الرد الإسرائيلي غير المفاجئ: حزب الله في «المجلس الوزاري المصغر»
لم يكن العدوان الإسرائيلي المضاد على الرد الصاروخي الذي استهدف مواقعه في الجولان المحتل مفاجئاً، لا للقيادة السورية ولا لبقية أطراف محور المقاومة، بل كان مرجّحاً إلى حدّ اليقين. وإذا كان هناك قدر من المفاجأة لدى أحد، فهو انكفاء إسرائيل عن تنفيذ تهديداتها التي سبق أن لوّحت بها قبل الرد الصاروخي، وأوضحت من خلالها أنها ستحوّل ردّها إلى فرصة من أجل القضاء على الوجود الإيراني في سوريا، وتوجيه ضربة قاسية رادعة تتمكن في خلالها من فرض معادلتها على الساحة السورية التي تسمح لها بتوسيع نطاق استهدافاتها الدموية، في سياق مساعي استئصال القدرات الاستراتيجية التي ترى أنها تشكّل تهديداً لجبهتها الداخلية من دون أي أثمان.
مع ذلك، ينبغي التذكير بحقيقة أن إسرائيل تتمتع بتفوق تكنولوجي وعسكري واستراتيجي، وتحظى بدعم غربي وأميركي على كافة المستويات، وهو ما منحها هامشاً واسعاً من الاستهداف والاعتداءات. في المقابل، لا ولم تملك قوى المقاومة القدرات العسكرية التي تمكّنها من إحباط مسبق لأي اعتداء إسرائيلي، ولا تلك التي تمكّنها من التصدي الذي يحول دون تحقق هذه الاعتداءات، ولكنها واجهت هذا الخلل في موازين القوى، باستراتيجية مركّبة تستند إلى الصبر على التضحيات، واعتماد استراتيجية الإخفاء والتضليل والتمويه للحدّ من تمكّن العدو من تحقيق أهدافه العسكرية، إضافة إلى الرد المدروس بهدف تدفيع العدو أثماناً مؤلمة، وصولاً إلى تحقيق الردع بالتراكم.
كان واضحاً منذ اللحظات الأولى التي بدا فيها أن محور المقاومة سيرد على توسيع الإسرائيلي نطاق استهدافاته على الساحة السورية، أن العدو سيرد على هذا الرد، ليس فقط استناداً إلى عقيدته العسكرية وإلى تجاربه التاريخية، بل أيضاً لما قد يترتب على الامتناع عن هذا الرد من نتائج وتداعيات تطال قدرة ردعه، وأصل وحجم حضوره في المعادلة الاقليمية.
في المقابل، لا يحتاج أي مراقب إلى معلومات خاصة لاكتشاف أن الجهة التي اتخذت قراراً برد صاروخي غير مسبوق منذ 44 عاماً عبر جبهة الجولان، كانت تدرك أنه سيتبع ذلك عدوان إسرائيلي واسع. وبالتالي، استناداً إلى التجارب التاريخية أيضاً، والعقيدة العسكرية التي يتبناها محور المقاومة، وإدراكه لتفوّق الاسرائيلي على مستوى سلاحي الجو والصواريخ... كان من المرجّح بل المؤكد أنه تم اتخاذ إجراءات خاصة تتّصل بكل ما يمكن للعدو أن يستهدفه.
لا يعني ما تقدم أن نتائج هذا العدوان كانت صفراً، لكن هي أقل بكثير جداً مما يجري الترويج له والإيحاء به. ويكفي قليل من التدبر لاكتشاف ما يمكن أن يتخذه حزب الله والحرس الثوري والجيش السوري من إجراءات قبل الرد الإسرائيلي المعروف مسبقاً، والذي كان مقدّراً أنه سيكون واسعاً وعنيفاً وقاسياً... بل المؤكد أن العدوان الإسرائيلي كان أدنى بدرجات ممّا تم الاستعداد له في محور المقاومة، وهو ما برز أيضاً في ما نقلته صحيفة «معاريف»، أمس، عن الجيش الاسرائيلي قوله إن الضربة التي وجّهها، وتلت الرد الصاروخي، تشكّل المرحلة الثانية من سلم مؤلف من خمس مراحل، تشكل الأخيرة منها الرد بكامل القوة... تم تقديمه أمام المستوى السياسي قبل شهرين.
مع ذلك، الأهم ممّا تقدم يكمن في تفسير امتناع إسرائيل عن تنفيذ سقف التهديدات التي لوّحت بها قبل الرد الصاروخي، واتضح جانب أساسي منه، في ما كشفته القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي عن السجال داخل المجلس الوزاري المصغر حول المرحلة التي تلي، بين من يدعو إلى الذهاب بعيداً في استهداف الوجود الإيراني، وآخرين يدعون إلى مزيد من التعقل والانضباط. وكشفت القناة أن الجيش والعديد من الوزراء اعتبروا أنه «ينبغي أيضاً معرفة متى يجب التوقف ورفع القدم عن الدواسة، ورؤية ما يجري، ويجب التذكر أن المسافة بين المعركة الناجحة وتدهور شامل، دخول حزب الله الى الصورة». ويكشف هذا السجال عن مدى حضور قوة ردع حزب الله في حسابات المؤسستين السياسية والأمنية، وعن أن انكفاء الإسرائيلي عن تنفيذ تهديداته لم يكن إلا نتيجة حساباته وتقديراته لما يمكن أن يترتب عليها من توسيع دائرة المواجهة بما يؤدي إلى تدخّل حزب الله. وهو تقدير بات أكثر وضوحاً عندما أدركت القيادة الإسرائيلية حجم الرد الصاروخي الذي عكس تصميم محور المقاومة على مواجهة توسيع نطاق الاستهداف الإسرائيلي في الساحة السورية. ولعل الرسالة الأبلغ تكمن في ما اكتشفه العدو عن المدى الذي يمكن أن يبلغه الرئيس السوري بشار الأسد في تصدّيه وردّه على الاعتداءات الإسرائيلية، في حال تجرّأت على محاولة تنفيذ تهديداتها.
في كل الأحوال، ليس الجديد في كل ما حدث الاعتداءات الاسرائيلية نفسها، بما فيها توسيع نطاقها نسبياً، وإنما الجديد هو الرد الصاروخي غير المسبوق، عبر جبهة الجولان للمرة الأولى منذ عقود. والجديد حجم التصميم على مواجهة سقف التهديدات التي التزم بها قادة تل أبيب السياسيون والعسكريون. وعلى هذه الخلفية، فإن الاشتباك الصاروخي الذي شهدته الساحة السورية شكّل محطة تأسيسية قد تحتاج إلى المزيد من المحطات المشابهة والأكثر عنفاً، على طريق استكمال بلورة قواعد حركة الصراع بين العدو من جهة وسوريا وحلفائها من جهة أخرى.