ما يحصل في السعودية.. مكافحة فساد أم أكبر عملية سطو في تاريخ البشرية؟
أعتقد أن كثير من العرب وأنا واحد منهم لم يتعرفوا على شخصية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلا من خلال تغريدته الشهيرة التي أصدرها بداية خوضه للانتخابات، والتي قال فيها أن السعودية بقرة حلوب إذا جف ضرعها سنذبحها. بالإضافة إلى بعض التغريدات حول السعودية طوال فترة السباق الانتخابي لمح في بعضها إلى تورط السعودية في تغذية الأفكار الإرهابية ونشر التطرف حول العالم… أحدثت هذه التغريدة التكهنات حول مستقبل حكم آل سعود فيما لو وصل الرئيس المثير للجدل إلى سدة الرئاسة،حينها كانت أكثر التوقعات لكبار المهتمين بالشؤون السياسية تتفق حول فكرة ملخصها أن حكم آل سعود سيصطدم مع توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة،خصوصاً مع إقرار الكونغرس في نهاية عهد أوباما قانون “جاستا” وأن هذا القانون هو العصى الغليظة التي تمهد بها الولايات المتحدة لملاحقة الدول الراعية للإرهاب، وبدء المحاكم الأمريكية في قبول بعض الدعاوي للمتضررين من أحداث ١١ايلول ٢٠٠١م. بمعنى أن “حلب البقرة السعودية” —وهو ما سنطلق عليه المفهوم الترامبي — سيكون بطريقة صدامية من خلال استغلال كافة الملفات التراكمية وعلى رأسها ملفي “الإرهاب و حقوق الإنسان” وملاحقة النظام السعودي أمام المحاكم بغرض استنزاف الحزانة السعودية “إلى أن يجف ضرع البقرة ثم ذبحها” بينما البعض الآخر كان يرى أن ترامب الآتي من دهاليز التجارةوالمال سينفذ وعده الترامبي “بحلبها” ليس بطريقة صدامية وإنما بعقلية تجارية نابعة من المبدأ الامبريالي الشهير العرض مقابل الطلب ،وقائمة على تحقيق أكبر كسب شخصي لمراكمة ثرواته دون ارتكازه على السعودية كحليف قوي والبحث عن حلفاء جدد في الشرق الأوسط كتركيا.
كل هذه التكهنات كانت تدور أثناء فترة الانتخابات الرئاسية فيما لو فاز ترامب وازدادت حدتها بالأيام الأولى من انتخابه.
ما حدث كان مفاجئاًتماماً، فترامب يختار السعودية من أوائل الدول لزيارته الخارجية، أسفرت زيارته تلك عن عودته محملاً من الشرق بما يقدر ب ٤٥٠مليار دولار ،وهي الصفقة التي أطلق عليها “صفقة القرن”.
ظهر ترامب خلال زيارته مع ملك السعودية والسيسي وهم يضعون أيديهم على بلورة بيضاء تحمل خارطة العالم ،يبدو أن هذه الصفقة فتحت معاني واسعة للمفهوم الترامبي بحيث صار يفهم منه ثروات الخليج بشكل عام. غادر ترامب السعودية فتفجرت الأزمة مع قطر، حسب اعتقادي أن هذه الأزمة جوهرها الإستيلاء على أموال قطر من الغاز، وغيرها من الصناديق السيادية الخاصة بها لكن قطر إلى الآن استطاعت أن تقاوم بشكل معقول هذا الابتزاز، أيضاً لا ننسى ماتعرض ويتعرض له اليمن من سطو على مقدراته وأمواله منذ قرار نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن، فكل مواقع النفط و الموانئ اليمنية -عدا ميناء الحديدة- يعود ريعها إلى خزانة آل سعود، بينما حكومة الفنادق يكتفى بإعطاءها مصروف جيب ونفقات الإقامة الفندقية داخل الرياض والتنقلات أومايقدمه مايسمى مركزالملك سلمان من مساعدات تمثل الفتات بما يحصل عليه سلمان وابنه من أموال طائله. لم يكتف بهذا القدر من الثروات بل توسع الأمر إلى السطو على أموال أثرياء عرب تقدر ثرواتهم بتريليونات، على رأسهم الوليد بن طلال ورجل الأعمال العمودي ورجال أعمال ووزراء يصل عددهم إلى أكثر من مائة شخصية بعد إعلان مايسمى “هيئةمكافحة الفساد” والتي تقدر مجموع ثرواتهم بحسب بعض التقديرات إلى عشرات المليارات.
البعض ربط هذه الخطوة في الصراع داخل الأسرة الحاكمة على الحكم،قد يكون ذلك صحيحاً بالنسبة لوزير الدفاع متعب بن عبد العزيز وبعض الشخصيات السياسية العسكرية داخل الأسرة لكن هذا الهدف -حسب اعتقادي- ثانوي، وأن الهدف الرئيسي هو تمرير أكبر عملية سطو في تاريخ البشرية بين ترامب ومحمد بن سلمان للسطو على مليونيرات العرب، إذ أن كثير من الشخصيات هم مليونيرات من خارج الأسرة الحاكمة .
حقيقة الأمر ان هذا “السطو” على اموال المليونيرات العرب لم يكن ليحصل لولا اتفاق مسبق مع ترامب الذي اعتبر هذه الخطوة جريئة وأنها خطوة في الطريق الصحيح إذ يرى بحسب تغريدته أن بعض الأمراء نهبوا ثروات بلادهم وحان الوقت لمحاسبتهم —حد زعمه— . مستغلاً ظرف محمد بن سلمان الشاب الثلاثيني الذي يعيش في عالم من الخيالات وأوهام المشاريع العملاقة كمشروع “نيوم ” بالإضافة إلى أنه عديم الخبرة في سياسة الأمريكان ،إذ كان عليه الإتعاظ من مصير بارزاني وحسني مبارك وبن علي وغيرهم كُثر ممن وجدوا انفسهم ضحية لها .
خلاصة القول ما يحصل في السعودية ليس مكافحة فساد وأنما تنفيذ للمفهوم الترامبي ،وهو أكبر عملية سطو في تاريخ البشرية، بتجميع الحليب من جميع الأبقار إلى ضرع بقرة واحدة ليسهل بعد ذلك ذبحها بعد أن تجف.
لكن هذا الجفاف بإعتقادي سيكون مكلفاً للمنطقة بكلها؟
فإذا كانت سياسة جورج بوش الإبن استنزاف ثروات المنطقة وعلى وجه الخصوص دول الخليج بحجة تخليصهم من شبح صدام حسين وإسقاط نظامه … ثم في عهد أوباما استنزافهم بدعم الحركات الطائفية في العراق وسوريا بوهم تمكينهم منها،وإسقاط نظام الأسد تحديداً.
فأن المفهوم الترامبي استنزاف ثروات المنطقة بعد تجميعه إلى “ضرع واحد” ، وهو ما سيخلق أزمات اقتصادية حادة في المنطقة فهناك دولتان قيد الحصار اليمن ، وقطر، وفي الأفق أزمة في دولة ثالثة وهي لبنان، ومن يعلم لعل سلطنة عُمان والكويت تلحقان …أما بقية الدول فأما أنها مطحونة مالياً نتيجة الحروب كالعراق وسوريا وليبيا أو تعاني من أزمات مالية مزمنة كمصر وتونس والجزائر.