’المستقبل’.. وخذلان ذوي القربى
لن يكون مستغرباً في الساعات أو الأيام القليلة المقبلة أن يُطالعنا من يرجم القانون النسبي لعدالته. فالأخير قضى على حقبة الاحتكار السياسي، وبفضله، أعطي كل ذي حق حقه على الخارطة السياسية في لبنان. الجميع تمثّل وفق حجمه الحقيقي لا الوهمي. ويبدو أنّ بعض القوى السياسية بدأت تتلو فعل الندامة وتوّجه لَعنتها للساعة التي وافقت فيها عليه. شكلُ المجلس النيابي المفترض لن يرُق لها حُكماً، مع نقصان فادح بعدد "الكرسي" النيابي، وهذا هو تماماً حال تيار "المستقبل" الذي لم يحسبها جيداً على "الورقة والقلم". وأغلب الظن، أن الوهم السياسي قاده لمثل هذا اليوم، فكان أن تقلّص حجمه البرلماني من 33 مقعداً عام 2009 الى 21 مقعداً في الانتخابات الحالية، ما يعني أن خسارته بلغت 12 نائباً، وهو رقم قياسي، يعني ما يعنيه في قاموس الحياة السياسية لجهة الاستحقاقات، والقرارات المصيرية، خصوصاً أنّ المجلس النيابي هو الآمر الناهي لجهة السلطة التنفيذية، ما قد يرسم معالم مشهد سياسي جديد.
إذاً، أوّل الخاسرين كان تيار "المستقبل" الذي لم تنفعه كل الجولات والصولات التي قام بها قبيل الانتخابات. وأغلى الأثمان التي دفعها كانت ربما في صيدا مسقط رأس زعيمه، والتي بيّنت نظرة الصيداويين الحقيقية لهذا "التيار". ولعلّ الوقت قد حان ليدفع رئيس الحكومة سعد الحريري فاتورة "سعودي أوجيه" التي بقيت ديناً في عنقه. والأمر لم يقتصر على خسارة "التيار الأزرق" مقعداً من أصل اثنين في عاصمة الجنوب، بل أتت الطامة الكبرى على شكل عدد الأصوات التي "جمعتها" "الفائزة" بهية الحريري والتي تقلّصت من 24 الف صوت عام 2009 الى حوالى 13 الف صوت عام 2018. فماذا يعني هذا؟. في حساب "الورقة والقلم" يعني خسارة اا الف صوت. وفي التحليل، يعني أن هذا الحزب دفع ما يقارب الخمسين بالمئة من الأصوات، وخلال تسع سنوات، نتيجة النهج السياسي والإدارة الحريرية الخاطئة، فلم تنفعه كل حملات التحريض والتعبئة الطائفية والمذهبية التي قادها، ولم يستطع حتى أن "يمون" على قاعدته الشعبية لجلبها الى صناديق الاقتراع، والتي جاءت مفاجئة في العديد من المناطق على رأسها صيدا.
نكسة تيار "المستقبل" لم تقتصر على صيدا. فبيروت الثانية، والتي لطالما راهن الحريري عليها، خيّبت أمله رغم ديباجة السيلفي التي لم تنفعه، والانتظار في الدور للاقتراع، والتي حاول من خلالها جني الأصوات حتى النفس الأخير، لتنتهي المعركة في هذه الدائرة بخسارة أقل ما يقال فيها أنها "مدوّية". فبعدما كان تمثيل القوة المواجهة لهذا الحزب صفراً، مقابل عشرة مقاعد للمستقبل، في هذه المنطقة، انقلبت المعادلة، وبات للقوى المواجهة ما يقارب نصف التمثيل، بعد حقبة الاستئثار التي قادتها الحريرية في بيروت وإيهام الشعب بأنها القوة الأكبر نتيجة القانون الانتخابي غير العادل، والمتحكّم بخارطة المجلس النيابي منذ عام 1960.
حال صاحب شعار "الخرزة الزرقا" في طرابلس، لم يكن أفضل من بيروت وصيدا. الانتخابات النيابية كشفت وجه هذا الحزب الغائب عن حياة الآلاف من الطرابلسيين المحرومين من أبسط مقومات الحياة. القانون الجديد أعاد لبعض القوى السنية حيثيتها الحقيقية، وأعاد لآل كرامي، البيت العريق، تمثيلهم السياسي، بعد ما سُلب بواقع التمثيل الجائر. وهنا لم تنفع الجولة الشمالية التي قام بها الحريري، تماماً كما لم تنفع وعوده الجديدة التي ملّ منها الطرابلسيون الذين لم يعد ينفع معهم ضرب السيوف في الهواء أو شراء السمك في المياه. وفي هذا الصدد، يُشدد الخبير عبدو سعد على أنّ الخسارة الحقيقية لتيار "المستقبل" لا يمكن قياسها فقط بعدد المقاعد التي "طارت" من جعبته، بل بعدد المقاعد التي جناها الخصوم كالوزير السابق فيصل كرامي الذي جنى ثلاثة مقاعد والرئيس السابق نجيب ميقاتي الذي فاز بأربعة.
خسارة الحريري وتياره السياسي لم تقتصر على طرابلس، وبيروت، وصيدا، بل امتدت الى منطقة البقاع الغربي الذي شنّ عبرها حرباً كلامية وفتنوية على المقاومة لم تنفعه، لتنتهي النتيجة ـ وفق سعد ـ بـ"ضربة عجيبة" للتيار الأزرق، الذي خرج من الانتخابات بحصة صفر. يختم الخبير الانتخابي حديثه بالاشارة الى أّن تيار "المستقبل" أكبر الخاسرين في الانتخابات العتيدة، وعام 2018 شكّل "مصيبة المصائب" لهذا الحزب الذي وجد نفسه الأضعف ولأول مرة في تاريخه بإمضاء الشعب، بعد خسارته ثلاثة عشر مقعداً، لصالح خصوم سياسيين لهم ثقلهم السياسي وحجمهم الذي لا يمكن القفز فوقه.