قبل 6 سنە
عمرو جمال الدين
622 قراءة

لماذا سيخسر الاقتصاد العالمي الكثير في الأيام القادمة؟

في الاقتصاد يُعرف ما يطلَق عليه «الدورة الاقتصادية» بتحرك الاقتصاد بين حالات الانتعاش ثم الرواج، تعقبها حالات التباطؤ والانكماش، ثم الكساد والركود.

وقد تحدَّث الاقتصادي النمساوي الشهير شومبيتر عن دور الاختراعات والابتكارات في قيادة الرواج الاقتصادي، وكيف أنَّ تراجعها أو انخفاضها يؤدي إلى الانكماش الذي يعقبه الكساد والركود.

وحالياً يتجه الاقتصاد العالمي إلى مرحلة التباطؤ بعد الرواج الذي شهده فترة طويلة، هذا الرواج الذي ارتكز لسنوات على نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، الرواج الذي قادته عملية إعادة إعمار الدول التي دمرتها الحرب العالمية الثانية، فوجد الرواج أساسه في زيادة التبادل الدولي، والتوسع العقاري، وإعادة الإعمار، وقام نظام «بريتون وودز»، الذي أُسس بعد الحرب العالمية الثانية، على دعائم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وعلى نظام نقدي مقوَّم بالذهب، حينها يعتمد الدولار كعملة احتياط دولية.

واستمر التوسع الاقتصادي والرواج العالمي فترة الخمسينيات وفي فترة الستينيات من القرن الـ20، حيث قادت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي عمليةَ الرواج والتوجه نحو الابتكار والمنافسة، حيث قادت عملية التسابق في التسلح والتصنيع النمو الاقتصادي العالمي.

وفي السبعينيات من القرن الـ20، قاد ارتفاع أسعار البترول الاقتصاد العالمي إلى طفرة جديدة في صناعات البتروكيماويات والبحث والتنقيب عن البترول وتطوير المحركات الموفرة لاستهلاك الوقود، والبحث عن بديل أرخص لمصادر الطاقة، حتى قادت هذه الابتكارات فترة السبعينيات والثمانينيات؛ ليستمر الرواج الاقتصادي العالمي.

وفي الثمانينيات والتسعينيات قادت ثورة الإلكترونيات الاقتصاد العالمي نحو الرواج، بدءاً من اختراع الترانزستور حتى الأجهزة المنزلية الحديثة والكمبيوتر. ومع بداية عام 2000، قادت الثورة الكبرى في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وانتشار الإنترنت والهاتف المحمول، قادت هذه الثورة الاقتصاد العالمي في رواج وازدهار استمر حتى أخذت الابتكارات في مجال الاتصالات تتباطأ، معلنةً معها أفول هذه الموجة من الابتكارات التي قادت الاقتصاد العالمي.

الملاحَظ في مجال الاتصالات أن الابتكارات، وإن كانت مستمرة فإنها لم تعد على وتيرتها السابقة في أجهزة المحمول واللابتوب وغيرها، وإن ظلت مستمرة في التحسين والجودة، إلا أنها لم تعد قائدة للرواج الاقتصادي كما كانت، وتباطأ منحنى الابتكار والتطور فيها إلى مستوى التطور والتقدم الطبيعي الذي يسير في أي مجال صناعي.

ما سبق يعني أن الاقتصاد العالمي يحتاج إلى ثورة جديدة من الابتكارات تقود الاقتصاد العالمي وتعطيه الدفعة ليقود باقي القطاعات الاقتصادية. إلا أنه حتى الآن لم تتضح معالم الثورة التي من الممكن أن تدفع الاقتصاد العالمي لمنطقة رواج جديدة، وبالعكس فقد ظهرت بوادر التراجع والتباطؤ بشدة على الاقتصاد العالمي. إن المراقب للنظام الاقتصادي العالمي اليوم يلاحظ أن النظام الاقتصادي العالمي الذي نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية يتجه إلى التباطؤ في النمو.

فالنظام الاقتصادي العالمي الذي كان يحقق نمواً بلغ في المتوسط بالخمسينيات 7%، ثم في الستينيات 5.5% نمواً سنوياً في المتوسط، أصبح يسجل في السنوات الأخيرة متوسط نمو بلغ 3%، بعدما شهد أكبر هبوط وتراجع في قيمة الناتج عام 2009، حيث سجَّل نمواً بالسالب بلغ 1.7% على أثر أعنف أزمة اقتصادية شهدها العالم عام 2008 منذ الحرب العالمية الثانية.

هذا التباطؤ في النمو يشير إلى حالة ما يمكن أن نطلق عليها شيخوخة النظام الاقتصادي العالمي الحالي، الذي أصيب بتراجع في قدرته على تنمية موارد الثروة العالمية.

فالولايات المتحدة اتجهت إلى وضع حواجز جمركية على التجارة الدولية، معلنة بذلك انتهاء عصر حرية التجارة العالمية التي قادتها المدرسة الرأسمالية الليبرالية الحديثة، مدرسة «النقديين»، ضاربةً بعرض الحائط اتفاقيات التجارة الدولية مع شركائها الاقتصاديين، والأكثر من ذلك هو وضع عقبات أمام حرية انتقال الاستثمارات من الولايات المتحدة إلى الخارج، هذا الذي سيؤثر على حرية المنافسة والتطوير، التي هي أساس التنافس الصناعي والابتكار الذي يقود الاقتصاد.

كذلك، الصين ستشهد تباطؤاً في صادراتها بسبب الحرب التجارية القائمة بينها وبين الولايات المتحدة، سيؤدي إلى تراجع الناتج الإجمالي والتجارة الخارجية لها، مما سيؤثر على نمو الناتج العالمي والتجارة الدولية.

ثم في منطقة الخليج العربي، بدا التراجع واضحاً على اقتصاديات الدول الخليجية مع انخفاض أسعار البترول، واتجهت بعض هذه الدول للاقتراض الخارجي.

وكذلك، تتفاقم مشكلة أزمة المديونيات الخارجية للدول النامية، التي يتفاقم لديها العجز، والتي قد تعجز عن سداد مديونياتها الأعوام القادمة، مما يسهم أيضاً في تباطؤ حركة التجارة الدولية؛ لاتجاه هذه الدول، مضطرةً، إلى ميزانيات تقشف تسهم في تقليل حجم تجارتها الدولية، الذي سينعكس في مجموع هذه الدول النامية بتأثيرها مجتمعةً على حجم التجارة العالمية أيضاً.

وأيضاً بدأت تظهر محاولات شق النظام الاقتصادي العالمي الذي أُسس بعد الحرب العالمية الثانية، قادت هذه المحاولات روسيا والصين، وتمثلت في تكوين تحالف البريكس والبنك الآسيوي للتنمية، ومحاولات بعض الدول اعتماد عملات أخرى للتعامل الدولي بديلاً عن الدولار، الذي سيشهد لذلك تراجعاً على الساحة العالمية لا تقارَن بفترات الهيمنة السابقة التي كانت للدولار على الاقتصاد العالمي، ولكن هذا الانحسار قد يأخذ فترة السنوات الـ10 القادمة، ليبدو واضحاً إذا نجحت محاولات بعض الدول لكسر الهيمنة الأميركية على العالم والاقتصاد العالمي، في ظل المشكلات التي ستواجهها الولايات المتحدة مستقبلاً، بسبب تضخم الدَّين الأميركي، الذي وصل إلى 21 تريليون دولار، متفوقاً على الناتج الإجمالي الأميركي المقدَّر بـ20 تريليون دولار.

إنَّ تراجع الابتكارات على المستوى العالمي واتجاه الولايات المتحدة إلى وضع الحواجز الجمركية، بما يعني العودة إلى فكر مدرسة التجاريين- سيقود النظام العالمي إلى تباطؤ يعقبه انكماش وكساد سيقود النمو الهش غير الواقعي في البورصات العالمية إلى انهيارات حادة.

ولن يخرج الاقتصاد العالمي من هذه المرحلة من الكساد والركود إلا بسلسلة جديدة من الابتكارات تقود الاقتصاد إلى مرحلة توسُّع ورواج جديدة، أو قد تندلع حرب كبرى تعيد تشغيل الصناعات بطاقتها القصوى، تعقبها عمليات إعمار وبناء تعطي دفعة جديدة للاقتصاد العالمي.

فهل سيأتي جيل جديد من الابتكارات العالمية يقود الاقتصاد العالمي لمرحلة رواج جديدة؟ أم ستزداد محاولات شق صف الاقتصاد العالمي وزيادة الحواجز الجمركية وتباطؤ التجارة العالمية والتي قد تقود إلى ركود وكساد اقتصادي عالمي قد يؤدي إلى اندلاع حرب جديدة، تعقبها ولادة نظام اقتصادي عالمي جديد؟

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP