قبل 6 سنە
لقمان الفيلي
843 قراءة

"التفكير في الحرب العراقية-الإيرانية، بعد ثلاثين عاماً"

يصادف شهر آب لهذا العام الذكرى الثلاثين لإنتهاء الحرب بين إيران والعراق. كان هذا النزاع المأساوي الذي دام ثماني سنوات حدثاً انتقالياً بالنسبة لطهران وبغداد. كان هناك أكثر من مليون ضحية من كلا الجانبين، وغيّر الصراع بشكل فعّال منطقة الشرق الأوسط بأكملها أيضاً.

عندما يحاول المرء النظر إلى الحرب الإيرانية-العراقية بموضوعية وبأثر رجعي، يتبادر إلى الذهن مفردة "الحرب العقيمة". من الذي خسر؟ أو ربما ينبغي على المرء أن يسأل ويكون ادق بسؤاله، من الذي كسب في نهاية هذا الصراع الذي دام قرابة عقد من الزمان؟ كانت للحرب العديد من المعارك الجوية والبرية عبر الحدود البالغ طولها اكثر من 1000 كم، ولم يتمكن العراق ولا إيران من إعلان نصر دائم، أو إجبار إرادتهم واجنداتهم على وقف إطلاق النار الذي وقع في 20 أغسطس/أب 1988.

شارك العديد من الشباب العراقي في الحرب، وما زال أولئك الذين كانوا محظوظين دون أن يصابوا بأذى على جبهة الحرب يعانون من تداعيات نفسية والإجهاد اللاحق للصدمة. كما خلقت الحرب جيلاً من الأرامل والأيتام لم يتمكن المجتمع العراقي ككل من التعافي منه أو حتى الدولة من قدرتها على إعادة اندماجهم بسبب حرب الخليج عام 1991 وما تلاها من حصار وعقوبات.

بالنسبة للعراقيين، فإن تراكم ديون سيادية ثقيلة وآثار مدمرة على اقتصادهم النفطي كان يفهم منها أن الرئيس صدام قد خُدع في هذه الحرب التي كانت لا نهاية لها. استخدمت آلة الدعاية البعثية مقاربة جنونية من خلال وصف الحرب الإيرانية العراقية بأنها "حماية حدود العالم العربي الشرقية من الهيمنة الإيرانية". وهكذا، كان هناك اعتماد أكثر من الدول العربية المجاورة والدول الغربية- بما في ذلك الولايات المتحدة- التي عارضت جمهورية إيران الإسلامية التي تأسست في حينها حديثًا.

هذا التفاوت بين التوقعات العراقية المرتفعة كمكافئة من دول مجلس التعاون الخليجي تضاهي عدم استجابتها وتعاطفها، الأمر الذي زاد من التوترات والسياسات العدائية التي نفذها صدام لاحقاً بهم. شعر العراقيون العاديون أن دول مجلس التعاون الخليجي قد دفعتهم واستخدمتهم لإعاقة المساعي الإيرانية لنشر ثورتها الإسلامية في ذلك الوقت. ومما زاد الطين بلة، أن الدعم المالي والتسوية التي وعدت بها بعض دول مجلس التعاون الخليجي للعراق خلال حرب 1980-1988 لم تحدث قط.

نتيجةً لذلك، ينظر العراقيون إلى نهاية الحرب العراقية-الإيرانية باعتبارها نقطة البداية للانحدار الاقتصادي والاجتماعي لبلدهم. إن ازدهار النفط في السبعينيات والنمو الاقتصادي الموازي انتهى فقط ليحل محله الانعزالية خلال عقد التسعينيات. بالنسبة للمواطنين العراقيين، فالكلمة الأولى التي تتبادر إلى ذهنهم عند وصف الحرب بين إيران والعراق هي "المطحنة". وقد أدت تداعياتها إلى غزو صدام للكويت في أغسطس/أب 1990، والذي أدى لاحقًا إلى فرض عقوبات متعددة الأطراف على العراق. ويمكن القول أن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 قد يكون من تداعياتها.

هل حققت الحرب العراقية-الإيرانية أهدافها؟ في الحقيقة، يعتمد الأمر على الجانب الذي تنظر للأمور منه. في حين أن الحرب التي دامت ثماني سنوات أعاقت النمو الاقتصادي في طهران وبغداد، إلا أنها رسخت ثقافة صفرية بين البلدين، وجعلت الشرق الأوسط أكثر هشاشة وأقل استقرار. إنه ليس حدثاً صغيراً ينُسى ولا يجب أن يعتبره المؤرخون حربًا حدودية تقليدية بين الجيران. ويمكن القول ان عواقبها غير مفهومة او مدركة تماماً حتى الآن، وعلى أقل تقدير، أدى ذلك إلى خلق جيل من العراقيين والإيرانيين الذين يتغلب استخدام العمليات العسكرية والسرية على الدبلوماسية والقوة الناعمة التي نراها اليوم.

في الوقت نفسه، أدت الحرب إلى استقطاب واضح في العالم العربي، حيث تم الإعلان عن مواقف واتخاذ الدولة العربية لاحد الجانبين. انحازت سوريا وليبيا إلى طهران، بينما وقفت مصر والأردن ومعظم دول مجلس التعاون الخليجي مع بغداد. وبحلول عام 1988، تم تشكيل خريطة جيوسياسية جديدة للتحالفات والأعداء في المنطقة.

تسببت الحرب العراقية-الإيرانية أيضاً في صعود الطائفية في الشرق الأوسط. وأصبحت أداة ومبررات للطائفية السياسية المتزايدة، التي كانت تستخدمها بغداد وطهران وداعميها الإقليميين. وباقتراب الحرب من نهايتها، أصبحت طبيعتها الطائفية والترويج لها في حد ذاته مؤشراً لموضوع متزايد في الشرق الأوسط.

قد تكون دول مجلس التعاون الخليجي قد تحدثت بعبارات "عربية" و "فارسية"، ولكن في الواقع، كانت تعني العداوات "السنية" و "الشيعية". المملكة العربية السعودية والدول العربية المجاورة الأخرى شعرت بالتهديد من الثورة الإسلامية عام 1979 بسبب انتمائها وهويتها الشيعية. ونتيجةً لذلك، كان يُتوقع من صدام حسين أن يكون بطلاً للمسلمين السنة في مواجهة الثورة الجديدة بقيادة آية الله الخميني. ثم أصبح الشيعة العراقيون أول ضحية لهذه الطائفية الجديدة، كما يتضح من نتيجة الانتفاضة العراقية عام 1991 في الجنوب.

بعد ثلاثين عاما، ورغم الصعوبات التي واجهتها حرب الخليج عام 1991، والعقوبات المتعددة الأطراف الشديدة، والاحتلال الأمريكي عام 2003 ، لم تتمكن أجيال من العراقيين بعد من إزالة ندوب الحرب العراقية-الإيرانية العقيمة، وما زال تأثيرها محسوساً في الشرق الأوسط لليوم..

لقمان الفيلي هو سفير العراق السابق لدى الولايات المتحدة خلال الأعوام 2013-2016. كما شغل منصب سفير العراق لدى اليابان خلال الأعوام 2010-2013. لديه أكثر من ثلاثة عقود من الخبرة في العمل الاجتماعي والنشاط السياسي داخل العراق وخارجه.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP