قبل 6 سنە
ورد كاسوحة
437 قراءة

أثر العقوبات: الاستفادة من تناقضات الغرب

 

ثمّة رابط بين عودة الدول النامية للتبادل بالعملات الوطنية بدلاً من الدولار الأميركي والخطوات التي ستقدم عليها أوروبا تفادياً لتأثير العقوبات الأميركية على إيران، في شركاتها العاملة هناك. الآلية التي اقترحتها مفوضة السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، لإنشاء نظام للتبادل مع طهران، لا تجعل منها بالضرورة امتداداً لخطوات الدول النامية، إذ بخلاف أوروبا، ثمّة استراتيجية شاملة هناك للردّ على نظام العقوبات الأميركي بنظام مضادّ، أو بخطوات تقلِّل من الاعتماد على الدولار كعملة أساس. الاتحاد الأوروبي غير معنيّ بخوض مواجهة تجارية شاملة ومفتوحة مع الولايات المتحدة، وينحصر اهتمامه في الحفاظ على مصالح شركاته التي استفادت من رفع العقوبات عن إيران بموجب الاتفاق النووي للاستحواذ على حصّة كبيرة من الاستثمارات في السوق الإيرانية. النزاعات الأخرى مع الإدارة الأميركية، سواء في التجارة أو في الأمن، لا ترقى إلى حجم التهديد الذي تمثّله العقوبات على المصالح الأوروبية، حيث يبدو أن الشراكة مع إيران على خلفية الاتفاق النووي تمثّل مدخلاً لاستعادة جزء من التراكم الذي فقدته أوروبا لمصلحة الصين والولايات المتحدة. 
التقاطُع مع الدول النامية
الاستماتة في الدفاع عن هذه المصالح هي التي تضع الاتحاد الأوروبي في مواجهة جزئية مع الولايات المتحدة، وهي التي تقرِّبه أحياناً من الاستراتيجية التي تتّبعها الدول النامية لمجابهة سياسة العقوبات الخاصّة بترامب. ليس ثمة تماثل في حجم الضرر بين الطرفين، حيث تحتفظ أوروبا بخلاف الدول النامية بموقع الحليف للولايات المتحدة، وهذا يسمح لها بتجنُّب الآثار البعيدة المدى لسياسة العقوبات، وبالتالي لا تُضطرّ إلى البحث باستمرار عن بدائل كما تفعل معظم الدول التي تتعرّض لعقوبات من واشنطن. بهذا المعنى، هي ليست في موقع الحكومات التي تُمنع من الوصول إلى أسواق المال لتأمين احتياجاتها الأساسية، ولكنها من موقع الشراكة في الدفاع عن الاتفاق النووي تستطيع عبر الامتيازات المعطاة لها رأسمالياً توفير أدوات تساعد الدول النامية على الدفع باستراتيجيتها البديلة قدماً. الاقتراح الخاصّ بإنشاء نظام للمقايضة مع إيران لا يحافظ فقط على بنية الاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة منه أو على مصالح الشركات الأوروبية فحسب، بل يدعم أيضاً سياسة البدائل التي تقترحها الدول الناشئة عبر الحدّ من تأثير العقوبات، وبالتالي عدم الركون إلى الدولار كمرجعية في التبادلات النفطية.
تحدّيات قيادة الصين للتنمية 
اضعاف العملة الأميركية في سوق ناشئة كالسوق الإيرانية يسمح بصعود عملات أخرى بدلاً منها، ويشجّع مزيداً من الدول الخاضعة لعقوبات على الانخراط، ليس بالضرورة في نظم مقايضة مثل «النموذج الإيراني»، ولكن على الأقلّ في أطر مالية لها قدرة على تجاوز نظام العقوبات الأميركي والحدّ من تأثيره بسياسات التراكم في الدول النامية. الدور الصيني هنا أساسي، لأنّ الصين هي الدولة الناشئة الوحيدة التي لا تستطيع الولايات المتحدة الحدّ من وصولها إلى الأسواق الدولية، ليس فقط بسبب حجم اقتصادها الكبير أو قدرتها على إغراق العالم بالمنتجات والبضائع، بل بسبب ارتباط الاقتصاد الأميركي بها عبر أدوات مالية مثل أذون الخزانة وسواها. لا تملك أيّ دول ناشئة أخرى هذا القدر من التأثير في عملية التراكم داخل الولايات المتحدة، ولذلك تعتبر الدولة الوحيدة التي تعجز أميركا عن تقييدها بنظام العقوبات. ويبدو أنّ ترامب قد وجد حلاً لهذه المعضلة عبر اعتماد سياسة الحرب التجارية معها، على اعتبار أنه يستحيل منعها من الوصول إلى أسواق المال بسبب حجم التداخل بين اقتصادها والاقتصادات الرأسمالية الأخرى. هذه الميزة استفادت منها الصين في مسعاها لتنويع مسارات التنمية، فأعادت بفضل التراكم الكبير الذي حقّقته على الصعيد الاقتصادي إحياء مشروع «طريق الحرير» بعد توسيعه ليضمّ تحت المسمّى الجديد: «حزام واحد - طريق واحد» كتلاً آسيوية جديدة، ولينشئ لهذا الغرض بنىً تحتية كبيرة تكون بمثابة تأهيل للطريق القديم الذي كان يربط تجارياً بين آسيا وأوروبا. المشروع بدأ قبل تصاعُد سياسة العقوبات ومجيء إدارة ترامب بأجندة لخوض حروب تجارية على جبهات متعدّدة، ولذلك تبدو فلسفته الاقتصادية قديمة بعض الشيء نظراً لافتقادها إلى نظرية واضحة في مجابهة الحمائية التجارية، واعتمادها المطلق في المقابل على التحوّلات التي أحدثتها العولمة في بنية النظام الاقتصادي الدولي. لكن يبدو أن الصين قد بدأت تدرك - بسبب تصاعد النزعة الحمائية وانحسار مدّ العولمة - حجم التحدّيات التي تواجهها مشاريع كهذه، ومدى اتساقها من عدمه مع الأطر الإقليمية الجديدة التي يتطلّبها خوض مواجهة كبيرة ومفتوحة مع سياسة العقوبات التي يقودها ترامب. 
خاتمة
الانخراط الكبير الذي قادته بكين سابقاً في أطر العولمة لم يترافق مع اقتراحات للحدّ من الاعتماد عليها حين تتغيّر سياسة أقطاب رأسماليين آخرين، ويبدأ التفكير على صعيد العالم في إيجاد أطر تكون بديلة منها أو تحدّ من الاعتماد عليها كوجهة وحيدة للتراكم. التوجُّه إلى أوروبا بدلاً من الولايات المتحدة يبدو خياراً مناسباً، لكنه خيار جزئي، لأنّ الخلاف بين الطرفين حول الاتفاق النووي لا يؤثّر بالقدر نفسه بشراكتهما في ملفّات أخرى أساسية. وكون التناقض بينهما محصوراً في الملفّات التجارية، يعني أنه خلاف يمكن احتواؤه على قاعدة التنافس بين أطراف شريكة تجارياً في عملية التراكم، ومعنية جيوسياسياً بتركُّزها غرباً، مع ما يتطلّبه ذلك من توسيع رقعة الانتشار العسكري الغربي شرقاً وجنوباً. وهذا ما يفسّر حالياً زيادة حدّة التوتر العسكري في بحر الصين الجنوبي، بالتزامن مع تصاعد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، حيث تبدو المواجهة مرشّحة للتصعيد، وحيث يتراجع الاستقطاب داخل الغرب حول النزاعات التجارية بين أقطابه لمصلحة وحدة عضوية في المصالح الاستراتيجية ضدّ بكين ودول الجنوب الخاضعة لعقوبات عموماً. 
d.h

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP