الامام الخميني من الثورة الى الدولة والحضارة
بقي الامام الحميني يمارس جهاده عبر عقود من الزمن دون تراجع في ظل اكبر قاعدة امريكية شهانشاهية في الخليج وفي ظل الصراع القطبي بين محوري الغرب والشرق ( النايتو ووارشوا)، وفي ظل هذا الصراع مارس الامام دوره الجهادي الرسالي دون توقف او تراجع او نكول او نكوص , وسجل لنا التاريخ عدد من الملاحات المهمة نود الاشارة اليها :
1- كان الشاه وابان الثورة وفي بواكير العمل الجهادي يشيع ان الامام الخميني يريد اصلاحات محدودة في الحكم الملكي ويمكن ان يقبل الامام بعدد من الوزارات مقابل توقف الامام عن الثورة وتنتهي حركته ونهضته وتنهي هدفها الاكبر في اقامة الدولة الإسلامية، الا ان الامام بعد خروجه من سجن الشاه القى خطبته المعروفة وحدد الهدف الاكبر بانه لايقبل الا باقامة الحكم الاسلامي، ولا نهاية للثورة الا باقامة الدولة التي يمكن ان تشكل رافعة لجهاد المسلمين في المنطقة، وتمكنهم من استعادة هويتهم ودورهم الاسلامي والسياسي, وانها سوف تكلل جهود الحوزات العلمية والحركات الاسلامية والدماء والشهداء بنموذج الدولة الاسلامية لتشكل لهم فيما بعد ( ام القرى).
2- حينما حل الامام الخميني في النجف الاشرف طرح مشروعه الفقهي الاسلامي واخذ يطرح في بحثه الخارج موضوع ( الحكومة الاسلامية )، ويقدم رويته المستنده الى الفقه في اهمية اقامة نظام (ولاية الفقيه)، وهذا تاسيس وتاطير وثبيت لنظام الحكم الاسلامي وبهذا يكون الامام قد قطع الطريق من النجف الاشرف خلال بحثه على القائلين ان ثورة الامام يمكن ان تنتهي بمجرد اصلاحات محدودة ورسخ في ذاكرة الاجيال وثقافتها انه يتجه بثورته الى اقامة الدولة الاسلامية ولاهدف دونها مهما كانت التضحيات، وبهذا نقل جهاد الشيعة عبر التاريخ من الثورة إلى الدولة .
3- اقدم الشاه على اغتيال ولده السيد مصطفى لثنيه عن الهدف وبث الاحباط في اعماق الامام والامة الاسلامية الثائره الا انه خرج بنفس الليلة دون ان يكون منتكسا ولا منكسرا او باكيا ليعلن ان هدف الثورة: هو الدولة وانتزاع الحكم من الشاه وانهاء الوجود الامريكي من ايران والمنطقة والتاسيس لوجود اسلامي تقوده الحوزات العلمية، وان الحوزات سوف تنتقل بدورها من الدرس والانتاج الفقهي الى مرحلة الحكم وتطبيق الفقه الاسلامي في دولة عادلة.
وهي مرحلة عملية فاعلة تسخر كل طاقات الامة الاسلامية الاقتصادية والفكرية لبنا الدولة الإسلامية والحضارة .
4- حل الامام في ظهراني الامة الاسلامية الايرانية في مقبرة الزهراء قادما من باريس ومن هناك قال ( انا اعين الحكم والحكومة ) فقطع الطريق على السارقين للثورة والمندسين والمتلاعبين الذين يتربصون بالثورة ابتغاء حرفها عن هدفها الذي رسمه الامام لها, وهو بهذا سار وفق روية واضحة من نقطة الشروع الى نقطة الدولة والانتصار وما بعدها .
5- انتصرت الثورة الاسلامية وكان الامام يمكنه ان يكتب ( مسدوة الدستور بيده) ويترك للامة الاسلامية خيار التصويت الا انه ترك الخبراء عبر سنتين من الحوار شهدته شوارع واندية ومجالس طهران، وبرصد من أساسيات كتبها الشهيد الصدر الأول ("معالم الدستور الاسلامي) لتنتج ( عقدا اجتماعيا دستوريا اسلاميا ) لايمكن لفقيه اخر يقول انه اجتهاد يمكن ان يقف قباله اجتهادات اخرى ,او يقال من الغرب انه صادر حق الامة في ان ترسم وتختار دستورها , فاسس الامام دستورا يمازج بين حق الامة القانوني وبين الحق التشريعي، وانتهى الدستور بالتصويت من قبل الامة لتنهض دولة ايران كدولة اسلامية تحت ظل الفقهاء وتسير موحدة وهي مشاركة بصنع مسيرتها ومصير ها، وتشكل هذه التجربة الفقهية القانونية رافعة لنضال الشعوب الاسلامية .
6- تمكنت الثورة من ان تنهض بايران في المجالات العلمية والعملية في الصناعة والزراعة والتطور التكنولوجي والتقني والعمراني والعملي والبحثية، وهذا ما شهدت به مراكز الدراسات العالمية، واكده العدو قبل الصديق، وليس ادل تطورها النووي السلمي وتمكنها من اقناع الراي العام العالمي بحقها عبر حوار شاق.
7- استطاعات ايران الثورة ان تشكل قاعدة للعالم الاسلامي في العراق، والبحرين، واليمن، ولبنان، وسوريا، والبوسنة،والهرسك، وفلسطين، وبذلك كان لها الدور الاكبر في احداث الصحوة الاسلامية لدى الشعوب الاسلامية (سنة وشيعة) في التحرك والنهوض.
ومن هنا نجد ان الثورة في عامها ( 39) تمكنت ان تغير الخريطة السياسية للامة الاسلامية وتجعل الخط المقاوم يحتل مساحة كبيرة ومهمة ومنتصرة بالضد من المشروع الامريكي واذنابه الخليجيين والعملاء في العالم العربي؛ لانها ثورة انتمت الى الشعوب ودفعت بهم ضد الجيوب العملية من الحكام العرب .
8- تمكنت ايران الثورة والدولة ان تتموضع في المحيط الدولي كقوة مهمة هي والخط المقاوم فجعلت الموقف الدولي ( الروس والصين ) لايمكنه وفق المعادلات التي رسمتها الثورة الاسلامية الا الوقوف – وفق مصالحه – بالضد من المشروع الامريكي ووفق نظرية ( التفاعل والاستقواء)، فاحتل المسلمون بقيادة ايران في المنطقة الدور المهم ليكونوا قطبا محوريا ولاعبا أساسيا في المعادلات الدولية والاقليمية.
9- ايران بعد (الثورة) وانجاز (الدولة) تتجه بالمسلمين الى مرحلة( الحضارة والطبية) ولم تتراجع قيد انملة عن اهدافها الاساسية , وتمكنت ان تتجاوز هي والمسلمون كل عوامل الضعف والاحباط وان تقف قوية بوجه التحديات الغربية السلفية والداعشية التي يحركها الخليج بدعم من المخابرات الامريكية التي تريد ثني المسلمين عن دورهم وارجاعهم الى عهد الذل والنكوص والعيش تحت ارادة الاستكبار.
هذه هي ثورة الحوزات العلمية التي حركت ثقافة الشعوب وجعلتهم في حالة الوعي والنهضة والدفاع عن حقوقهم وهويتهم ووجودهم، ولا تراجع (ليحي من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة), و هذه الحقائق لم تكن مجرد حماسيات او خطابات اعلامية بل هي الحقيقة التي تجلت معجزة على الارض تقودها الحوزات العلمية من النجف الاشرف الى قم تمكنت من الحاق الهزيمة بأمريكا والخليج وداعش وحزب البعث.
نعم المسلمون اليوم يمازجون بين الثورة والدولة وأنهم يتجهون بسرعة البرق وبروية واضحة نحو الحضارة الاسلامية . انتهى.