’جيش الاسلام’ من العهدة السعودية الى التركية
ما إن أتم الجيش السوري وحلفاؤه شطر الغوطة الشرقية الى قسمين (شمال وجنوب) ومن ثم شطر القسم الشمالي الى قسمين حيث تم عزل حرستا عن دوما، حتى تسارعت مفاوضات التسوية التي أفضت الى خروج المسلحين من كل من: حرستا، عربين، زملكا، وجوبر وعين ترما. فيما بقيت عقدة دوما بانتظار ما ستؤول اليه المفاوضات مع مسلحي "جيش الاسلام" الذي يتمركز فيها. وهو من الاطراف، بل الطرف الابرز من الفصائل المرتبطة عضويا بالمملكة العربية السعودية ويتلقى دعما مباشرا منها.
لقد سهلت طبيعة العمليات العسكرية، المعقدة والناجحة، التي قام بها الجيش السوري من تسارع تسليم المسلحين في الغوطة (باستثناء دوما) الى شروط التسوية التي فرضتها الحكومة السورية وقيادة الجيش، وهي تسوية، كسابقاتها في مناطق اخرى، أفضت الى انتقال من لا يريد التسوية من المسلحين وعائلاتهم بل وبعض المدنيين الى مناطق في ادلب وفي بعض ارياف حلب، فيما تمت تسوية أوضاع من يرغب بالبقاء.
وفيما أعلن يوم السبت الماضي عن أن مناطق جوبر وزملكا وعربين وعين ترما مناطق آمنة بعد اتمام عمليات النقل، أُعلن يوم أمس (الاحد 1/4/2018) عن اتفاق مع "جيش الاسلام" يُرحل الأخير بموجبه "الى جرابلس في ريف حلب الشمالي.
1- لماذا رفض ادلب؟
السؤال هنا يتعلق بالأسباب التي دفعت "جيش الاسلام" للتشدد في الشروط التي يريد فرضها في التسوية، ولماذا طرح محافظة درعا كمنطقة بديلة يسعى للانتقال اليها بدلا من الوجهة المعتادة للتسويات وأعني ادلب؟
يمكن الاجابة عن هذه الاسئلة بالنقاط التالية:
أ- إن دوما بشكل خاص، والغوطة الشرقية بشكل عام، هي المعقل الاساس "لجيش الاسلام" منذ تشكله (عام 2013) من عدة فصائل على رأسها "لواء الاسلام" (اعلن عن تشكيله أواخر عام 2011) الذي كان يتزعمه "زهران علوش" ( قتل في 25 كانون اول عام 2015)، والذي أصبح قائدا "لجيش الاسلام. ويعتبر "جيش الاسلام" من الفصائل القليلة التي لا نشاط لها خارج نطاق الغوطة. وبالتالي فإن دوما هي بيئته التي ولد وترعرع فيها. وفيما الفصائل الاخرى التي كانت تقاتل في الغوطة (جبهة النصرة واحرار الشام وفيلق الرحمن) لديها قواعد في محافظة ادلب وارياف حلب تنقل عناصرها اليها، يعتبر "جيش الاسلام" ان لا قواعد ولا بيئة حاضنة له في المناطق المطروحة عليه في التسوية. وعليه، فإن اي عملية انتقال الى تلك المناطق ستسهل استهدافه من الفصائل الاخرى.
ب- وما قد يسهل استهدافه من الفصائل المتواجدة في ادلب أنّ بين "جيش الاسلام" و"جبهة النصرة" بشكل اساس ثارات بعد عمليات الاقتتال التي جرت في الغوطة في منتصف العام الماضي (2017) ولم تخف بعض المصادر آنذاك ان "جيش الاسلام" يسعى لاجتثاث "جبهة النصرة" من الغوطة. كما لم تسلم بعض مقرات "فيلق الرحمن" من هجمات "جيش الاسلام" بحسب البيانات التي صدرت آنذاك.
ت- تتلقى الفصائل المتواجدة في ادلب وارياف حلب دعما مباشرا من تركيا، فيما "جيش الاسلام" يتلقى دعمه من السعودية، ومن هنا فان تواجد "جيش الاسلام" في محيط مدعوم تركياً سيجعله عرضة للتصفية في اطار صراع النفوذ بين تركيا وقطر من جهة، والسعودية من جهة ثانية.
ث- ان الغوطة بشكل عام، ودوما بشكل خاص، هي من المناطق القريبة من العاصمة، وبالتالي فإن الخروج منها يعني خسارة ورقة من اوراق الضغط العسكري على العاصمة السورية، فيما التحول الى الاطراف سيبعده عن مناطق التأثير، خاصة ان "جيش الاسلام" هو الفصيل الوحيد المحسوب بشكل مباشر على المملكة السعودية.
2- لماذا درعا؟
وبناء على ما تقدم، يظهر واضحا سبب رفض "جيش الاسلام" لمقترحات التسوية المتعلقة بالانتقال الى ادلب.
