أميركا.. بين فرض الحظر على إيران والإهانات للسعودية
من تغريدة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الموجهة للسعودية، يمكننا قراءة مسارين مختلفين للسياسة الاميركية في المنطقة والعالم .
الاول يكشف السبب وراء هذه الاهانات المتواصلة من قبل الادارة الاميركية للسعودية والتي طالت مؤخرا رأس الهرم في السلطة السعودية وهو الملك .
أما الثاني فيكشف السبب الرئيس وراء الحظر الاميركي المتواصل على ايران منذ انتصار ثورتها الاسلامية بقيادة الامام الخميني رحمه الله وحتى يومنا هذا .
ظريف كتب في تغريدته " لقد دأب الرئيس ترامب متكررا على إهانة السعوديين من خلال القول بأنهم ليس بمقدورهم البقاء لمدة أسبوعين من دون دعمه لهم.
هذه هي مكافأة الوهم بأن الأمن يمكن تأمينه بالاستعانة بالخارج". نعم ، فمع الاصرار السعودي على الانصياع التام لواشنطن تدأب الادارة الاميركية في البيت الابيض على تذكير السعوديين بحمايتهم وان عليها اي الرياض دفع الجزية مقابل هذه الحماية. وكم كان ظريف مصيبا حين وصف الاصرار السعودي بالوهم ، لأن اميركا وعبر تاريخها الطويل ، لم تُقدِم على حماية أتباعها عندما يتعلق الامر بالحماية الحقيقية ، بل تخلت عنهم بعد أن أخذت منهم ما تستطيع ، والتاريخ حافل بالأدلة والاثباتات ، فإن أردنا البحث في التاريخ يمكننا الحديث عن شاه إيران ، والتي كانت تطلق عليه شرطي الخليج ، أما في تاريخنا القريب فيمكن للسعودية الاعتبار من المثال الليبي وزعيمها معمر القذافي أو مصر ورئيسها حسني مبارك إلى تونس ورئيسها بن علي .
الاهانات التي يكيلها ترامب اليوم للسعودية وحكامها، إنما أتت نتيجة الضعف التي تعيشه هذه الدولة. فمنذ انطلاقة حكم آل سعود في الجزيرة العربية لم يبحث حكامها عن الاستقلال الحقيقي والاعتماد على الذات سواءً في حماية أنفسهم أو البحث عن الاصدقاء الحقيقيين في المنطقة، وادركت أنها غريبة عن المنطقة وطبيعة أهلها التحررية. لذلك دأبت على إلصاق نفسها بمن تراهم قوة يمكن الاعتماد عليها. وتطبيع شعبها على التبعية والانصياع لهذه القدرات بوسائل واساليب عدة -لسنا في صدد ذكرها هنا مع أهميتها- حتى باتت غير قادرة حتى على الاحتجاج أمام هذا الكم الهائل من الاهانات وعاجزة تماما امام كل هذه العجرفة الاميركية تجاهها. ليخرج علينا "الأمير السعودي الشاب" محمد بن سلمان ليعتبر ان هذه الاهانات نقداً. ويعلم الناس وجوب تقبل المديح والنقد مما اسماهم الاصدقاء. وهذا كان المسار الاميركي الأول .
أما الثاني ، فنراه جليا مع إيران، فمع انطلاقة ماكينة سجادة السياسة الايرانية فيها، اخذت اميركا على عاتقها عبثا محاولة فك العقد في هذه السجادة، واحيانا رمي عقد اضافية في غير مكانها الصحيح، لتوقف عراقة آلاف السنين من السياسة والحكم في المنطقة. لتجد مؤخرا العقدة الاقتصادية في هذه السجادة وتُعمِل عليها الحظر .
هذه الاجراءات الاميركية ضد ايران هي ضريبة الكرامة التي تدفعها طهران مقابل حفاظها على حريتها واستقلالها. وهي ثمن انتهاج اسلوب الحياة الكريمة، ورفض الظلم والاستكبار والتعالي الغربي الفارغ، ونبذ التبعية والانبطاح والانصياع للإملاءات الخارجية .
قد يرى البعض في هذا الكلام مثاليات وشعارات، لكن الدلائل عليها كثيرة. أما هنا فأريد البحث في ثلاثة أمثلة، أفضل تسميتها، مثلث الكرامة .
يبدأ مثلثنا من طهران محور الحديث السابق، والحرب التي فرضت عليها لمدة ثمان سنوات، تجحفلت كل دول العالم والمنطقة -إلا من رحم ربي- ليقطعوا الشجرة الطيبة التي كانت فتية في عودها قوية في جزورها. إلا ان الكرامة التي تمتعت بها وشعبها حالت دون اسقاطها واركاعها
أما رأس المثلث الثاني فهو جنوب لبنان، الذي شهد معركة أرغمت فيه اقوى جيوش المنطقة ومن خلفها المال العربي والجيوش الغربية على الانسحاب دون تحقيق الهدف المراد. وكل هذا على ايدي فئة قليلة آمنت بكرامتها وحريتها واستقلالها .
والرأس الثالث هناك بالقرب من السعودية، في اليمن. حيث لم تستطع الرياض ومن معها ومن خلفها من جيوش واموال وعتاد لم تستطع اركاع الشعب اليمني بعد اكثر من ثلاث سنوات من القتل، لأنه شعب عرف كيف يعيش حرا وكريما .
مثلث علم العالم الكرامة. وكيفية عيش الحياة بحرية. وهنا نكرر ما قاله ظريف في تغريدته: إننا نمدّ مجدداً أيدينا الى جيراننا قائلين لهم: دعونا نبني "منطقة قوية" ولنوقف هذا الغرور الاستكباري .
N.M