العقوبات الأميركية على ايران.. سلاح خارج الشرعية الدولية
لا تتوانى الإدارة الأميركية عن انتهاك الشرعية الدولية وضرب اتفاقات القانون الدولي عرض الحائط. تاريخ حافل بالإنتهاكات القانونية تتفرد به واشنطن أمام كل إستحقاق تريد من خلاله تحقيق مصالحها وتأكيد قوتها. وبلغة الاستعلاء والتعجرف تنسج الولايات المتحدة الأميركية علاقاتها الدولية، وبإطار التهديد بالقوة وإستخدامها تتعاطى في سياستها الخارجية، حتى أن واقعها الدبلوماسي لم يسجل الكثير من الانتصارات إلا من خلال هذه التهديدات، ويوماً بعد أخر تتكشف صورتها حتى أمام حلفائها.
تتعامل الإدارة الأميركية مع الأمم المتحدة وميثاقها وكأنها منظمة مجتمع مدني محلي، فلا تحترم نصوصها وقراراتها، ولا تعيرها أهمية في كل تحركاتها، لا بل إنها تستخدمها كمنصة في الهجوم على دول أخرى، فتتلطى خلفها للحصول على شرعية مفترضة. وهكذا فإن واشنطن تسير في علاقاتها مع دول العالم بسياسة القوة والتوحش، وفي كل مرة تريد أن تخضع دولة لها تستخدم ضدها القوة تارةً والعقوبات أخرى، عقوبات أصبحت أقرب ما يكون إلى قوة السلاح الذي لا يرتضيه نص قانوني ولا معاهدة أممية.
لا تستحي الولايات المتحدة الأميركية في تاريخها المليء بمخالفة القانون الدولي الذي تتشدق به عند كل منعطف يلبي طموحاتها. التاريخ القريب شاهد على هذه الانتهاكات، من دخول أفغانستان بقرار أحادي خارج الشرعية الدولية - إلى أن تم الضغط على الأمم المتحدة لاستصدار القرار 1373 - وصولاً الى غزو العراق عام 2003 من خارج الشرعية الدولية ودون الحصول على قرار أممي يشرع هذا الغزو. لم تقف واشنطن عند هذا الحد إنما تعدته إلى دعم العدوان الصهيوني على لبنان صراحة وكذلك على غزة، ومن ثم التورط في الدعم اللامتناهي للجماعات الإرهابية في سوريا بعد أن أصدر مجلس الأمن قرارات تحظر دعم هذه الجماعات لا سيما "جبهة النصرة" و"تنظيم داعش".
واليوم لا تتورع واشنطن عن إنتهاك القانون الدولي من خلال فرض عقوبات إقتصادية على إيران بدون قرار أممي يدعم هذه العقوبات، لتهدد أيضاً الدول التي تتعامل مع طهران بفرض عقوبات عليها، بشكل ينتهك قرار مجلس الأمن 2231 الذي كرس الاتفاق بين إيران والدول الست الكبرى حول الملف النووي، ورفع العقوبات الاقتصادية عن الجمهورية الإسلامية.
هذه العقوبات الأميركية التعسفية على ايران وفرض عقوبات على من يتعامل معها، رفضه المجتمع الدولي مجتمعاً، وقد عبرت برلين عن ذلك صراحةً، حيث وضعت الحكومة الألمانية، العقوبات على إيران في إطار انتهاك القانون الدولي، فيما أعلنت الأمم المتحدة النأي بنفسها عن قرار ترامب معاقبة الدول التي ستواصل التعامل التجاري مع إيران، فيما أكدت الصين وروسيا رفضها للعقوبات الأحادية الجانب.
ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة تستمر في سياسة العنجهية والاستعلاء في فرض تطلعاتها الدولية، وهي تخرق ما تنص عليه الفقرة السابعة من المادة الثانية في ميثاق الأمم المتحدة لجهة عدم التتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما. كما تحول عقوباتها إلى أداة لاستخدام القوة في علاقاتها الدولية، وهي أقرب بذلك إلى تحويل هذه العقوبات إلى بديل في بعض الأوقات عن استخدام القوة العسكرية في مفعول متوازن بالاضرار ببقية الدول بشكل يخالف ما ينص عليه الميثاق الأممي في الفقرة الرابعة من المادة الثانية لجهة الامتناع عن التهديد باستعمال القوة، وإن كان بشكل غير مباشر.
وهي كذلك تعقّد إمكانية الحلول الدبلوماسية التي نص عليها الفصل السادس من الميثاق خاصة في المادة 33 منه، وعلى ذلك يمكن أن تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر، وبالتالي لا بد أن يتحرك مجلس الأمن في هذا السياق لمنع تفاقم الأمور من جانب واشنطن، خاصةً أن ما تقوم به عمل أحادي الجانب يعارضه المجتمع الدولي. وفي حال عدم تحرك الأمم المتحدة ومجلس الأمن أمام هذه الأعمال لاتخاذ قرارات تمنع الولايات المتحدة من الاستمرار بهذه السياسة الاستعلائية على الساحة الدولية فإن ذلك سيكشف مدى ضعف هذه المنظمة الأممية وعدم تلبيتها لطموحات الشعوب وتحقيقها للأهداف التي تأسست لأجلها بل ستكون مجرد أداة في يد واشنطن، ومع أن رفضها العمل الأميركي الحالي يعتبر تطوراً نوعياً إلا أن ذلك لا يعني عدم العمل لإيقاف التحركات الأميركية.