لكن يبقى السؤال لماذا اختار "جيش الاسلام" محافظة درعا كطرح بديل لإدلب؟
يمكن الاجابة عن هذا السؤال بالنقاط التالية:
أ- إن الجنوب السوري يبقى اقرب الى العاصمة دمشق من ادلب، لا سيما مع استمرار الاحلام بتحقيق خرق ما من الجبهة الجنوبية.
ب- ان الجبهة الجنوبية اقل حدة لناحية الاقتتال بين الفصائل مقارنة بإدلب وحلب وحماه. ما يجعل "جيش الاسلام" يشعر بطمأنينة أكبر في تلك الجبهة.
ت- ان فصائل الجنوب بشكل عام خاضعة للهيمنة الاسرائيلية القادرة على حماية "جيش الاسلام" مع استمرار التقارب بين السعودية و"اسرائيل".
ث- ان درعا قريبة للأردن، ما يعطي هامشا ايضا للسعودية عن طريق الضغط على الاردن في حفظ "جيش الاسلام" من العمليات الانتقامية ضده من اي فصيل من الفصائل.
ج- ان فصائل الجنوب لا يملك أحد فيها تفوقا كبيرا على باقي الفصائل وهو ما ادخل الحالة بينها في نوع من "الستاتيكو". وهذا ما يناسب "جيش الاسلام" تماما مقارنة بحجم قوته التي سينقلها الى درعا في حال تم التوافق على ذلك.
لهذه الاسباب يفضل "جيش الاسلام" الانتقال الى درعا وهذا ما يرفضه السوري والروسي معا. على أن تجارب الاتفاقيات السابقة لم تسجل انتقالا الى اي طرف خارج منطقة ادلب-حلب. ولا اعتقد أن روسيا أو سوريا قد تسجل خرقا لهذا المسار حفظا لعمليات التسويات اللاحقة.
زهران علوش "قبل أن يقتل" يستعرض فصائل من تنظيم "جيش الاسلام" الارهابي في الغوطة
3- خيارات "جيش الاسلام"
وبناء عليه، ما هي خيارات التسوية التي كانت متاحة أمام "جيش الاسلام"؟
قبل الاجابة عن هذا السؤال لا بد من تثبيت المعادلتين التاليتين: الاولى ان روسيا وسوريا لم تكونا لتقبلا بأي منطقة خارج نطاق ادلب او بعض ارياف حلب. الثانية: أن أي تسوية لا بد أن تمر عن طريق التنسيق الروسي-التركي لإيجاد بعض الحلول.
وعليه فإن الخيارات التي كانت متاحة "لجيش الاسلام" هي:
أ- أن تقوم تركيا بتفريغ منطقة من مناطق ادلب (اعني تفريغها من المسلحين) وجعلها منطقة تواجد "لجيش الاسلام" مع عدم احتكاكها مع مناطق نفوذ "جبهة النصرة". وهذه الخطوة ستعني بشكل أو بآخر انتقال "جيش الاسلام" من الهيمنة السعودية الى الهيمنة التركية.
ب- أن يقوم "جيش الاسلام" بالتحالف مع أحدى الفصائل المتواجدة في ادلب او ريف حلب، للحفاظ على كيانه. وبالتالي تأمين موطئ قدم يمهد له القبول بشروط التسوية والانتقال الى هناك. وهي خطوة ستعني ايضا الخروج من تحت المظلة السعودية.
ت- أن يقوم "جيش الاسلام" باندماج كلي مع فصيل قوي على تلك الجبهة (جبهة تحرير سوريا المؤلفة من احرار الشام والزنكي). وهو اندماج يؤدي الى ذوبان "جيش الاسلام" كليا. لا سيما وان بيئة تلك المنطقة ليست بيئة حاضنة له.
ث- أن يقبل "جيش الاسلام" بالانضمام الى "درع الفرات" وهذا يؤمن له الحفاظ على كيانه، لكنه سيدخله في اطار الحرب التي تديرها تركيا على الكرد. وهذا الخيار يعني عدم الانتقال الى ادلب وانما الى مناطق عمل درع الفرات في ريف حلب.
ج- أن يرفض جيش الاسلام كل خيارات التسوية، وبالتالي الاستعداد لحرب يراهن أن تكون طويلة تمكنه من فرض قبول الطرف الاخر بخيار "درعا" او اي منطقة أخرى في القلمون.
ورغم تعقيدات مفاوضات "دوما" فإن المُسلّم به ان "جيش الاسلام" ليس هو المفاوض الرئيسي فيها، وان الحلول ينبغي البحث عنها عند الدول الفاعلة في الازمة، واعني عند كل من روسيا وتركيا والسعودية.
لقد استقرت التسوية على احتمال الانتقال الى ريف حلب الشمالي والذي يعني مناطق عمل درع الفرات.
وبكل الاحوال، فمهما كان الخيار الذي سيستقر عليه الاتفاق، فإن النقطة الاساس ان السعودية خسرت ورقة "جيش الاسلام" الذي انتقل بشكل أو بآخر الى العهدة التركية.