العيد في مخيم اليرموك
مرت من العمر الحرب السورية لم أزر فيها مخيمنا اليرموك عاصمة الشتات، كنت معتاد قبل تلك الحرب اللعينة على القدوم الى سوريا في هذا اليوم مهما كانت المشاغل أو المسافة أو البلاد التي اقيم فيها، وذلك لزيارة قائمة طويلة من العائلة رقدوا تحت الشواهد، وكان طقس الاحتفال السنوي الذي يقيمه أهل المخيم للشهداء مهيبا يليق بهؤلاء الرجال الذي قضوا في معارك على الدرب الطويل من عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة، سبع سنوات ما زار المقبرة إلا حفنة غربان ارادوا إقامة خلافتهم المزعومة على أرض اللاجئين الفلسطينيين بل على أرض سوريا بالكامل، وعاثوا بالمقبرة تخريبا وحفروا قبور شهدائنا بحثا عن جثث ثلاثة جنود صهاينة اسروا في معركة السلطان يعقوب عام 82 ، كما نشرنا سابقا يوم تحرير المخيم نقلا عن قادة الفصائل الفلسطينية.
اليوم وبعد كل هذه السنوات، أعود للفجر الذي أستيقظ به على أصوات تكبيرات مساجد دمشق احتفالا بالعيد ، لاستعد للعودة إلى تقليد زيارة الاهل القابعين تحت تراب المخيم المحرر، لست الوحيد في ذلك فكل سكان العاصمة عادوا إلى عادتهم خاصة في رمضان والعيد بعد ان تخلوا عنها بسبب الحرب والوضع الأمني الصعب.
تحرر مخيم اليرموك قبل شهر تقريبا، وكان آخر بقعة جغرافية تحصن بها عناصر تنظيم داعش الارهابي حول العاصمة، لكن لم يعود أيا من سكان المخيم إليه حتى الآن .
قبل أن تصل إلى المخيم بأمتار قليلة ثمة أحياء تعيش حالة طبيعية وما أن تصل إلى بوابة المخيم فإن الأمر يختلف، تدرك تماما أن هناك معارك طاحنة جرت في هذا المكان .
حجم الدمار كبير جدا، ومن المدرك من خلال هذا المشهد أن عودة الفلسطينين والسوريين من سكانه لن تكون قريبة.
يعول الاجئون كثيرا على تحركات منظمة الأونروا وما ينقل عنها بأنها تسعى لعقد اجتماع لمناحين دوليين يساهمون باعادة تأهيل المخيم ، لكن هذا الأمر تحيط به الشكوك ، خاصة مع تأكيد جهات فلسطينية رسمية أن ما حصل للمخيم كان في إطار مشروع دولي لتهجير الفلسطينين ودفعهم إلى طلب اللجوء في الدول الأوربية التي بدورها تقدم لهم تسهيلات الحصول على الإقامة والجنسية.
ومع تخييم شبح صفقة القرن، مشروع الإدارة الأمريكية بالتعاون مع بعض الدول العربية الخليجية ، فإن تسهيل عودة المخيم من قبل جهات دولية يظل أمرا محل شك، يبقى التعويل على الحكومة السورية وهذه الأخيرة تسعى لجعل كارثة المخيم في سلم أولوياتها، خاصة أنها تلحظ وتتابع الهجمة المنظمة التي تشن عليها وتتهمها بتدمير المخيم.
مع بداية نهار العيد وعلى بوابة المخيم، كانت عائلات تدخل راجلة متجهة إلى مقبرة الشهداء وكان على يمين الطريق مواكب لقادة الفصائل الفلسطينية تدخل معها سيارات محملة بالمقاتلين الفلسطينيين، معظم هؤلاء شاركوا في معارك تحرير المخيم، كان المارون يقطعون مسافة لآخر المخيم بين الركام. اخترت أن ألتحق بمواكب الفصائل وكانت وجهتم إلى مقر الجبهة الشعبية لتحرير الفلسطينين” القيادة العامة” في شارع ثلاثين، في عام 2012 قبل سقوط المخيم بأيدي الجماعات المسلحة تحاصرت قيادة الجبهة ومعهم الامين العام احمد جبريل داخل هذا المقر ونجوا من الحصار باعجوبة، طالب المسلحون يومها برأس أحمد جبريل، قال لي جبربل بعد خروجه من المحنة أن هوية من حاصر مقره لم تكن فلسطينية، وأن ما جرى مدبر من جهات مرتبطة باسرائيل وهذه الأخيرة سعت لتصفية حساب التاريخ الطويل من الصراع معه.
وقف أحمد جبريل في معقله وحوله قادة الفصائل وكودرها بعد كل هذه السنوات، وألقى بهم خطاب دعا في إلى مراجعة كل ماجرى، ونبذ العمل الفصائلي والتكاتف لإعادة المخيم إلى سابق عهده . انتقادات كثيرة لحقت بالفصائل الفلسطينية لعجزها عن حماية المخيم، وكيف يمكن الوثوق بهذه الفصائل التي ترفع شعار تحرير فلسطين وهي لم تستطع حماية مخيم أو تحريره لاحقا وكانت مشاركتها في التحرير الأخير ثانوية، بينما كان الدور الأساس لروسيا التي لا يعنيها في شيء رمزية المخيم.
خرجت قبل أن ينتهي اللقاء الفصائلي وتوجهت إلى مقبرة الشهداء، كان هناك أناس يبحثون عن قبور احبتهم بين الركام ، المقبرة مسحت عن وجه الأرض، ولا شواهد أو أسماء تدل عمن داخل التراب، أحدهم كتب ورقة على أحد القبور مكتوب عليها ضريح الشهيد خليل الوزير أبوجهاد- فتح، وورقة أخرى مكتوب عليها قبر الشهيد سعد صايل – فتح، بحثت معهم عن قبور أحبة لي كنت أزورهم كل عام ولم أجدها، ولكني سأظل اتي كل عام في فجر العيد لازورهم، وكل عام وانتم بخير.