ماذا بقي لترامب؟
الحلم الأميركي في الهيمنة على العالم، جسّده الرئيس الأميركي الأخير، بفضاضة الرجل الأبيض الأحمق، وكأن عرق أخبث راعي بقر، تلطخّت يداه بدماء الهنود الحمر، قد ضربت في دونالد ترامب، فخرج نسخة غير مستحبّة منه، أصبح العالم بشعوبه ودوله العاقلة، يرونه شاذّاً عن المنطق، توأماً للتطرّف، وتهديد السلم والأمن العالمي.
هذه المرة بلغ الضرَر والأذى دول العالم بأسره، حتى دول الخليج المُحرِّضة عادة ضدّ إيران، كالسعودية والإمارات والبحرين، قد أرهقها ترامب بالابتزاز، واقتصادياتها قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، ولولا موارد النفط والحج والعمرة، لأصبحت في خبر كان، ولما كان لها اعتبار أصلاً، في عالم الاعتبار والسياسة.
كما أن الدول الأوروبية الموقّعة على الاتفاق النووي مع إيران، قد حزمت أمرها في ما يبدو- من خلال تحرّكاتها- من أجل حماية مصالحها، ومواجهة العقوبات الجديدة التي يعتزم ترامب تنفيذها في شهر نوفمبر، وفي مقدّمها حضر تصدير النفط الإيراني إلى دول العالم، والذي قوبل باستهجان دول، عبّرت منذ التلويح به عن اعتراضها له، واستمرارها في العمل بعقوده مع إيران كالهند والصين وكوريا، كما عبّرت تركيا عن مواصلة تلقّي إمداداتها من الغاز الإيراني.
وفيما يرى المراقبون دخول الرئيس الأميركي بتطرّفه ضد إيران، وتشدّده المُبالَغ فيه تجاه الصين بفرض أداءات جمركية مشطّة على سلعها، وفتور في العلاقات مع روسيا إلى حد يذكّرنا بالحرب الباردة، فتح باباً مغلقاً من عدم الاستقرار في العالم، قد يدفع إلى اندلاع حرب مُدمّرة في أية لحظة، وتحت أي مبرّر يراه الأميركيون وحلفاؤهم، وجّهت دول عدم الانحياز رسالة إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة مطالبة فيها بتسجيلها وثيقة تخصّ مجلس الأمن والجمعية العامة تناول عدداً من القضايا المتعلّقة بالأمن العالمي في مكافحة انتشار اسلحة الدمار الشامل، إدانة تحديث الأسلحة النووية، التي اتخذتها الولايات المتحدة الأميركية كسياسة نووية استراتيجية لها، منتقدة في نفس الوقت، بقيّة الدول النووية لعدم التزامها تعهّداتها، في إطار معاهدة حظر الأسلحة النوويةNPT / 1968/1995) كما تطرّقت الرسالة إلى الاتفاق النووي بين إيران والدول 5+1 داعية إلى حمايته.
وقد جاء خطاب الرئيس روحاني متميّزاً، بواقعية طرحه، ومنطقيّة ردوده على ادّعاءات الرئيس ترامب حول إيران، معتبراً ما لوّح به من تهديدات ضدّها وضدّ دول العالم، التي تتعامل اقتصادياً معها إرهاباً اقتصادياً، لا يختلف في شيء عن الإرهاب التكفيري، وهما وجهان لعملة واحدة بصناعة أميركية، لا ينافسها فيها أحد سوى الكيان الصهيوني.
طوق الخناق ضاق على سياسة الرئيس الأميركي، بعدم مجاراة الدول الأوروبية لها، ومعارضتها تماماً، ما وضع صاحبها في عزلة دولية، من شأنها أن تعرقل تنفيذ كان يطمح إليه من أذى وضرر لإيران، والفضل كله يعود أولاً إلى الله سبحانه، بتوفيقاته وألطافه، وحكمة القيادة والحكومة الإسلامية في إيران، في معالجة المستجدّات والطوارئ، بالآليات الواقعية، والثبات الدائم على المبادئ.
نجاح الدبلوماسية الإسلامية الإيرانية في حماية حقوق شعبها، وظهورها في العالم بمظهر الملتزم بتعهّداتها الدولية، مكّنها من إقناع دول غربية وشرقية بمصداقيّتها وجديّتها في الالتزام بتعهّداتها، ووقوف أغلبها وخصوصاً الصين وروسيا والدول الغربية داعمة للاتفاق النووي، فلم تتأثّر بشيء من تهديدات أميركا، حيث بدت اليوم مواقف أميركا ضد إيران، معزولة عن الإجماع الدولي، شاذّة عنه، بعيدة عن تحقيق ما ترجوه منها، ويتمنّاها لها الكيان الصهيوني وأعراب الخليج الداعمين بقوّة لسياسات أميركا العدائية ضد إيران الإسلامية.
ما يثير الإعجاب هنا أن الطرف الأميركي اعتمد على الكذب والخداع في تشويه صورة إيران الإسلامية، وبذل ما في وسعه من جهد من أجل إسقاط النظام الإسلامي، وليس بمقدوره أن يزيد على ما وصل إليه، بما يعني أن محاولاته الأخيرة باءت بالفشل وهو مُدرِك لكل ذلك، بينما اعتمدت إيران على مبادئها الإسلامية في التعامل الدبلوماسي بعناوين الصدق والوفاء الواضحين، فلم تر في جانب من الجوانب مخلّة بشيء من استقامة مسارها، وهذا وجه مشرق لإيران، يجب أن يفتخر به الشعب الإيراني، الذي ملك بثورته ونظامه وأهدافه عزّته واستقلاله الحقيقيين، مقابل شعوب عالم كثيرة، لا تزال تبحث عن الاستقلال والعزّة والخروج من دائرة العمالة والتبعيّة.
فهل ستكون العقوبات الاقتصادية، التي يأمل ترامب تنفيذها ضد إيران في قطاع النفط، هي آخر أوراقه؟ أم إنه سيدخل في حماقة جديدة قد تسرّع في إقالته من رئاسة بلاده؟ وقد بدأ المتربّصون من الحزب الديمقراطي يشحذون أسلحتهم، لإصابته في مقتل، لا يرى له من بعده أثراً في عالم السياسة الأميركي الغريب الأطوار.
d.h