رغم المعوقات الأمريكية والسعودية تظل سوتشي المخرج للأزمة السورية
بعد أن حسم الجيش العربي السوري وحلفائه الحرب في حوالي 72 في المائة من مساحة الأرض السورية ، وبعد أن باتت سلال دي ميستورا الأربع تراوح مكانها في جنيف 7 وجنيف 8 ، جراء الاختلاف في قضية الأولويات ورفض هيئة الرياض منح الأولوية لمكافحة الإرهاب، التي يركز عليها الجانب السوري برئاسة الدبلوماسي المخضرم بشار الجعفري ، تتصرف هيئة الرياض بتوجيه من السعودية والأمريكان بمعزل عن المتغيرات العسكرية والسياسية على الأرض.
فالهيئة العليا للمفاوضات المعارضة، الناجمة عن مؤتمر الرياض المعارضة ، رفضت في مؤتمر فينا الأخير الانضمام لمؤتمر سوتشي ، ودعمت وثيقة واشنطن التي صاغتها كل من واشنطن وباريس ولندن والأردن والسعودية ، وانقلبت عملياً على القرار 2254 الذي يعتبر قضايا الدستور والانتخابات وغيرهما شأنا سورياً داخلياً يتم حلها في إطار الحوار السوري- السوري ، خاصةً وأن هذه الوثيقة تلغي بالكامل السيادة السورية ووحدة الدولة السورية ، وتخضع سورية -كما ذكرت منصة موسكو- للانتداب الأمريكي عبر مظلة أممية شكلية ، عبر بنودها المتعلقة بشطب دور الرئيس وصلاحياته ، ومنح الصلاحيات بشكل كامل لرئيس الوزراء ، وفرض الإشراف على الانتخابات وترتيباتها من الأمم المتحدة ، وكذلك تركيزها على تقسيم سورية من بوابة اللامركزية وبرلماناتها.
والمعارضة المزعومة بموقفها الرافض للانضمام لمؤتمر سوتشي ، إما أنها منفصلة عن الواقع ، أو أنها تراهن على الدور الأمريكي من جديد بعد أن أعلن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بأنه بصدد تشكيل قوات أمنية ” حرس حدود” من قوات سورية الديمقراطية قوامه 30 ألف جندي ، وبعد أن كشفت وزارة الدفاع الروسية أن القوات الأمريكية تقوم بتدريب مجاميع مسلحة أمثال قوات أحمد العبدو وأسود الشرقية وجيش سورية الجديد، في قاعدة التنف لشن عمليات ضد الجيش السوري وحلفائه في الشرق والشمال السوري ، ولتنفيذ عمليات عسكرية في مختلف المدن السورية.
لكن هذه المعارضة تتجاهل حقيقة أن المجاميع التي يجري تدريبها في قاعدة التنف في مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية، هي مجاميع ارتزاق بدوية لا هوية وطنية أو أيديولوجية لها، وسبق وأن جربت في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية في محيط السويداء، وفشلت أيما فشل بعد أن تمكن الجيش العربي السوري وحلفاؤه من القضاء على العديد من عناصرها.
كما أن هذه المعارضة ، تتجاهل حقيقة أن الأمريكان في دعمهم للأكراد في وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سورية الديمقراطية ، إنما تستخدمهم كورقة سياسية إذا أمكن في محاولة متأخرة لحجز مقعد في قطار التسوية ، ناهيك أن الأمريكان قد يتخلوا عن الأكراد إذا ما أدركوا أن تركيا حسمت موقفها باتجاه التحالف مع موسكو على حسابهم وعلى حساب حلف النيتو.
المعوقات الأمريكية لمؤتمر سوتشي ممثلةً بورقة واشنطن التي وصفها بشار الجعفري –باللاورقة -وبمنع هيئة الرياض من المشاركة في المؤتمر، وبتدريب مجاميع مسلحة في قاعدة التنف ألخ كلها لن تؤثر على نجاح المؤتمر ومسار عمله ، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المتغيرات السياسية والعسكرية على الأرض.
فالمتغيرات السياسية على الأرض تخدم مؤتمر سوتشي من الزوايا التالية :
أولاً : أن القوى الدولية والإقليمية الفاعلة سياسياً في الأزمة السورية، وهي روسيا وإيران وتركيا متفقة عملياً على إنجاح مؤتمر سوتشي ، حيث جرى ترتيب ضمانات النجاح في اللقاء الذي جمع كل من بوتين وروحاني وأردوغان في سوتشي بتاريخ 22-11- 2017 ، بما في ذلك بذل الجهود لتحفيز الدول الأخرى للانضمام للعمل على إعادة إعمار سوريا.
