قبل 6 سنە
رضوان مجادي
482 قراءة

ميزان الديمقراطية التشاركية في بيئات مستحدثة

كثيرًا ما يروج لفكرة الديمقراطية التشاركية على أنها الحل الأمثل والرشيد على مدار التنمية الشاملة، لكن غالبًا ما يموج البعض في أنها ناجحة تمامًا في الدول المتقدمة، بل ينصاع بقابلية وتبعية خارقة للمد الغربي، لاسيما البحث في أساليب التشغيل والتطبيق لها في محور يعرف الاضطرابات، ولا ثبات في رأس المال الاجتماعي social capital.

من خلال المرفقات الفكرية أدناه، يتبين جليًّا أن الأثر الديمقراطي في بناء وتأسيس آليات تشاركية ليس بالعملية السهلة، بقدر ما هي خطوات تراكمية ومستمرة؛ متشابكة ومترابطة. إلا أنه وبالرغم من ديناميكية المفهوم، يوجد من المحددات المتحكمة أساسًا في مدى نجاح المقاربة وجدواها، نوجزها في ما يلي:

1- التشاركية في بيئة الشمول
تمتلك أي بيئة سياسية رأس مال اجتماعيًّا ضخمًا وواسع الانتشار، وبالرغم من كثرة الأفراد وتوزيعهم على طبقات متفاوتة، من حيث معيار التوزيع الاقتصادي، والمعيار الديمغرافي، إلا أن الإشكال يبقى مطروحًا في من يشارك في العملية الديمقراطية والتنموية، بل إن تحقيق التشاركية في هذا المقام قد يستحيل نسبيًّا إذا ما بحثنا عن مؤشر التمكين السياسي، ومعيار المساواة الاجتماعية، حتى وإن حددنا الفئات المشاركة، فإننا سنصطدم بتحد آخر، يمكن ذكره كما يلي.

2- مشكلة الحجم وفضاء التشاركية
التساؤل في هذا المقام يطرح نفسه؛ أي مناهج وأساليب وأدوات نقصد ونحتاج؟ وما الآليات المناسبة لنوع فئات التشاركية من جهة، وحجم الجماعات المعنية بالمشاركة، بل يكثر الحديث عن مستوى تطبيقها المحلي والقاعدي، انتقالًا إلى المركز ومستوى الشمول، أم أن العملية عكسية تحتاج إلى احتضان القيادة المركزية، وهو ما تناوله الباحث S. Ulas BAYRAKTAR في دراسته هذه -Local Participatory Democracy: The Local Agenda 21 Project in Turkish Cities، منطلقًا من ثلاث فرضيات أساسية، إحداها ما ذكرناها سلفًا، والمتعلقة بمجال تشغيل الآليات التشاركية.

3- التشاركية ومشكل التطبيق والتفعيل
كثيرًا ما يقع الباحثون في حيرة علمية، أو مشكلة بحثية ذات التعلق بإجراءات فنية وتحليلية، إذ تحتاج المقاربة التشاركية هنا إلى أنجع القنوات والسبل الجديرة بإنجاح تطبيقها على أحسن وجه واكتمال، وقد لا يركز البحث هنا عن إشكالية الحجم والشمول في بيئة الديمقراطية التشاركية، بيد أن العويص يكمن في أن الجميع يتشارك ويساهم في التنمية، لكن كيف؟

أولى التخمينات تنطوي على جاهزية المواطن وقدرته النفسية والاجتماعية والسياسية enable of citizens، والمغزى من الديمقراطية التشاركية ينصب على فاعلية النقاش العمومي البناء للحضارة والنمو الاقتصادي، بما يولد حالات من التكامل الاجتماعي والتوافق السياسي، وخلق ما يعرف بالاقتصاد التشاركي «دراسة مستقلة في مجال محدد يسعى الباحث إلى التوسع فيه بمعطيات معينة وحديثة».

4- تأثير تشاركية المواطن في القرار التنموي
مما سبق، تقدم المقاربة التشاركية نموذجًا تنمويًّا جديدًا، يجد له القبول في الفكر السياسي والتطبيق العملي، إلا أن ما يثير الاهتمام هو أنه ليس مهمًّا في حجم الجماعات والفئات المجتمعية والاقتصادية المساهمة في الفعل الديمقراطي؛ لأنه بمنظور التمكين نجد تفسيرين متباعدين: الأول يرتبط بقوة القانون والتشريع وتقنين تشاركية المواطنين بوصفه قاعدة ديمقراطية وحقًّا سياسيًّا واجتماعيًّا مكفولًا دستورًا وقانونًا وتنظيمًا، أما التفسير المغاير فإنه يدلي بما بعد التمكين؛ أو بالأحرى هل يرتهن نجاح التشاركية والتنمية ببند دستوري أو قانوني، أم أن الفاعلية تكمن في دراسة السلوك الإنساني والقابلية للفعل التنموي الإيجابي، وهل للمواطن القوة الكاملة للتأثير على بلورة مشروع تنموي، وصياغة سياسات عامة ناجعة؟

استقراء من سياق الإشكال الفارط، يتبين لنا أن من بين شروط التنمية «كما سماها المفكر مالك بن نبي -رحمه الله- بشروط النهضة» هو الإنسان، وبقدر النضج الفكري واكتمال وعيه وإدراكه معنى وجوده في الحياة، والإحساس بمسؤوليته في المجتمع، فإنه لا مناص من الحديث عن جدوى المشاريع التنموية إذا ما ارتقى فعله الديمقراطي وممارسته السياسية، والديمقراطية التشاركية ليست بفكرة ساذجة ارتبط ظهورها بتنظير روادها ومؤسسيها، لاسيما هي إجراء عملي وفني يبحث من خلاله عن مَواطن التغلغل في القاعدة الشعبية، ويتقمش في السلوك السياسي لدى المواطنين، والارتقاء به إلى درجة أكثر انفتاحًا وتشابكًا مع مكونات وعناصر التنمية.

خلاصة القول، الهدف من هذا الطرح المتواضع يكمن في محاولة إيحائية لمدلول الديمقراطية التشاركية في بيئات متنوعة ومختلفة من حيث التركيبة الاجتماعية، والمحددات الأيديولوجية والسياسية، إذ يبقى عامل الفرد المواطن الحلقة الدراسية المفقودة في مجتمعاتنا، كما لم تصل الدراسات إلى تشخيص ذاك السلوك الإيجابي من السلوك السلبي في عملية التنمية.

تستدعي الضرورة العلمية في العقود الحالية إيجاد مؤشرات الوصف والتحليل البحثي الجديدة والمناسبة لمقتضيات التنمية، وخلفيات الذهنيات البشرية، أي إن البحث العلمي ما زال يعيش حالة ركود وجمود، وشتان بين تنظير مستحدث قادم من بيئة مغايرة ومعاكسة لخصوصيات وسط مجتمعي، ونمط سياسي ونسق اقتصادي بميزات التذبذب الفكري والثقافي والوعي الإنساني.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP