مَن المُستفيد من المؤامرات الإرهابية المُنظَّمة الموجهة صَوبَ كُلٍّ من مصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن؟
ألم يسأل أي سائل لبيب ذاته وهو يراقب عن قُربٍ مأساة الأمة العربية التي اندلعت في مطلع عام 2011م، عام ما سُمي بالربيع العربي الذي حل وبالاً على الأمة العربية من المحيط إلى الخليج ، السؤال غير البريء لماذا حدث كل ذلك في أقطار عربية بعينها ؟
ولماذا تعرضت هذه الأقطار العربية الخمسة تحديداً إلى موجة صاعقة من الأعمال الإرهابية ولو بشكل متفاوت؟
فالمشهد الْيَوْمَ لا يزال كما هو سوى من بعض الاختلافات في تقديم هذا الفصل من المشهد الكلي أو تأخيره، لكن لا تزال فصول المأساة ومشهد لون الدم الأحمر القاني يخضب مدن وقرى وصحاري تلك الأقطار حتى لحظة كتابة هذه السطور. ترى من هو المسؤول عن كل ما جرى ويجري؟ وهل هي الصدفة العابرة أم الضرورة الموضوعية؟ في إراقة وإهدار كل ذلك الدم العربي المسفوح على مذبح العبث الخليجي المسكون بمركب النقص المزمن! كل هذه المأساة لم يستفد منها سوى أعداء الأمة، وستروي ذات يوم كتب التاريخ في المستقبل بأحرف من الْخِزْي والعار بأن هذا الدم المُراق لم يذهب قط ضد أعداء الأمة، ولا من أجل تحرير الأراضي العربية المُحتلة في كلٍ من فلسطين، ولا في الإسكندرونة، ولا في سبته ومليلة. لا، لا.. فإن هذه الدماء العربية الزكية والأرواح الطاهرة أُزهقت عبثاً وربما تنفيذاً لأجندات مشاريع استعمارية غربيةً وبسُحنة صهيونية فاقعة اللون.
هل يتذكر القارئ في ما سيأتي، بالذات الجيل الحالي الشاب، بأن جميع هذه الأقطار العربية كانت سياستها الخارجية والداخلية مُعادية للغرب الاستعماري الاحتكاري ووقفت بصلابة ضد استزراع الكيان الإسرائيلي اليهودي في الأراضي الفلسطينية؟ وهي كذلك تتصف بالآتي:
أولاً: جميع هذه الأقطار العربية لها مواقف معادية لقيام واستمرار دويلة إسرائيل، وشكلت حلفاً عروبياً قومياً مقاوماً ضد هذه الدويلة الصهيونية٠
ثانياً: لعبت هذه الدول وبالذات الجمهورية العربية المتحدة (الجمهورية المصرية والجمهورية السورية) دوراً محورياً في معاداة الاستعمار العالمي، وعلينا تذكر حرب العدوان الثلاثي البريطاني والفرنسي والإسرائيلي على شعب مصر في 29 أكتوبر– 7 نوفمبر 1956م، وتذكر نكسة 5 حزيران 1967م التي دفع فيها الشعب المصري آلاف الشهداء دفاعاً عن الأمة العربية. علينا أن نتذكر دعم مصر لكل جبهات التحرر من الاستعمار الأوروبي في أفريقيا وبقية بلدان العالم بالعتاد والمال وحتى الإنسان المقاتل وكذلك الدعم لحركات التحرر شمل الموقف السياسي في المحافل الدولية وبالذات في منظمة دول عدم الانحياز والحياد الإيجابي، واستمر دورها في قيادة هذه الجبهة إلى حرب أكتوبر 1973م حينما حطم الجيش المصري العظيم أسطورة خط بارليف وجيش العدو الإسرائيلي. ومع إبرام الرئيس المصري أنور السادات اتفاقية (السلام) مع العدو الإسرائيلي دخلت مصر مرحلة (السلام)، لكن لأنها مصر بشعبها العروبي الكبير لم تنسَ لها الدول الغربية الاستعمارية ما قامت به من دعم وإسناد لجميع حركات التحرر في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، فصنعوا لها ما سُمي بالربيع العربي في العام 2011م
ثالثاً: كانت هذه الدول تسلح وتجهز قواتها المسلحة والأمن بأسلحة من المنظومة الاشتراكية وبالذات من جمهوريات الاتحاد السوفيتي.
رابعاً: أقدمت هذه الدول على إجراءات داخلية اقتصادية واجتماعية إصلاحية، وقامت بتأميم المرتفعات الاقتصادية ومصادرة (أراضي الإقطاع) وغيرهم كسياسات وطنية ونهج يساري مُخطَّط لخدمة قطاع واسع من مواطنيها.
خامساً: هذه الدول الخمس لم تكن علاقاتها السياسية والدبلوماسية العامة مقبولة وجيدة مع مُعظم الدول الاستعمارية الأوروبية السابقة والولايات المتحدة الأمريكية.
سادساً: كانت هذه الأقطار في زمن الحرب الباردة بين الشرق الاشتراكي والغرب الرأسمالي (مجازاً) جزءاً من المعركة الفكرية والسياسية وحتى التطبيقية للمنظومة السياسية العالمية المتمحورة والمتماهية مع البلدان الشرقية المُنهزمة في الحرب العالمية الباردة، وقد رأينا الثأر السياسي يحدث في ألمانيا الديمقراطية، والاتحاد اليوغسلافي وفِي العديد من البلدان التي كانت سائرة ودائرة في الفلك الشرقي السوفيتي.
سابعاً: يشمل هذا المحور أيضاً الجمهورية الجزائرية الديمقراطية التي نجت من محرقة ما سمي بثورات (الربيع العربي) التي اشتعلت نيرانها في مطلع عام 2011م، لكن وللتذكير فقد عوقبت الجزائر من سابق بما يسمى بالحرب الأهلية في السنوات {العشر السوداء} الممتدة من 26ديسمبر1991 وحتى 8فبراير2001؛ إذ حُشرت في صراع دموي قاتل قاده حزب الإخوان المسلمين العالمي وبتمويل سخي من المملكة العربية السعودية وهو امر لا يختلف عليه عاقلان
الصدفة المحضة والضرورة الموضوعية وجها التناقض الفلسفي في الحالة العربية:
هل هي الصدفة المحضة بان تتم محاولة تدمير الدولة المصرية الحديثة الممتدة لأزيد من سبعة آلاف عام وإحلال محلها نظام ثيوقراطي إسلاموي سياسي متطرف متعصب غير متسامح مع الديانات والأعراق والمذاهب في بلد يشع نوره الحضاري المتسامح بين الديانات والأعراق والطوائف لآلاف السنين، والتغرير بالآلاف من الشعب المصري للجري خلف أوهام وأكاذيب شعارات الإخوان المسلمين المدمرة، ولمصلحة مَن؟ أن يستمر تجييش الخطاب الإعلامي المُدمر لشبكة قنوات (الجزيرة) القطرية ضد مصر الكنانة ومنجزات الشعب العملاقة، أليست هي حرب شرسة أخرى لا تقل ضراوة وعداوة ضد الشعب المصري الذي قدم سيلاً من التضحيات والإنجازات لجميع الأقطار العربية وللأمة العربية والإسلامية كلها.
هل هي الصدفة المحضة؟ أن يتم تمويل الجماعات المقاتلة الإرهابية في الجمهورية العربية السورية بـ137 مليار دولار من قِبل دولة خليجية واحدة هي مشيخة قطر، فكيف ببقية المال المصروف بسخاء من السعودية والإمارات بهدف تدمير الجيش العربي السوري ومنجزات الدولة المدنية السورية التي حققت نهوضاً ملموساً في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية.
ألم تكن سوريا ولا تزال البلد العربي الوحيد الذي يزوره أَي عربي من المحيط إلى الخليج دون الحاجة إلى أن يأخذ (فيزة) وتصريح دخول لهذا البلد العصري، ألا يكفي العرب فخراً وشموخاً بأن سوريا الكبيرة تُدرس كل العلوم في الجامعات السورية باللغة العربية، وابتعث هذا البلد موجات من العلماء والاختصاصيين في معظم المجالات للعالم العربي وللعالم، وهو البلد العربي المكتفي ذاتياً بالعديد من المحاصيل الزراعية المحلية، هذا البلد العظيم أرادوا تدميره وتمزيقه، ونجحوا نسبياً في قتل مئات الآلاف من شعــبه ونزوح الملايين إلى شتى بقاع الأرض، وتضرر هذا البلد كثيراً من تسييل المال العربي الخليجي (السعودي القطري الإماراتي) بهدف إيذاء بلد كريم وعزيز ومضياف.
وهل هي الصدفة أيضاً؟ أن يتم تمويل العدوان على الجمهورية اليمنية بمليارات الدولارات؛ إذ تشير دراسات جامعة هارفارد الأمريكية وحدها إلى أن السعودية تتكبد يومياً ما يوازي 200 مليون دولار من خزانتها الطافحة بالمال المدنَّس.
إذاً كم هو مجموع ما دفعت في ثلاث سنوات وثلاثة أشهر حتى الآن، أَي أنها صرفت ما يقارب 236 مليار دولار حتى كتابة هذه الأسطر، صُرفت عبثاً بحرب ذهب ضحيتها الآلاف من المواطنين المدنيين الأبرياء، وتم تشريد ما يزيد عن 3 ملايين مواطن نازح ومُهجّر، ولحق الأذى بآلاف من المنشآت الخدمية والإنتاجية ومن البنى التحتية المُنجزة من قبل الشعب اليمني لعقود ماضية.
علينا أن لا ننسى المليارات من الدولارات السائبة التي دفعتها الإمارات المتحدة بهدف احتلال الجزر والموانئ اليمنية، ولا تزال حتى الْيَوْم تُمارس غيها (التوسعي) في احتلال الأراضي اليمنية وتزج بالبسطاء المُغَرَّر بهم إلى مذابح جبهات القتال والمواجهات العسكرية.
مشيخة قطر هي الأخرى صرفت المليارات من تاريخ ما سُمي (بثورات) الربيع، صرفتها على حزب الإخوان المسلمين؛ وعلى بقايا من القادة الاشتراكيين ونفرٍ من قادة الأحزاب اليسارية العروبية التي استُهلِكت أخلاقياً وسياسياً واجتماعياً نتيجة مساهمتها في تدمير الدولة الوطنية اليمنية، بُغية الوصول إلى السلطة عبر بوابة أكاذيب وتدليس (الربيع الذي اضحى خراباً) على الشعب اليمني.
وهل هي الصدفة المحضة أن يتم غزو العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسبانيا في العام 2003م، وهو الغزو الذي تسبب بعشرات الالاف من الضحايا العراقيين واستهدف تدمير البنى التحتية ، ومحاولة حثيثة لإنبات وزرع التطرّف الطائفي والعرقي، وتمويل الإرهاب في هذا البلد بالمليارات السائبة من الدولارات الخليجية
وهل هي الصدفة المحضة أن يتم تحويل ليبيا إلى ثلاث ولايات متصارعة مجزئة يعبث فيها الإرهاب العالمي المدعوم من دوائر الاستخبارات للدول الغربية الرأسمالية ، وحتى هذه اللحظة تعيش ليبيا وشعبها حالة التيه من غزوة هنا وهناك للفرق المتقاتلة.
خلاصة القول وبعد مشاهدة وتحليل معطيات الأحداث لهذه البلدان فإن المستفيد الأوحد هو الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين، وأن المال العربي الخليجي سُخِّر ووُظِّف لتدمير أقطارنا العربية المناهضة للمشروع التطبيعي للشعوب العربية مع دولة الاحتلال الصهيوني ، والله أعلم منا جميعاً.