرض فلسطين، وإن كان عنوان المرحلة "الأرض مقابل السلام"، لكنه أضحى بعد فترة وجيزة "السلام مقابل السلام" أي لا شيئ للفلسطينيين إن لم يساوموا الصهاينة، وحتى لو ساوموا فعليهم أن لا يدَّعوا بشيئ
وأخيرا وليس آخر، ما طرحته مملكة آل سعود تحت عنوان "صفقة القرن" الذي تأتي على كل القضية الفلسطينية بفضل أموال البترودولار، ولم تدع للشعب الفلسطيني اي مجال للتفاوض والمطالبة بحقوقه التي تنص عليها الشريعة الدولية. أضف الى ذلك أن سلطنة عمان وبثقلها المعروف في المنطقة اراد الكيان استغلالها لصالحه وتلميع صورته المُلبَّدة بالجرائم وارتكاب المجازر الحربية ضد الأبرياء من أبناء المنطقة خاصة الشعبين الفلسطيني واللبناني
فمن جانب أراد الكيان الإسرائيلي المحتل الإحتماء بالسلطنة ومكانتها الإقليمية، من خلال زيارة رئيس وزرائه لها، ومن جانب آخر اراد أن يزايد على السعودية بوجود المتعاملين معه بين الكيانات والأنظمة العربية الإقليمية، ليستحلب الكيان وسيده سمسار البيت الأبيض مملكة آل سعود أكثر مما عليه الحال في الوقت الراهن
ثانيا – من خلال هذه الزيارة أراد الكيان الإسرائيلي المحتل الوصول الى السلطنة ليخرجها عن الحالة الحيادية التي عُرفت بها السلطنة منذ اعتلاء السلطان قابوس عرشها قبل حوالي الخمسة عقود، عسى ان يتمكن من إكتساب شيئ من الشرعية بهذا اللقاء والتعتيم على جرائمه التي يرتكبها كل يوم ضد الشعب الفلسطيني المظلوم
كما انه اراد بزيارته هذه أن يزيل قبح التطبيع والتصافح مع كبار مسؤولي الكيان المليئة ملفاتهم بالقتل والإجرام، لتصبح عملية التطبيع في طور أسرع مما كانت عليه حتى اليوم. الأمر الذي واجه اكثر من معارضة داخل السلطنة وشعبها، وتجلت المعارضات في التغريدات التي قبحت استقبال رئيس كيان الإجرام والإحتلال على ارض السلطنة المستقلة والمستقرة، التي يخشى ان تخسر استقرارها إثر المكائد التي تتركها زيارة رئيس وزراء كيان الدجل والجريمة "إسرائيل المحتلة"
ثالثا- أراد الكيان المحتل لفلسطين الحصول على اكثر من شرعية بين الأنظمة العربية خاصة وأنه أفاد يوم أمس الجمعة بوزيرة "الرياضة والشباب" الى العاصمة الإماراتية ابو ظبي، وقبل ذلك أوفد وفودا رياضية إلى قطر، تحت عنوان التحضير للمشاركة في تصفيات كأس العالم التي من المقرر أن تستضيفها الدوحة عام 2022، لتكون مسقط ثالث عاصمة عربية يُعزف فيها "النشيد الوطني الإسرائيلي" بعد ابو ظبي والدوحة
وبذلك تكون عملية التطبيع التي كانت حتى الأمس القريب تجري خفية وخلف الأبواب المغلقة، تصبح اليوم علنية بل مبعثا للتفاخر والظهور بمظهر التطور والعصرية، لتزول كل الصور القبيحة للكيان الذي لم يُبن إلا على القتل والتهجير والنهب والسلب والإبادة
رابعا- وجود زيارة نتنياهو الى مسقط على رأس النشرات الخبرية لوسائل الإعلام يوحي بوجود مؤامرة ومخطط مدروس لإخفاء قضية مطالبة الرأي العام السعودي لتوضيح ملابسات مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي بعد مراجعة قنصلية بلاده بمدينة اسطنبول التركية
فقد طالبت تركيا بكل أعضاء الفريق السعودي الذي سبق وصول خاشقجي بالوصول الى القنصلية وغادرها بعد ساعتين من مقتله والإنتهاء من تقطيع أوصاله حسب الروايات المؤكدة والتي يؤكدها وجود العقيد الطبيقي الطبيب الشرعي المختص بتقطيع الاطراف، حتى الآن ليتم محاكمتهم داخل تركيا
إلا أن السعودية رفضت ذلك، واقترحت على تركيا ورئيسها اردوغان إنهاء الملف بما يراه "لمصلحة البلدين" ما يؤكد وجود اكثر من صفقة لإخفاء الجريمة، ناهيك عن ان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير اعلن قبيل ظهر اليوم السبت، ان بلاده لن تُسلم الفريق لتركيا، واكتفى بالقول أنهم سيحاكمون في داخل المملكة
ومن هنا يرى المراقبون ان قيام رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي المحتل بزيارته لمسقط في هذه الظروف، جاءت مناصرة لحلفاء الكيان الذين يخشون إظهار علاقاتهم السرية معه، وقد بدأ نتنياهو زيارته الى سلطنة عمان تحت عنوان تمتين العلاقات الثنائية، لكنه اراد بها تحقيق اكثر من هدف على الصعيدين الإقليمي والدولي
وما يطرحه المراقبون هو هل أن السلطنة التي عاشت فترة الهدوء والسلام ستبقى كما كانت عليه ولن تتأثر بالشرر الذي أصابها إثر تدنيس كبير مسؤولي كيان القتل والإجرام لها؟ وهل ان تصريح وزير الخارجية العماني بأن الزيارة كانت نتيجة طلب نتنياهو مباشرة، سيقلل من وطأة العبئ الذي تتركه الزيارة على السلطنة؟ تساؤلات يكفل الإجابة عليها مرور الأيام لتتضح الأمور أكثر لمن لم يصدق بما عرضناه في الأهداف السابقة