قبل 6 سنە
يحيى دبوق
550 قراءة

استغلال إسرائيلي بمفعول رجعي!

 
تبنّت إسرائيل رسمياً قصف ما تصفه بالمفاعل النووي السوري، بالقرب من مدينة دير الزور عام 2007. التبني، الذي ورد أمس مع تغطية إعلامية لافتة ومفرطة، حمل تفاصيل عن العملية وأسبابها وقرارها والسجالات الداخلية حولها.

 التبني بمفعول رجعي، قد لا يضفي جديداً على الاعتداء وهوية المعتدي، وإن كان الخلاف قائماً حول المنشأة السورية المستهدفة وادعاء تل أبيب أنها مفاعل نووي كان في مرحلة التطوير. كذلك لا يضفي جديداً التأكيد على موافقة أميركية مسبقة، إذ لا اعتداء إسرائيلياً بهذا الحجم من دون مصادقة أميركية.
الجديد هو توقيت التبني ونشره واستهدافاته، والأكثر هو التراكض واللهاث وراء الاستغلال بإفراط. أما ما يتعلق بالضربة والمداولات و«النصائح» التي سبقت قرارها وتنفيذها، رفضاً أو تأييداً أو تحذيراً، وكذلك التأكيد على «حرفية» التنفيذ والمعلومات الاستخبارية حولها، فهي من باب الاطلاع على حدث مضى رغم فائدة الاطلاع عليه، علماً بأن له ظرفه وأسبابه وبيئته وموازينه التي باتت مغايرة ومختلفة، عما سبق قبل عشر سنوات.
وإذا كان الاطلاع على تفاصيل الرواية الإسرائيلية للاعتداء عام 2007 من شأنه أن يشبع فضول الاطلاع، لكن الأهم منه هو قراءة الدافع وراء تبني إسرائيل الرسمي للاعتداء بعد عقد من الزمن. والأهم هو تفسير هذا الإفراط (الخارج عن المعقول) في محاولة الاستغلال، إلى الحد الذي يثير الدهشة. تكفي الإشارة كمثال، الى أن صحيفة «يديعوت أحرونوت» وحدها، أفردت 14 تقريراً وتحليلاً عن الضربة في صفحاتها الأولى، كذلك موقع «واللا» الإخباري، كمثال ثان، الذي نشر حتى كتابة هذه المقالة، 11 تحليلاً إخبارياً، فيما نشرت «هآرتس» 10 مقالات. ناهيك عن البث الحصري منذ الصباح وبوتيرة متواصلة عن الضربة في كل قنوات التلفزة العبرية، تقريراً وتحليلاً مع استوديوات خاصة لكبار الشخصيات والمعلقين والخبراء، إلى الحد الذي يمكن وصفه أمس، بـ«الفيلم النووي السوري الطويل».
الجديد هو توقيت التبني ونشره، والأكثر هو التراكض واللهاث وراء الاستغلال

الاعتداء الإسرائيلي قبل عشر سنوات، يشير (بحسب الرواية الإسرائيلية) إلى قدرة استخبارية وعملانية، وكذلك إلى قدرة على تسخير الحلفاء لتحقيق المصالح الإسرائيلية. هي قدرات لا يمكن إنكارها، كانت ولا تزال قائمة، وإن كانت محاذير استخدامها قياساً بالماضي، باتت أكثر خطورة ومغامرة، وخاصة أن ميزان القوى في المنطقة وفي الساحة السورية تحديداً، لم يعد ميزان قوة إقليمية وحسب رغم أهميته، وبات ميزان قوة إقليمية دولية، مع لا يقين حول مساراته وتطوراته، التي لا يمكن تحديدها مسبقاً. 
الإفراط والجلبة الإعلامية في وسائل الإعلام العبرية، أبرزا معطيات دالة على أهداف التبني الإسرائيلي لاعتداء عام 2007، وإعادة العمل على تثميره. وهي معطيات لا تشير إلى ارتباط بصورة الاقتدار الإسرائيلي وتحسينها في الوعي الجمعي للأعداء، بل ترتبط أيضاً بالقدرة نفسها وبميزان هذه القدرة، بناء على معادلات حسية مادية، لم تعد كافية لتحقيق المصالح الإسرائيلية في المحيط المباشر، حيث ترصد التهديدات وتطورها وتناميها، وبشكل أكثر تأكيداً في الساحة السورية التي باتت ميدان تصارع إقليمي ودولي يفوق ميزانه قدرات إسرائيل الذاتية على فرض الإرادات.
تشير صحيفة «هآرتس» في سياق مقالاتها المتعددة حول اعتداء عام 2007 وتبنيه رسمياً، الى أن الجهة التي دفعت إلى إعادة تظهير الاعتداء والتركيز عليه، هي المؤسسة العسكرية لا المؤسسة السياسية، وذلك بعد قرار صدر عن الاستخبارات العسكرية (أمان)، رفع بموجبه المنع وأباح النشر. هذا المعطى يشير بدوره، إلى أن السبب يأتي من خارج المناكفة السياسية الاعتيادية بين المعارضة والموالاة، ومبني على مصلحة وحاجة تتعلق بالأمن القومي الإسرائيلي كما تراه الاستخبارات العسكرية، بناء على تقديراتها المرتبطة بالمعطيات المادية وميزان القوة العسكرية بينها وبين أعدائها في ساحات المواجهة، وفي حد أدنى بهدف تحسين صورة إسرائيل واقتدارها، في الوعي المقابل لدى الأعداء.
تقف خلف قرار النشر المؤسسة العسكرية، لا المؤسسة السياسية

ولتتضح الصورة أكثر، أكد موقع «واللا» من خلال العدد الهائل من التقارير المنشورة أمس على موقعه على خلفية الهجوم، أن قرار التبني الرسمي، و«الحملة الإعلامية» المواكبة له، كانت قد تقررت قبل أشهر، وأن النشر كان سيحدث في شباط الماضي، لكن الذي اعترض التوقيت هو تصدي الدفاعات الجوية السورية للطائرات الحربية الإسرائيلية وإسقاط طائرة «أف 16» في حينه، الأمر الذي كان سيعني وسيفهم لدى الطرف الآخر على أنه مجرد رد فعل معاكس مبني على تداعي صورتها واقتدارها بعد إسقاط الطائرة، ومحاولة منها لتحسين هذه الصورة وترميمها، وهو الأمر الذي دفع صاحب القرار العسكري إلى تأجيل النشر والتبني، إلى يوم أمس. أما تاريخ تبلور هذا القرار، فتعيده «يديعوت أحرونوت» إلى ما قبل أربعة أشهر، لكن كانت تحول دونه أحداث تفرض تأجيله تباعاً.
وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، التي كانت واحدة من الثالوث الذي اتخذ حينه قرار الاعتداء عام 2007، تؤكد في مقابلة إذاعية أمس، أن «اتخاذ قرار النشر لم يأت الآن نتيجة وجود خطر من سوريا، أي نتيجة الوضع الحساس في مواجهة (الرئيس السوري بشار) الأسد، بل نتيجة الوضع الحساس المتأتي من الوجود الإيراني هناك». أما المصادر الأمنية الرفيعة فتؤكد (ليديعوت أحرونوت) أنه «جرى إعلام القيادة السياسية بقرار النشر والتبني، واطلع المستوى السياسي على القرار مسبقاً»، أي أنه لم يكن متدخلاً فيه.
إذاً هو قرار تقف خلفه المؤسسة العسكرية في تل أبيب، وموجه تحديداً إلى الجانب الإيراني، في سياق «الخط الأحمر» الإسرائيلي الطموح، لمنع الوجود العسكري الإيراني وتمركزه في الساحة السورية. هو الجانب الإيراني نفسه، الذي لا يسمع ولا يهتم بالتهديدات الصادرة عن إسرائيل، كما تشكو المصادر العسكرية الإسرائيلية الرفيعة في أكثر من موقف وتسريب، في الأشهر الأخيرة. 
يرد في صحيفة «إسرائيل اليوم»، ضمن مقالاتها التحليلية التي تجاوزت العشرة أمس حول تبني الاعتداء ومدلولاته: «يقف خلف توقيت نشر قصف المفاعل النووي السوري وتبنيه، فتح أعين إيران على مؤشر رئيسي، بأن إسرائيل لا تتخلى عن الخيار العسكري». وتضيف الصحيفة في عرضها للأسباب: «يأتي قرار التبني في مرحلة بات وضع إسرائيل يتعقد أكثر فأكثر على الجبهة السورية – اللبنانية، فالفترة الأفضل خلال السنوات السبع الأخيرة (من الحرب السورية)، انتهت بالفعل».
وكان واضحاً أمس، ولا يزال، إرادة الاستغلال الإسرائيلية، في مرحلة حساسة جداً ومتفلتة حداً وغير يقينية، بين إسرائيل وأعدائها. استغلال يشبه في منطلقاته وأسبابه وأهدافه كل المقاربة الإسرائيلية في الفترة الأخيرة، التي لا تدع أي حدث أو استحقاق أو حتى تدريب عسكري روتيني، دون توظيفه لرفع قدرة ردع إسرائيل وإعلائها في وجه أعدائها. لكن «همروجة» أمس، المتفلتة والمفرطة، كانت لافتة جداً إلى حد أثارت الاستغراب حولها.
تبنّت إسرائيل رسمياً قصف ما تصفه بالمفاعل النووي بالقرب من دير الزور عام 2007

بغض النظر عما حصل فعلياً قبل عشر سنوات، وتحديداً ما يتعلق بالرواية الإسرائيلية بأن المنشأة هي مفاعل نووي سوري، إلا أن الطريقة التي خرجت فيها إسرائيل أمس بعد عقد على الاعتداء، تحمل دلالات لا تقل أهمية عن الحدث بذاته. في ذلك، تبدو إسرائيل في موضع المتلهف لإيجاد أو تلقي أو البحث عن أفعال تعاظم قدرتها وتؤكد جديتها أمام أعدائها، الأمر الذي يشير في الموازاة وفي السياق، إلى تراجع ومحدودية في استخدام القدرات، أكثر مما يشير إلى الاقتدار نفسه. 
الواضح أن إسرائيل أرادت، بغض النظر أنها أصابت أو لا، التأكيد لأعدائها من خلال هذه «الصرخة المنفلتة» بإعادة تثمير الضربة بعد عشر سنوات، أنها جادة ومصممة على مواجهة التهديدات. تشديد الرواية على أن القرار اتخذ رغم معارضة وزير الأمن في حينه، إيهود باراك، محاولة أيضاً إضافية وإن كان القصد الإضرار بباراك سياسياً، على الجدية المطلقة التي يوليها صاحب القرار في تل أبيب لمواجهة التهديدات، حتى وإن صدرت مواقف تحذيرية رافضة لها في الداخل الإسرائيلي، وحتى وإن كان الرافض هو رأس الهرم السياسي لقيادة المؤسسة العسكرية. المعنى الذي يراد غرسه في وعي الأعداء، في لبنان وسوريا، هو أن ما يصدر من مواقف معارضة أو مشككة أو محذرة من تداعيات مغامرة إسرائيلية كبرى يجري تداولها بين الحين والآخر، لا يعني أنها ستكون قادرة على منع إسرائيل من التنفيذ، إن تعلق الأمر بمصلحة إسرائيلية، مهما كان حجم ومستوى وجهة المعارضة أو التردد، الداخلي في إسرائيل.
مع ذلك، التسريب الإسرائيلي، المبني والهادف إلى تعزيز رواية الاقتدار هي رواية تشوبها ثقوب، بناء على ميزان المعادلات القائمة وواقعها بين الجانبين. التسريب كما جاء أمس، وفي الحد الأكبر والأوسع من أهدافه، هو إفهام الأعداء في سوريا ضرورة الانكفاء قبل أن تتحرك إسرائيل عسكرياً. لكن ما فائدة تهديد بمنع إيجاد وجود عسكري (إيراني) هو في الأساس موجود؟ أو ما معنى منع تسليح الأعداء بأسلحة باتت موجودة بحوزتهم؟ المقارنة والموازنة، بين الحاضر والماضي قبل عشر سنوات، لا تظهران كثيراً من الاشتراك في المعطيات والنتائج والظروف والقدرات.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP