صفعة القرن
بات واضحا الان ان الولايات المتحدة والكيان الصهيوني يتأهبان لتوجيه صفعة القرن للعرب ، وهذا ليس بالعجيب او المستغرب ، لكن الامر المؤلم والذي يحز في النفس ان القادة العرب اما يلتزموا الصمت او يُبدونَ استعدادا كبيرا لقبول ذلك ، لا بل انهم يتهيأون لإعطاء أميركا والاحتلال الخد الاخر. ثم ان تكون هذه الصفقة بمثابة صفعة لا مثيل لها هو امر غير مستغرب، خاصة وانها تأتي من الولايات المتحدة التي أعلنت وطبقت انحيازها الكامل للصهاينة منذ ان أُعلِنَ عن قيام دولتهم المزعومة على الاراضي الفلسطينية المغتصبة ، ولا مستغرب ان يُظهِر قادة هذا الكيان الغاصب فرحا كبيرا بها، ولكن المستغرب ان تعلن إدارة الرئيس ترامب انها حصلت على موافقة قيادات عربية عليها، وان الرئيس عباس قد أُبلِغَ بها ولم يعلن رفضه القاطع لها. و تُزيد القيادات الصهيونية على ذلك بالقول ان العلاقات مع دول وقيادات عربية كثيرة وصلت الى مرحلة من التطور والايجابية لم يسبق ان وصلتها منذ قيام الكيان الصهيوني ولحد هذا اليوم. والامر الموسف الأكبر ان يصل الامر، او النجاحات الصهيونية المفترضة ، الى الحد الذي بدأت فيه قنوات فضائية عربية تجاهر بحقوق إسرائيلية – صهيونية في ارض فلسطين. او من يَدَّعونَ بأنهم مسؤولين كبار من يتبجح بعلاقته بالكيان الغاصب وبزياراته المتكررة للأرض المحتلة او بلقاءاته بمسؤولين صهاينة ، في الوقت الذي كانت مثل هذه الأمور تتم بسرية كبيرة في السابق خشية الغضب الشعبي.
لقد راهن الكيان الصهيوني منذ قيامه على عدة أمور، نجح في بعضها مثل تركيع بعض الأنظمة العربية ، وفِي بعض المعارك آلتي اوحى للعرب من خلالها انه قوة لا تقهر، ولكنه فشل في المحصلة النهائية في ان يجعل القضية الفلسطينية قضية منسية. وكذلك الامر مع مراهنته المبنية على فكرة ان الجيل الاول من الفلسطينيين الذين عاشوا نكبة ١٩٤٨ سيذهب، وان الأجيال التي ستأتي بعده، سواء تلك التي عاشت في الشتات او في الاراضي المحتلة ستنسى قضيتها وتوطن نفسها على الرضا بالأمر الواقع، وتقبل بحقيقة وجود الاحتلال وديمومته. ولكن الذي حصل ان كل الأجيال الفلسطينية ظلت متمسكة بحقها وعلى ارضها. كما راهنت العصابات الصهيونية على بناء قوة عسكرية تستطيع من خلالها كسر المقاومة بغطرستها واحتلالها، ولكن المقاومة اثبتت انها قادرة على التحدي، بل وهزمت القوة العسكرية الصهيونية واجبرت قادتها على الاعتراف بالعجز على إنهاء المقاومة، شعبية كانت ام عسكرية، وانقلبت موازين القوة وأصبحت متعادلة. وهذا الامر مستمر على أيدي اجيال جديدة في غالبيتها لم تشهد نكبة ١٩٤٨ او ١٩٦٧
كثيرة هي المباديء العليا التي تربينا عليها منذ الصغر والتي جعلتنا نرددها ونفتخر بمن التزم بها لحد هذا اليوم. مباديء عربية إسلامية مؤثرة كمبدأ الثبات على الموقف حتى وان ساق هذا الموقف صاحبه الى حتفه. وكثيرة هي الأمثال على الرجال، وحتى النساء الذين صعدوا المشانق او ماتوا تحت التعذيب من اجل إيمانهم بمبادئهم، في الوقت الذي كان يمكن للكثير من هؤلاء الذين ضحوا بحياتهم ان يتجنبوا هذا المصير بتنازلات ربما كانت بسيطة. والقيادات العربية، وخاصة الفلسطينية ، مطالبة اليوم وأكثر من اي وقت مضى، بموقف رجولي مبدئي عربي واسلامي، اكراما لتاريخ الأمة قبل تاريخهم وما سيكتبه التاريخ عنهم. وكل ما مطلوب اليوم هو رفض هذه الصفقة، وخاصة من القيادات الفلسطينية، و بالذات من قبل الرئيس محمود عباس، الذي ليس لديه ما يخسره وهو في سن متقدمة ويعاني من مرض مميت كما ينشر
ان تنجح الولايات المتحدة ومن خلفها الكيان المحتل في اعلان الصفقة الجديدة فهذا امر ممكن، ولكن الممكن ايضاً ان ترفضها القيادات الفلسطينية كي لا تتحول الى صفعة مهينة تمس كرامة الشعب الفلسطيني. لقد اثبت التاريخ القريب ان الولايات المتحدة لا تحمي احدا غير الصهاينة ولا تدافع عن احد غير كيان الاحتلال ولا تراعي مصلحة احد غير مصلحة المسخ المسمى اسرائيل . وان هذه الصفقة المخزية، شانها شأن الصفقة التي عقدت في عامي ١٩٤٧-١٩٤٨ لن تمر بسهولة وسلام . وان الرفض والغضب الشعبي سيكون ردا أكيدا عليها وبالتالي فان رفضها ورفض القبول بها هو امر جوهري و مطلوب، وليُترَك الامر الى من اصدرها ليُرينا كيف سيطبقها، و ليتحمل وحده نتيجة فرضها وردة فعل المقاومة والشعب الفلسطيني على إعلانها. ولتتذكر القيادة الفلسطينية اتفاقيات كامب ديفيد واسلو ومدريد وماذا جنى الشعب الفلسطيني منها. ان تعلن أمريكا ان القدس عاصمة للكيان الصهيوني لا يغير من حقيقة ان هذه المدينة المقدسة كانت وستبقى العاصمة الابدية لفلسطين والمسجد الأقصى فيها ثالث الحرمين ومسرى الرسول الكريم ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، وان حق تقرير المصير وحق العودة هما حقان كفلتهما الشرائع الدولية و منظمة الامم المتحدة، وهي تتعلق بحق شعب ولا يملك اي حاكم الحق في ان يتنازل عنهما، ولا توجد قوة يمكن ان تجبر اي حاكم على القبول بذلك الا اذا قاده تخاذله وضعفه للإذعان. لقد عُرِضت عبر التاريخ (صفقات) كثيرة مماثلة وعلى امّم عديدة، جزائر الثورة وفيتنام وموخرا كوريا الشمالية وغيرهم كثير، وجاء الانتصار بعد رفض الصفقات المذلة. في حين ان الانحدار والتدهور بدأ مع القبول بالصفقات المهينة
سعد ناجي جواد