قبل 7 سنە
توفيق رباحي
497 قراءة

السعودية في السجن!

بعد أن زجّ برموز دينية وثقافية في السجون عقابا لها على صمتها إزاء الأزمة مع قطر، أو انزعاجا من تأثيرها الشعبي، مضى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خطوة أخرى، أكثر جرأة ومخاطرة هذه المرة، فأمر بإيقاف رموز اقتصادية ومالية وإدارية، اعتُبرت، إلى عهد قريب جداً، مفخرة السعودية والسعوديين. أبرز هاته الوجوه الأمير الوليد بن طلال، ووزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله، ورئيس الديوان الملكي السابق خالد التويجري، وعادل فقيه وزير الاقتصاد السابق.
بهذه القرارات، يكاد لا يبقى أحد خارج دائرة الشبهة. أمست السعودية بلا رموز. وبهذا المنطق، حقّ التساؤل هل كانت السعودية بلا رجال نزهاء، إلا ولي العهد ووالده؟ وانسياقا مع هذا المنطق، لم يعد في السعودية رجل يستحق أن يبقى طليقا..
ما أقبل عليه وليّ العهد السعودي خطير لأنه ينطوي على قدر كبير من التهور واللامسؤولية. كما يكشف عن تسرع وعجلة في الوصول إلى نتائج غير مضمونة. 
أخطر ما فيه أيضا أنه يتضمن قدرا من الانتقام لا يمكن إغفاله، على الرغم من جرعة الصدق التي يمكن افتراضها في نوايا وليّ العهد وفريقه. أما أسوأ ما في الموضوع أن هذه الحملة الشرسة، تمت بلا شفافية وبلا شجاعة سياسية وبلا حنكة إدارية، وبلا ذكاء في الحكم. مثلها مثل الحملة السابقة التي طالت رجال دين ومثقفين اعتُبروا يوما ما سنداً أساسيا لأهل الحكم في السعودية. هذا ما يفسر ألاَّ أحد، داخل السعودية وخارجها، يعرف التهم الموجهة للموقوفين، سواء من المنتسبين للدفعة الأولى أو إلى دفعة السبت الماضي. ولا أحد يعرف بدقة أين هم ومن يحقق معهم.
مَن الذي أوحى للرجل بهذه الحرب الداخلية وهو الغارق في حروب إقليمية لن يخرج منها بسهولة وسلام؟
ما من شك أن هناك تشجيعا أمريكيا، مستوحى من «الترامبية» (نسبة للرئيس ترامب) على المضي في «الإصلاح» بكل هذه الجرأة.
يبدو بن سلمان في حربه الداخلية تلك مدفوعا بعوامل ذاتية ونفسية، أكثر منها سياسية وموضوعية. لا يكاد يخفى أن الرجل مدفوع بهوس السلطة وفي عجلة من أمره للوصول إلى أعلى هرمها. يريد أن يتسلم العرش من والده وقد خلت الأجواء له وحده من دون صوت مختلف، على الرغم من خلو السعودية من أيّ أثر لمعارضة علنية بالمفهوم المتعارف عليه في دول غير السعودية، وعلى الرغم من «البيعة» والثقة المطلقة التي ورد في الإعلام السعودي أن الرجل حققها لنفسه. 
يتقاطع الهوس بالسلطة والعجلة في الوصول إليها مع تفاصيل نفسية ومزاجية أخرى في شخصية وليّ العهد، مثل غياب الثقة في النفس والخوف من الفشل. يصعب العثور على تفسير خارج هذا العنوان لما يقوم به الرجل. 
هذا الجواب تدعمه مواقف مرّت على الناس مرور الكرام، مثل قول بن سلمان «لن نضيّع ثلاثين سنة أخرى في جدال ديني، وهؤلاء (المتشددون دينيا) سندمرهم فورا فورا فورا»، وفي مقام آخر أن «الأزمة مع قطر صغيرة جداً جدا جدا». ألا يدعو هذا إلى التأمل في شخصية الرجل وطريقته في النظر إلى الشأن العام؟
الرجل الذي يريد الخروج بالمملكة من عصورها الوسطى، يقول ويفعل ما يعرقل هذا الخروج، ويتخذ قرارات تنمّي الشك في صدق نواياه وقدراته وحتى رصانته.
لا يمكن أيضا إغفال العامل الخارجي. ما من شك أن ولي العهد السعودي شديد الاهتمام بصورته، وشديد الحرص على نقائها أمام الرأي العام الغربي وقادة العالم. فحملة الاعتقالات هي جزء من خطة الإصلاح التي يريد فرضها في البلاد، ومن خلال اعتقال تلك الأسماء البارزة يريد إرسال رسائل عدة مضمونها ألاَّ شيء يحول دون خطتي، ولا أحد فوق سلطتي، ولا حصانة لأحد مهما علت رتبته وكبر نفوذه. 
ومضمون الرسالة الموجهة إلى الغرب هي أن «أنا صادق، فساعدوني بعد أن أمضيتم زمناً تكيلون للسعودية الاتهامات بنشر التطرف الديني والإرهاب». لكن على الفور يبدو هذا الغرب مستمتعا بهذه الحرب الداخلية، غير داعم لها وغير قلق منها، ينتظر ما ستؤول إليه. 
حتى وإن تأكد أن الموقوفين ضالعون في قضايا فساد وسرقات وسوء تسيير، الطريقة الاستعراضية والانتقائية التي تتم بها معالجة الموضوع تخلو من الحكمة وتحمل في طياتها بذور فشلها، بل انقلابها على أصحابها. 
الوجه الآخر للعملة يأتي في صيغة تساؤل: من سيحاسب بن سلمان على تسييره؟ علما أن ما تسرب عنه لا يبشر بعبقرية أو طُهر، فالرجل وافق على «استثمارات» بـ45 مليار دولار (من المال العام) في جلسة مع مدير مصرف ياباني استمرت 45 دقيقة. وقبل سنة انتشرت أخبار ـ لم تُكذَّب ـ عن شرائه يختا من رجل أعمال روسي بـ500 مليون دولار في ذروة ضائقة مالية كانت تعيشها السعودية، ولا تزال.قبل نحو شهرين كتبت مجلة «نيوزويك» الأمريكية أن أولى خطوات الإصلاح أن يتعلم الحكام والأمراء في السعودية التفرقة بين المال العام وأموالهم الخاصة. اليوم يجب إضافة أن على السعوديين أن يعلموا ويتعلموا أن التاريخ لا يحفظ في دفاتره نجاح تجربة انتقال من النقيض إلى النقيض بمثل السرعة التي تجري بها الأمور في السعودية.

٭ كاتب صحافي جزائري

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP