قراءة علمية للاحداث الاخيرة: "فتنة الحرس".. ووعي القيادة الايرانية!
انتهت سريعاَ الفتنة التي انطلقت في ذكرى وأد فتنة 2009.. فتنة ركبت موجة الاحتجاجات المطلبية التي بدأت من مدينة مشهد بتاريخ 30 ديسمبر (2017) لكن المذهل فيها - كما سيتضح ـ دقة قراءتها من قبل القيادة الايرانية ومعرفة اهدافها وغاياتها...
سوف أبدأ من هذه النقطة التي تعطينا قراءة عامة وسريعة للحدث.. تری لماذا لم يتدخل حرس الثورة وقوات التعبئة (البسيج) التابعة له في قمع أعمال الشغب رغم استهداف افراده ومقراته، ورغم التحريض الغريب وغير المسبوق ضده من القنوات الأميركية التي تسمي بـ"المعارضة"؟!
ألم يهدد أحد الاعلامين المرتزقة ـ من بلاد العم سام ـ بحرق عوائل وأسر وأبناء وزوجات عناصر الحرس والبسيج ومن أمام شاشة التلفزیون... والغریب ان هذا الشخص الذي كان مقدماً في التلفزیون الإيراني هرب من ایران بسبب فضائح مالیة.. والأكثر غرابة ان أخاه لایزال یعمل في التلفزیون الإيراني كمقدم برامج؟!!
أعود الی مسالة عدم تدخل حرس الثورة الاسلامیة وإلقاء المهمة على عاتق قوى الأمن الداخلي (الشرطة) وتأكیده أكثر من مرّة علی عدم التدخل والاكتفاء بالمراقبة، في حین ان الحرس مسؤول دستوریاً بالحفاظ علی الثورة ومكتسباتها، خاصة مع اتضاح ان الشغب أو بتعبیر أدق، الاستفزازات المشاغبة، كانت تستهدف النظام والثورة ولم تكن قضایا مطلبية ومجرد احتجاجات علی الوضع الاقتصادي..
أعتقد ان القیادة في الجمهورية الاسلامیة ومن خلال قراءاتها المستمرة ومتابعاتها ومراكزها البحثیة وأجهزتها الاستخباریة، قرأت الحدث بشكل جید وبدقة كبیرة.. لقد كان الهدف باختصار "تجریم الحرس الثوري ووصفه بقرار أممي بعنوان الارهاب".. لاستكمال محاصرة القوی الثوریة والتحرریة والمقاومة وفسح المجال للارهاب والانظم الداعمة له...
ومن أجل الوصول الی هذا الهدف، نشاهد مقدمات كبیرة وكثيرة جری تهيئتها، منها: تصاعد موجة الحدیث عن "التدخل الإيراني" في شؤون المنطقة من قبل الاعلام والساسة في الغرب والبلدان الرجعية العربية.. هذا التدخل الذي لابد ـ في الحقيقة ـ أن تكافأ علیه إیران لا أن تحارب ويجري استعداءها.. فقد شاركت إيران الجمهورية الاسلامية في القضاء علی أهم قوة الارهابیة هي نتاج أميركي ـ رجعي، وأقصد بها "داعش" التي كانت تهدف الى تدمیر كل المنطقة بما فيها الدول الممولة لها!!
لم تتوقف ایران عند الدعم التسلیحي والاستشاري، بل قدمت دماء أبناءها ورقابهم علی مذبح الدفاع في وجه الارهاب الصهیو- تكفيري.
الأمر الآخر تسلیط الضوء علی موضوع الصواریخ البالستیة الإيرانية واعتبارها تهدیداً للأمن الدولي وأنه یتعارض مع روح الاتفاق النووي، الذي كانت أميركا وبعض الدول التابعة لها أوّل من أخلّ به ولم یلتزم ببنوده.. هذه الصواریخ التي یتولی حرس الثورة الإسلامية بالدرجة الأولی مهمة تطویرها واختبارها...
وتبعاً لهذین الأمرین أي "التدخل" و "الصواریخ" شنّ الاعلام الأميركي والرجعي العربي حملة واسعة لالصاق الصواریخ البالستیة الیمنیة بالحرس الثوري وایران.. وفي ذلك اتخذت أميركا والسعودیة ومن لفّ لفهمّ مواقف سیاسیة معروفة.
هذا كله في جوّ اعلامي ضاغط یحاول شیطنة المقاومة وفرض وصمها بـ"الارهاب" من أجل ارعابها وشلّ قدراتها، بعد ان استطاعت افشال المشروع الصهیو ـ وهابي في العدید من بلدان المنطقة.
هذه الأجواء لم یرعب القیادة الإيرانية ابداً ولم یمنعها من متابعة استراتیجیتها وسیاساتها المبدئیة.. فكان الاتصال التاریخي بین اللواء حاج قاسم سلیماني قائد قوات القدس في حرس الثورة الاسلامية وقادة فصائل المقاومة المسلحة في فلسطین المحتلة (كتائب القسام وسرايا القدس)، ونُشر الخبر في الاعلام!!
أرجع إلی ما سوف أطلق علیه مجازاً بـ"فتنة الحرس !!". لأن المستهدف فيها كان حرس الثورة الاسلامية.. ولنقرأ بعض فصولها بسرعة وعلی سبیل الفتوی!:
1. ألصقت القوی المشاغبة نفسها بالإحتجاجات المطلبیة بسرعة لكنها.. لم تستطع الإندماج معها.. لذلك بقيت قلیلة محدودة ومتمایزة حتی عن المحتجين علی الوضع الاقتصادي.
2. سرعة إستخدام العنف والسلاح حتى وإن بدی أحياناً بأسلحة تقلیدیة مع عدم ثبات في استراتیجیة إدارة الفتنة.. فبعد فشلها في طهران توجهت إلی النسخة اللیبیة أي الضغط من الأطراف نحوالمركز!!.. وذلك لتبریر إستخدام السلاح المتوفر عند العشائر، كما هوالحال في كل البلدان.
3. الإصرار علی إستهداف حرس الثورة وعناصر البسیج ـ وهم معرفون ففي كل مسجد هناك مركزاً للتعبئة (البسیج) وقوات الحرس مثل كل القوات المسلحة الرسمیة معروفة ومعنونة - رغم أن الحرس أعلن عدم تدخله في مواجهة الشغب!!
لقد كان هناك قرار فتنوی من خلال مجموعات "القمصان البيضاء" التي تشابه مجموعات "الخوذ البيضاء" الارهابية في سوريا، بجرّ الحرس إلی المواجهة ومن ثم استكمال المخطط في مجلس الأمن "الدولي".. وكانت هناك قراءة دقیقة وواعية في الجانب الآخر!!
اختم بقضیة مهمة للغایة، وهي أن البصیرة ووضوح الرؤیة في قراءة الأحداث واستشرافها یشكل أساس معالجتها وافشال المؤامرات المقصودة من وراءها.. وهذا ما یمیزّ الیوم مواقف وقراءات محور المقاومة الممتد من طهران حتی بیروت وغزة وصنعاء، مروراً ببغداد الحشد الشعبي ودمشق...