لا تتقاعد أبدا ما دمت قادرا على العمل
"لا يوجد في لغة الناس في جزيرة أكينا اليابانية كلمة تقاعد". هم يعملون ما داموا أحياء؛ أي لا يتوقفون عن العمل لأن العمل يوفر لهم الهدف والاتجاه والانتماء، ولكن التقاعد (أو البطالة)، كما يقول نيل باسريشا، يجعل نزع العامل من العمل أشبه بنزع السلك من إبريز الكهرباء، ويحوله إلى حطام، فأنت بمجرد أن تُقاعد أو تتقاعد من دون عمل جديد تضيع لأنه لا يوجد شيء تعمله، أو مكان تذهب إليه، فلا يكون التقاعد جيدا أو حكيما.
لا يريد المرء أن ينتهي بألا يعمل شيئا، إنه يريد أن يعمل. إنه بحاجة إلى تحديات (ومشكلات) تجعله يحس بالمشاركة في العطاء، والتعلم، وتحسين الذات وحتى العالم، فالمرء يشعر بالحياة لأنه يمارس الحياة، ويمارس الحياة لأنه يعمل. أما التقاعد فيخرجه منها. انسَ موضوع الفلوس، لأن العمل يجعلك تشعر أنك جزء من شيء أكبر، والتقاعد يجعلك تخسر العامل الاجتماعي، وبيئة العمل، والإثارة، والقصة، والرواية.
اخترع الألمان التقاعد سنة 1889 وكان هدف بسمارك منه إيجاد فرص عمل للشباب بتقاعد العاملين، وقد بلغوا سن التقاعد وهو الخامسة والستون. وكان معدل العمر آنذاك سبعة وستين، وفترة التقاعد بينهما قصيرة.
"اقتدى العالم فيما بعد بألمانيا في موضوع التقاعد، وإن صار الإنسان بعد التقاعد اليوم يعيش طويلا بتطور الطب، ويتمتع بصحة أفضل من زميل الأمس، مما أوجد فراغا طويلا عنده بين سن تقاعده وموته، وجعل رواد الترويح والتسلية يظهرون لاستغلاله وملئه".
وكما يلاحظ القارئ، فإن التقاعد مفهوم غربي حديث، "ولكنه غير سليم لأنه بني على ثلاث فرضيات غير صحيحة: أن الإنسان يمكن أن يستمتع بعمل لا شيء بدلا من أن يكون منتجا، وأنه يمكن أن يعيش جيدا دون كسب لعقود، وأن الدولة تستطيع أن توفر الرعاية الشاملة والمستحقات المالية للمتقاعدين لعقود وهو غير مضمون".
يدعو جيمس واطسون حامل جائزة نوبل إلى عدم التقاعد، ويقول: "لا تتقاعد أبدا، لأن عقلك بحاجة إلى تمرين دائم، وإلا تعرض للزوال أو الخلل، فجرب شيئا جيدا ما، أو اخترع عملا ما لك بعد التقاعد؛ أي واصل العمل ما دمت حيا".
"واعلم أن عمرا جسديا أطول لا يرافقه عمر عقلي بمقداره قد يعني فقدان الذاكرة (الزهايمر). العمل يمنحنا الكثير من الهدايا البسيطة في كل يوم نعمل فيه. والفراغ ندبة في الحرية التي نحصل عليها بالتقاعد من وظيفة كنا راضين عنها".
"واعلم أن العامل الأول في الأهمية في العمل اجتماعي لا اقتصادي أو مالي فقط، لأن العامل الاجتماعي يضفي المعنى على العمل، وهو ما يخسره المرء بالتقاعد ويجعله ضائعا".
"بالتقاعد في هذا العصر، ينشأ وقت طويل للمتقاعد يجب أن يملأه وإلا كان عبئا ثقيلا عليه وعلى من حوله، فالأسبوع يتكون من 168 ساعة يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام بمقدار 56 ساعة لكل منها: ست وخمسون ساعة للعمل. ست وخمسون ساعة للنوم. وست وخمسون ساعة حرّة أو فراغ، قد تزيد أو تنقص إذا نمت أو عملت أقل، فكيف تتصرف فيها؟".
والتقاعد نوعان: تقاعد بعامل السن المقرر في القانون، وتقاعد إجباري أو مبكر، وهو أسوأ اختراع وظيفي ابتدعته الإدارة الانتهازية، ويعني إحالة الموظف/ العامل مبكرا على التقاعد قبل بلوغه سن التقاعد، لإحلال موظف/عامل أقل كلفة منه أو أجرا وعائدا. إنه بمنزلة جريمة قتل بطيء للمتقاعد الشاب، فالتقاعد هذا ليس حلما مطلوبا، ولا أحد يرغب في ألا يعمل شيئا. إنه يقضي على إحساس المُتقاعد بالعطاء، والتعلم، والنمو، والارتقاء، والقصة والرواية اليومية. يستمر المرء بالحياة بممارسة الحياة فعلا، وبإجباره على التقاعد المبكر يشعر وكأن الحياة سحبت منه.
"إن أخطر سنتين في حياة الإنسان هما: سنة ولادته، وسنة تقاعده، فلا تتقاعد أبدا إن استطعت، فأفضل جائزة منحتها الحياة لنا هي العمل"، كما يقول روزفلت الرئيس الأسبق لأمريكا.