"ترامب" .. حكاية رجل جعل من أميركا مسخرة
لم يسلم اي بلد في العالم ، حتى البلدان الاوروبية ، من سخرية وتهجم الامريكيين ، سياسيين واعلاميين ، على مدى عقود طويلة. فاوروبا تحولت الى قارة عجوز ، والصين وروسيا الى دكتاتوريات ، والدول العربية والاسلامية ، فهي لا تعدو سوى دول وجمهوريات موز ، اما البلدان المناهضة للاستبداد والهيمنة الامريكية ، وفي مقدمتها ايران، فنالت نصيب الاسد من هذا التهجم والاستعلاء الامريكي
أقصى ما كان يتفوه به المسؤولون الامريكيون واعلامهم ، حول الدول التي ترفض الرضوخ لهيمنتهم ، بانها دول مارقة وحكوماتها دكتاتورية ، وشعوبها تستحق افضل من هذه الحكومات ، بعد ان جعلوا ، وبغرور لافت ، من انفسهم الفيصل بين الحق والباطل ، والبوصلة التي يجب ان تسترشد بها الشعوب
يبدو ان هذه الصورة الامريكية التقليدية بدات تتمزق مع وصول شخصية مثل دونالد ترامب الى البيت الابيض كرئيس للولايات المتحدة ، هذا الرجل ، وخلال اقل من سنتين ، لم يكشف الوجه الحقيقي القبيح لامريكا ، بوصفها قوة جشعة طامعة متعطشة للدماء والمال ، فحسب ، بل حولها الى اضحوكة ومسخرة امام العالم كله ، بسبب تصرفاته التي تمزج بين صفات الكابوي القاتل والمهرج ثقيل الظل؟
العالم كله ضحك على أمريكا قبل ايام ، عندما القى ترامب خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة ، فالرجل وعوضا عن الحديث عن السلم العالمي والبيئة والمخاطر التي تهدد العالم واحترام الاتفاقيات والقوانين الدولية ، بدأ بالاشادة بالانجازات التي حققها في امريكا ، وكأنه مازال يعيش اجواء حملته الانتخابية المشبوهة ، حيث قال بالحرف الواحد : “حققت إدارتي أكثر مما حققته أي إدارة أمريكية أخرى في تاريخ الولايات المتحدة”.مما أثارموجة من الضحك والسخرية بين الحاضرين وقاطع صوت الضحك خطابه
ترامب وفي مؤتمر صحفي لاحق اشار الى ضحك العالم عليه وعلى امريكا ، وقال إن قادة العالم كانوا ” يضحكون معه وليس عليه “!!وأن هذا الضحك هو دليل على ” احترام الزعماء للإنجازات التي حققها “!!، وهي انجازات وصفتها صحيفة نيويورك تايمز ، بالكاذبة ، بل وصفت جُل ما جاء في خطاب ترامب بانه كان كذب في كذب
واكدت الصحيفة إن ترامب زعم أن الاقتصاد تحت إدارته انتعش بمعدل لم يحدث خلال أي إدارة سابقة. لكن الحقيقة تقول إن نمو الناتج الإجمالي القومي بلغ أعلى مستوى له عام 2014، والبطالة بلغت أدنى معدلاتها في الستينيات والأربعينيات
واوضحت الصحيفة ان ترامب ضلل العالم عندما قال إن السعودية والإمارات وقطر تعهدت بمليارات الدولارات لمساعدة السوريين واليمنيين، وان هذه الدول تسعى بشتى السبل لإنهاء الحرب الأهلية المرعبة في اليمن ، بينما تجاهل ترامب في خطابه أن يقول ما ظلت تؤكده الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ، من أن السعودية والإمارات هما اللتان تفاقمان حرب اليمن، وأن تقريرا أصدره محققون أمميون اتهم التحالف بقيادة الرياض وأبو ظبي بارتكاب جرائم حرب وتعذيب محتجزين وتجنيد أطفال
كما زعم ترامب في خطابه ، أن انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني أيدته كثير من دول الشرق الأوسط، لكن الحقيقة تقول إن الدول المؤيدة لذلك الانسحاب لم تزد على أربع وهي “إسرائيل” والسعودية والإمارات والبحرين ، بينما وقف العالم كله ضد قرار ترامب من الاتفاق النووي مع ايران
العالم لم يسخر من امريكا فحسب ، بل اصبح خائفا ، من ان تقدم امريكا تحت ادارة ترامب على حماقة يمكن ان تكلف العالم اثمانا باهظة ، ففي الوقت الذي يقوم بتأسيس ناتو عربي من الدول الخليجية ومصر والاردن ، لمواجهة ايران ، نرى ترامب يأمر ، بسحب أنظمة الدفاع الصاروخي “باتريوت” من الكويت والبحرين والأردن لمواجهة روسيا والصين
ان تهجم ترامب على المؤسسات الدولية وعلى رأسها منظمة الامم المتحدة والمنظمات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية الاخرى الخاصة بالتجارة والبيئة والانتشار النووي ، ومحاولاته تصفية القضية الفلسطينية ، وقراراته المتسرعة والطائشة ، وعدائه للصحافة ، وابتزازه للدول الخليجية النفطية ، وحلبها تحت وطأة التهديد والوعيد ، كلها تؤكد للعالم ان هذا الرئيس هو رئيس جمهورية موز ليس الا ، وان الشعب الامريكي يستحق رئيسا اكثر اتزانا من هذا المهرج العجوز
على هامش فضيحة تعيين القاضي بريت كافانو ، المقرب من ترامب ، في المحكمة الامريكية العليا، تفجرت مواقف اكبر خطورة من فضيحة كافانو المتهم بالاعتداء الجنسي على عدد من السيدات ، فبعد ان تم تأجيل التصويت في مجلس الشيوخ للمرة الثانية خلال أسبوع ، بضغط من الجمهوريين انفسهم ، الذين من المفترض ان يكونوا الى جانب ترامب عادة كما تقتضي سياسة الاحزاب ، فهذا السيناتور الجمهوري البارز جيف فليك، اشترط تأجيل التصويت في مجلس الشيوخ لمدة أسبوع، يتولى خلاله مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي” استكمال التحقيقات والقيام بالمزيد من التقصي عن سيرة كافانو
وسائل الاعلام الامريكية وقفت طويلا امام تحذيرات فليك ، من احتمال تمزق امريكا ، بسبب انتشار ثقافة التنابذ ، والحقد والعنصرية ، التي تهددد وحدة ونسيج المجتمع الامريكي ، وهي ثقافة تستمد قوتها من عقلية ترامب والعقول المحيطة به من امثال بولتون وبومبيو وكوشنر ، وهم اقرب من مجموعة من المهرجين ، الى مسؤولي اكبر دولة في العالم
N.M