ثانياً : أن حضور المبعوث الأممي لسورية ستيفان دي ميستورا، لمؤتمر سوتشي بناء على توجيه من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غونتيرش، وفر الغطاء الأممي لأعمال المؤتمر.
ثالثاً: أن كم القوى والشخصيات والفعاليات التي وجهت إليها الدعوة لحضور سوتشي والتي تمثل شرائح واسعة من الشعب السوري (1500) شخص، يعطي أهمية نوعية واستثنائية للمؤتمر، ويسحب البساط بشكل كبير من تحت أرجل الهيئة العليا للمعارضة المزعومة، خاصةً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن العديد من قيادات المعارضة قررت الحضور بشكل شخصي، وأن الفصائل المسلحة التي تتكئ عليها في سورية ، باتت في حالة يرثى لها سواءً في الغوطة أو في ريف حلب الشمالي والجنوبي وفي محيط مدينة إدلب بعد الانتصارات الكاسحة للجيش العربي السوري وحلفائه وتحريره مطار أبو الظهور .
كما يجب الإشارة إلى مسألة هامة ، ألا وهي أن الرئيس بوتين حتى قبل صدور ورقة واشنطن، لم يكن بوارد دعوة وفد الهيئة العليا لمؤتمر سوتشي، في حال إصرارها على البيان الذي صدر عنها عشية ” جنيف8″ الذي اشترطت فيه تخلي الرئيس الأسد عن الحكم كشرط للاستمرار في المفاوضات.
وهذه المعارضة عندما تقاطع مؤتمر سوتشي ، تنفيذاً لإملاءات أمريكية وسعودية فإنها تخرج نفسها من أية إجراءات وترتيبات وقرارات تتعلق بمستقبل سورية ، خاصةً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مؤتمر سوتشي – وفقاً لتصريحات الرئيس فلاديمير بوتين -سينظر في القضايا المحورية للأجندة الوطنية العامة في سوريا، وخاصةً تلك التي تتعلق بوضع معايير لهيكل الدولة السورية المستقبلية، وتبني دستور جديد، وعلى أساسه إجراء انتخابات بمراقبة من قبل الأمم المتحدة ، وذلك بناءً على موافقة القيادة السورية على مبادئ الحل السلمي للأزمة السياسية، واستعدادها لإجراء الإصلاح الدستوري، وانتخابات حرة بإشراف أممي.
رابعاً: أن التباينات ما بين روسيا وإيران من جهة وبين تركيا من جهة أخرى في مسألة عفرين قد جرى حلها لجهة غض روسيا وسورية وإيران النظر عن عملية الجيش التركي في منطقة عفرين في سياق تكتيكي محدود،خاصة بعد أن رفض حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وذراعه المسلحة ” وحدات حماية الشعب الكردية” دخول الجيش العربي السوري لمدينة عفرين .
ولا يغير من واقع صورة الوضع بيان الحكومة السورية الذي يعتبر دخول الجيش التركي لمنطقة عفرين بمثابة عدوان وانتهاك للسيادة السورية ، ولا تصريح نائب وزير الخارجية السوري الدكتور فيصل المقداد قبل أسبوع، “بأن الدفاعات الجوية السورية أصبحت في وضع يمكنها من إسقاط الطائرات التركية إذا ما دخلت الأجواء السورية” ، فهذا البيان وذاك التصريح ينتميان لفترة ما قبل رفض الاتحاد الديمقراطي الكردي دخول الجيش العربي السوري لمدينة عفرين ، وما يؤكد ذلك انسحاب قوات الشرطة العسكرية الروسية من عفرين وانتقالها إلى مناطق تل رفعت المجاورة .
خامساً: أنه من واقع المعطيات الأرض – خاصةً بعد تحرير مدن الشرق السوري ومئات القرى في مختلف أرجاء سورية من سيطرة المسلحين- فإن معارضة مؤتمر الرياض والمجاميع المسلحة ،باتت تفتقد للحواضن الشعبية ، بعد أن ذاق أبناء هذه المدن والقرى الأمرين من سلوك هذه المجاميع ، وبعد أن أدركوا أن مسلسلات جنيف تراوح مكانها جراء ارتهان معارضة مؤتمر الرياض للسعودية وواشنطن ، وأصبحوا ينظرون لمؤتمر سوتشي بمثابة طوق نجاة وخشبة خلاص من المأساة التي يعيشون بها.
وعلى الصعيد العسكري الميداني فإن ميزان القوى يميل بشكل كاسح لمصلحة الجيش العربي السوري وحلفائه ، والمعطيات على الأرض تخدم مؤتمر سوتشي من الزوايا التالية :
أولاً : أن اتفاقات خفض التوتر ، التي جرى الاتفاق عليها في مؤتمرات أستانة بالتنسيق مع تركيا والتي جمدت القتال بين الجيش العربي السوري وحلفائه وبين بقية الفصائل المسلحة- المسماة معتدلة – في مختلف الجبهات ،سهلت مهمة الجيش العربي السوري وحلفائه للتفرغ لتحرير الشرق السوري من تنظيم داعش الإرهابي.
ثانياً : تمكن الجيش العربي السوري وحلفائه ، بعد هزيمته لتنظيم داعش في الشرق السوري ، من تحرير ما يزيد عن مائة وثلاثين و بلدة في ريف حماة الشمالي وفي ريف إدلب الجنوبي والريف الجنوبي والجنوب الشرقي لمدينة حلب ، وصولاً لتحريره مطار أبو الظهور وانتزاعه من أيدي تنظيم جبهة النصرة الإرهابي وحلفائه من أحرار الشام وغيرها من الفصائل ، ما يجعل من مدينة إدلب الهدف المركزي القادم للجيش العربي السوري وحلفائه ، وبانتظار اللحظة السياسية الملائمة.
ثالثاً: تمكن الجيش العربي السوري وحلفائه من تحقيق انتصارات إستراتيجية في جبهة الجولان ، ، وقد تمثلت هذه الانتصارات بشكل رئيسي بتحرير بلدة بيت جن، آخر معاقل المسلحين في غوطة دمشق الغربية و، بعد مائة يوم من المعارك الضارية، أفضت إلى استسلام مسلحي المنطقة رغم الدعم الكبير الذي كانوا يحصلون عليه من جيش العدو الصهيوني، ومطالبتهم بالتفاوض للخروج ، ما يعني سقوط المشروع الإسرائيلي” المنطقة العازلة” قرب خط الهدنة بالجولان، يضاف إلى ذلك أن بقية الفصائل المسلحة والتكفيرية في الغوطة الشرقية باتت محاصرة بشكل كامل ولا أفق أمامها لاحقاً سوى الاستسلام، أو تسوية أوضاعها على طريقة المسلحين في بيت جن.
رابعاً :أن عدداً كبيراً من الفصائل المسلحة – المسماة معتدلة- والتي باتت تحمل اسم جيش سورية الحر- وكذلك المجاميع المسلحة الإرهابية الأجنبية من تركستان وأوزبكستان وطاجيكستان والشيشان ، ومن قومية الإيغور الصينية ، خرجت في هذه المرحلة من معارك محيط إدلب ، لتشكل رأس حربة للجيش التركي في الهجوم على عفرينٍ ، ما يسهل مهمة الجيش العربي السوري من المضي في حملته العسكرية لتحرير محافظة إدلب من سيطرة الإرهابيين.
خلاصةً : فإن النجاحات في ميدان القتال- كما صرح الرئيس بوتين – هي التي تعجل تحرير كامل أراضي سوريا من قبضة المسلحين، وتفتح مرحلة جديدة نوعية في تسوية الأزمة بشكل عام”.
والجيش العربي السوري وحلفائه الذي حقق انتصارات كاسحة على الأرض بدعم هائل من روسيا ضد الفصائل المسلحة التكفيرية وغيرها المسماة ” معتدلة” سواء في جبهة الشرق وجبهة الجنوب ، سيستثمر هذه الانتصارات باتجاه إنجاز مشروع حل أولي للأزمة السورية في سوتشي، يحفظ وحدة سورية وسيادتها وثوابتها الوطنية والقومية ، دون تنكر لقضية الانتخابات والإصلاح الدستوري، في ضوء قناعة تشكلت لدى النظام السوري وحلفائه بأن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ستصب في مصلحة النظام وثوابته الوطنية والقومية .