إسرائيل ــ سوريا: إنجازات موضعية وفشل استراتيجي
لدى الحديث عن مفاعيل وأبعاد المواجهة الصاروخية التي شهدتها سوريا قبل أيام، ينبغي التأكيد على حقيقة أن ما جرى لم يكن إلا محطة في سياق صراع أوسع ومتواصل.
فلا الاعتداءات الاسرائيلية، قبل الرد الصاروخي في الجولان وبعده، قادرة على اجتثاث الوجود المتجذر لمحور المقاومة في الساحة السورية، ولا الرد الصاروخي سينهي مطلق الاعتداءات الاسرائيلية، بالضرورة. لكن إسرائيل راهنت من خلال الرسائل التي مهّدت وواكبت وأعقبت اعتداءاتها الاخيرة، على إخضاع الطرف المقابل للمعادلة التي تسعى الى فرضها، بما يفتح الطريق أمامها نحو مستويات إضافية من الاعتداءات، من دون أي أثمان أو مخاطرة بالتدحرج نحو مواجهة واسعة.
في المقابل، أتى الرد الصاروخي ليسقط هذا الرهان، ويوجه رسالة مدوية ــ في دلالاتها ورسائلها ــ تحذر من تجاوز خطوط حمراء محدَّدة، في سياق حركة الصراع المتواصل. ولا يعني ذلك أن الاعتداءات الاسرائيلية في الساحة السورية سوف تتوقف بشكل مطلق في المدى المنظور، نتيجة هذا الرد الصاروخي أو ذاك.
يمكن تحديد ساحة الفشل الاسرائيلي في مجال مفاعيل الرسائل لدى صناع القرار في محور المقاومة، وتحديداً لدى الرئيس بشار الاسد. فبدلاً من أن تؤدي هذه الجولة الصاروخية الى إطلاق يد إسرائيل في اعتداءاتها، على الساحة السورية، إلا أن القدر المتيقن يكمن في أن رسائل محور المقاومة باتت أكثر حضوراً في وعي وحسابات صانع القرار السياسي والأمني في تل أبيب، وهو ما انعكس في مستوى ردها على الرد الصاروخي، وحرصت خلاله على عدم حشر محور المقاومة تجنباً لتنفيذ التهديد الذي كشف عنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وبلغ القيادة الاسرائيلية عبر طرف دولي، (من المتوقع أن يكون روسيا)، بأن تجاوز خطوط حمراء محدّدة سيؤدي الى الرد في عمق فلسطين المحتلة. وهو ما يوضح خلفية ما كشفته القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي عن رفض الجيش ووزراء المجلس الوزاري المصغر الذهاب بعيداً في الرد المضاد، تجنّباً لتدخل حزب الله في المعركة، كونه سيؤدي الى تدهور شامل.
في اللحظات التي تلت الرد الصاروخي، التزم الخطاب الاعلامي بالرواية الرسمية، من دون أي خروج عن الإجماع. ثم توالت بعض المواقف التي كشفت عن أبعاد أخرى لليلة الصواريخ، على المستويين السياسي والاعلامي وحتى على لسان بعض الخبراء. ومن أبرز هذه القيادات السياسية، رئيس المعارضة في الكنيست يتسحاق هرتسوغ، الذي أكد أن الرد الإسرائيلي لم يكن واسعاً، كاشفاً بذلك عن أن الحكومة لم تنفذ تهديداتها التي أطلقتها قبل الرد الصاروخي في الجولان. وعلى هذه الخلفية أعقب هرتسوغ موقفه بالدعوة الى «اقتلاع الوجود الايراني الذي ينزلق باتجاه إسرائيل من جذوره». وحذّر من أنه في حال لم يتم القيام بذلك في الوقت الذي ما زال فيه هذا الوجود صغيراً، لن يكون بالامكان تحقيق ذلك عندما يكبر. وانضم إلى المحذرين من تداعيات فشل الردع الإسرائيلي معلق الشؤون الامنية في صحيفة «معاريف»، يوسي ميلمان، الذي لفت الى إحدى أهم الرسائل الكامنة في الرد الصاروخي لمحور المقاومة، أن كل الحملة التهويلية الاسرائيلية لم تردعه عن الرد، مشيراً الى أن «القوة العسكرية الاسرائيلية، وتهديدات رئيس الحكومة، والوزراء، ورئيس هيئة الاركان غادي ايزنكوت، وضباط الجيش، لم يردعوا إيران، (بل) كانت مصممة على الرد والانتقام... وقد نجحت في ذلك». ولفت آخرون في السياق نفسه الى أن إيران لم يرفّ لها جفن، وينبغي عدم الاستخفاف بتصميمها.
في الاطار نفسه، تناول نائب رئيس معهد «هرتسل»، أوفير هعبري، أثر مستقبل تطورات الساحة السورية على المكانة الاستراتيجية لإسرائيل، وشدد على أنه سيتم «فيها حسم الكثير من التحديات الامنية والسياسية لإسرائيل في العقود القادمة». وتعقيباً على سؤال لماذا سوريا بالذات، أوضح أنه مع «أفول الدول العربية، أصبحت سوريا رأس الحربة في المعركة ضد إسرائيل»، والذي حصر أبعادها بالعنوان الايراني. وتوقف أيضاً عند الأبعاد التي ينطوي عليها الجهد الايراني ضد إسرائيل، من دعم قوى المقاومة ضد اسرائيل، التي وصفها بالارهاب، الى استمرار تطوير القدرات الباليستية والنووية. وأما البعد المتصل بالحدود البرية، فرأى أنه موجود الآن في الساحة السورية.
مع ذلك، فقد حدّد نائب رئيس معهد «هرتسل» نقطة انطلاق للبحث في الساحة السورية، وهي برأيه «الاعتراف بالفشل» الاسرائيلي، موضحاً معالم هذا الفشل بالقول إن «النجاحات التكتيكية الكبيرة لسلاح الجو الاسرائيلي في تدمير جزء من مراكز الوجود الايراني في سوريا، هي تعبير عن فشل استراتيجي». وشرح هذا المفهوم بالقول إن هذا الاستهداف الاسرائيلي «دليل دامغ على أن التحديات التي تشكلها إيران تبلورت وتثبتت في سوريا... في الوقت الذي جلست فيه إسرائيل جانباً وامتنعت عن التدخل». وأضاف أنه طوال السنوات الماضية، باتت إيران تتمتع «في مجالات مختلفة – لا سيما في كل ما يتعلق بتثبيت البنية التحتية الهجومية ضد إسرائيل – بحرية عمل». ووصف هعبري الضربات التي نفذتها إسرائيل على مدى السنوات الاخيرة، بأنها كانت موضعية، ولم تكن أمراً ذا مغزى، وهو ما لم يمنع ايران وحلفاؤها من تثبيت وجودهم في الساحة السورية. وحذر من أنه «كلما ثبّت الإيرانيون وجودهم في سوريا، اتسع تنوّع قدراتهم للمس بنا».
في ضوء هذه الرؤية للمخاطر المستقبلية بإسرائيل، رأى أن «من الواجب الاستعداد لصراع طويل ومركب في الساحة السورية، بما فيها حصول منعطفات غير متوقعة». ولفت الى أنه «لا تكفي «خطوط حمراء» تكتيكية، بل المطلوب رؤية استراتيجية؛ أولاً، وقبل كل شيء، علينا أن نجند الولايات المتحدة للتفاهم والعمل في هذه الساحة كمصلحة مشتركة. ومن المهم الإيضاح من جديد لحيوية الجولان لأمن اسرائيل، كذلك ينبغي بذل الجهود لتعزيز قوة الاقليم الكردي في شمال العراق، الذي يشكل حاجزاً أمام سيطرة إيرانية كاملة في سوريا».
وختم هعبري بالقول إن «التعبير الاخطر عن الوضع الجديد يكمن في اضطرار الجيش الاسرائيلي إلى العمل ضد مواقع إيرانية تمت إقامتها تماماً على حدود الجولان، وتحديداً ضمن «منطقة الفصل»، وهي منطقة تبلغ مساحتها 235 كلم مربع، انسحبت منها إسرائيل في إطار اتفاق فصل القوات الذي تم التوصل اليه بعد حرب عام 1973». وتابع هعبري أن تثبيت الوجود الايراني في هذه المنطقة يشكل خرقاً لهذا الاتفاق، ودعا إسرائيل الى أن توضح أن «أي خرق مستقبلي للاتفاق، سيشكل مبرراً لعودة الجيش الاسرائيلي الفورية الى كل أراضي منطقة الفصل».