لو كنت مسؤولاً سعودياً؟
بعد صدور النتائج النهائية للانتخابات النيابية، غرّد سعودي من آل الشيخ داعياً الخليجيين الى مغادرة لبنان بقصد تجويعه وقتله اقتصادياً، باعتبار أن غالبية لبنانية صوّتت لـ«جعل لبنان ولاية فارسية».
طبعاً، يفترض بالرجل أن يعرف، أولاً، ما إذا كان في مقدور الخليج قتل لبنان اقتصادياً. لكن، بما أن النقاش حول هذا العنوان صعب مع ناقصي العقول والكسالى، من المفيد نصح المسؤولين السعوديين بأن يقلّدوا أصدقاءهم الاميركيين، وأن يطرحوا على أنفسهم السؤال الأدقّ: لماذا نفشل في لبنان؟
اليوم وغداً وبعده، سينشغل الجميع في قراءة الارقام والأصوات التي توزّعت على اللوائح والمرشحين. لكن، قد تكون مفيدة فهرسة هذه العملية، بغية جعل السعودية تفهم حقيقة ما حصل، وما قد يحصل في القريب.
أولاً: أظهرت الانتخابات النيابية في لبنان عموماً، وفي مراكز الاقتراع الخاصة بالناخبين المسجّلين بحسب القانون ضمن خانة «السنّة» خصوصاً، أن التيارات الاسلامية المتورطة في الحراك السياسي الناشط في لبنان والمنطقة منذ عقد تعرضت لهزيمة قاسية. لا «الجماعة الاسلامية» (الإخوان المسلمون)، ولا التيارات السلفية في الشمال وبيروت والبقاع وصيدا، حصلت على نسبة من الأصوات تكفي لنيلها مقعداً واحداً في البرلمان اللبناني.
ثانياً: أظهرت نتائج الانتخابات ان القيادات والشخصيات السياسية الغارفة من «الوعاء الايديولوجي الوهابي» تعرّضت لهزيمة قاسية، فلم ينجح المرشحون الذين ارتضوا بزعامة اشرف ريفي عليهم، في الشمال وبقية لبنان، في الحصول على نسبة من الاصوات تخوّلهم ادعاء أنهم قوة تمثيلية حقيقية.
ثالثاً: أظهرت النتائج أن كل عمليات القهر والإقصاء التي تعرض لها إسلاميون من مذاهب غير تكفيرية لم تنفع في محاصرتهم. فقد حققت جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية (الاحباش) نتائج كبيرة جداً في بيروت وطرابلس، وكذلك تبيّن حجم الاصوات التي وزعوها على حلفاء في بقية لبنان، كما هي الحال في صناديق الاغتراب. وهي نتيجة تشير الى أن هذا التيار الذي خرج منذ عقود في مواجهة الوهابية ومتفرعاتها، لا يزال قائماً وقوياً بين اللبنانيين، وبين أبناء المدن على وجه الخصوص. وكل الأوهام التي ساقها «علماء البلاط ومفكروه» وعسس السفارات في لبنان، تبخرت في لحظة واحدة.
رابعاً: أظهرت الانتخابات النيابية ان مجاميع رجال الدين الذين عملت السعودية والامارات العربية المتحدة، ومعهما قطر، على تعبئتهم، لم يظهر لهم أي أثر جدي خارج تيار الرئيس سعد الحريري، وان التحريض خلال الاشهر الستة الماضية، ضد الحريري، على خلفية أنه «قبل بالانهزام امام حزب الله»، انعكس فعلياً اعتراضاً ومقاطعة، ولم تحصل «لوائح السفارة» التي انتشرت في عدد من المناطق على أي نتائج جدية من شأنها إشعار الحريري بالخطر.
خامساً: إن الحريري دفع ثمن التعبئة المذهبية والسياسية المثيرة للشفقة، لأنه بالغ في مخاوفه من كون خطاب التسوية التي اعتمده خلال العامين الاخيرين تسبّب له بالخسائر. وربما صار على الحريري إدراك أن فشله الداخلي، سياسياً وانمائياً هو سبب خسارته، وليس تراجعه عن الخطاب المتشدد. وهذا يشكل اشارة اضافية الى ان منطق التحريض الطائفي والمذهبي لم تعد له سوق جدية في لبنان.
الوهابيون والتكفيريون خاسرٌ أول في كل لبنان، تياراتٍ وشخصياتٍ وخطاباً
سادساً: يجهل السعوديون، وهذا ديدنهم، ان لدى الجمهور الذي لحق بهم رغبة حقيقية في مراجعة السياسات العامة التي اعتمدت في لبنان والمنطقة. وإذا خرج من يقول إن فوز «الفرس» يزيد مخاوف هؤلاء، فإن الاقرب الى المنطق هو عجز مناصري هذا الخط عن تقديم تفسيرات منطقية لسبب الخسائر المستمرة، ليس في لبنان فحسب، بل في سوريا والعراق واليمن ومناطق اخرى من العالم العربي.
سابعاً: تجاهل السعوديون التأثيرات العميقة لقيامهم باختطاف الرئيس الحريري في تشرين الاول الماضي، وهم اعتقدوا أن ألبوم صور «السيلفي» للحريري مع القيادات السعودية من شأنه محو العار الذي لحق بهم، والذي جعل الجميع يخشون على علاقتهم معهم، بعدما صاروا معروفين بالغدر، كما تظهر وثائق مسربة من سفارتي السعودية والامارات حجم الاحتقار والتعالي الموجود لدى هاتين العاصمتين تجاه من يتعاون معهم وليس ضد خصومهم، وهو أمر ترجم في الانتخابات النيابية بغياب أي إشارة الى العلاقة مع دول الخليج من قبل حلفاء السعودية (القوات اللبنانية والكتائب وبقايا 14 آذار)، وهو أمر لا يشبه حالة الحريري، لأن جميع المؤشرات تقود الى أن حلفاء الرياض – أبو ظبي تلقّوا دعماً مالياً جدياً، بخلاف الحريري نفسه.
لكن، يمكن للمسؤول السعودي ان يكون مسروراً في داخله، عندما يسمع قيادات المستقبل تواصل سياسة الإنكار ودفن الرؤوس في الرمال، لناحية رمي المسؤولية على الفريق الآخر، مع العلم بأن جماعة الحريري لمسوا، للمرة الاولى في انتخابات الاحد، انتهاء صلاحية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومسرحية المحكمة الدولية.
لا يمكن أن تحسد أي مسؤول سعودي على حالته اليوم. لكن الأكيد أن الاحمق، متى تحكم فيه الحقد، لن يكفّ عن ضرب رأسه بالحائط، ولن يكفّ عن تكرار معزوفته، وسيجد دائماً مرتزقة يعملون معه مقابل حفنة من المال، وهؤلاء لن يتخلوا عن مهنتهم، ولن يبتعد المشغل عنهم، لأنه لن يجد بدلاء لهم للقيام بهذا العمل القذر. لذلك، يمكن أن يكون الافضل أن تقول: جيد، إنني لست مسؤولاً سعودياً اليوم!