عن صفقة الخروج الآمن في السعودية
لا أعرف، هل السلطات السعودية لا تثق كفايةً بالمحاكم لديها لإنجاز ملف الأمراء المعتقلين على ذمة قضايا فساد في الوقت المناسب لها، ولذا راحت تتفاوض مع هؤلاء بعيداً عن أروقة المحاكم ودور القضاء.
ولا أعرف السر وراء محاولة السلطات إنجاز هذا الملف الشائك بشكل سريع، هل بسبب الحرج الذي تعرضت له الحكومة داخليا وخارجيا، خاصة في هذا الوقت الحرج من تاريخ المملكة، أم بسبب الوضع الأدبي والمالي للمعتقلين، كونهم من الأمراء والوزراء الحاليين والسابقين، أم بسبب حاجة الموازنة السعودية السريعة والملحة لمليارات الدولارات لتغطية العجز المالي البالغ 51 مليار دولار عن العام الجاري 2017 والإنفاق المتزايد على حرب اليمن، وتمويل المشروعات الاستثمارية الجديدة مثل "نيوم" وإخوته؟ خاصة أن التسريبات تتحدث عن أن المبالغ التي يمكن جمعها من التسويات الجارية مع الموقوفين قد تصل إلى 300 مليار دولار، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف المبالغ التي تم اختلاسها.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يُجري حاليا تسويات مالية مع الأثرياء المعتقلين من الأمراء والوزراء مقابل إطلاق سراحهم، حسبما ذكرت صحيفة " فايننشال تايمز" البريطانية قبل يومين، وبالتالي يصبح السؤال المطروح هنا: ما الهدف الحقيقي من هذه الخطوة، هل السلطات السعودية في عجلة من أمرها؟
وما هو الحال لو برأت المحاكم السعودية ساحة وذمة هؤلاء الموقوفين من تهم الفساد المنسوبة إليهم في وقت لاحق ربما يكون بعد سنوات، هل ستعيد لهم السلطات الأموال التي حصلت عليها تحت ضغط السجن والاعتقال والإهانة والضرب والتعذيب كما ذكر موقع "ميدل إيست آي"، وماذا لو لجأ هؤلاء الموقوفون إلى المحاكم الدولية في وقت لاحق وعقب مغادرتهم البلاد في محاولة منهم لتبرئة ساحتهم من تهم بشعة مثل غسل الأموال وتقديم الرشى لمسؤولين حكوميين وإتمام المناقصات الوهمية مع الدولة والاستيلاء على أموال الخزانة العامة؟
السلطات السعودية في مأزق، ومثلها المعتقلون، فالسير في إجراءات التفاوض الحالية وموافقة الأمراء والوزراء على التسوية المالية مقابل الإفراج الآمن عنهم، يعني ضمنيا اعترافهم بالتهم المنسوبة إليهم، وهذا وحده كفيل بتدمير سمعتهم الشخصية وسمعة استثماراتهم، بل ويمثل لهم حرجاً شديداً في الخارج، خاصة أنهم يمتلكون استثمارات بمليارات الدولارات في أسواق المال العالمية، وبعض هذه الاستثمارات موظفة في قطاعات حساسة مثل البنوك والأعمال المالية والطيران والسياحة وغيرها، أما في حال عدم موافقة رجال الأعمال والأمراء على التسوية المالية، فإن هذا يعني تعقد المشكلة، فحبال المحاكم طويلة وقد تمتد لسنوات، وبالطبع فإن وجود هؤلاء داخل السجون قد يلحق أضراراً كبيرة بأنشطة شركاتهم في الداخل والخارج.
الوضع معقد من الناحية الاقتصادية والمالية أكثر من الناحية السياسية، فمناخ الاستثمارات داخل المملكة بعد اعتقال الوليد بن طلال وصالح كامل وبكر بن لادن ووليد آل براهيم وغيرهم من الأمراء والوزراء وكبار رجال الأعمال لن يكون كما هو الحال قبل الاعتقالات، ومقولة إنه من المستحيل مصادرة أموال وتأميم مشروعات في السعودية ذهبت أدراج الرياح، ومن أحضر عفريتاً مسؤول عن صرفه.