قبل 7 سنە
د. عبد اللطيف عمران
539 قراءة

البعث السورية: ” نظرية المؤامرة ” والتفكير النقدي

واكب العدوان على سورية حجم هائل من الأبحاث والمؤلّفات والمؤتمرات … إلخ في أربع جهات الأرض حول إشكاليات هذا العدوان العديدة والمتنوعة، والتي سُخّرت لاستمراره وتشظّيه القدرات الكبيرة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وفكرياً.

 
في هذا المعترك الدولي الكبير صمدت الدولة الوطنية، بمؤسساتها الراسخة وبقائدها الحكيم والشجاع، صموداً هو تحصيل الحاصل، إذ يخطئ من لم يكن يتوقعه حقيقة ويقيناً، رغم وحشية العدوان والمعتدي، وضراوة الحرب، وفداحة الخسائر في البنى الفوقية والتحتية.
ولهذا الصمود التاريخي أسباب، من أهمها:
< يعرف السوريون شعباً وجيشاً وقائداً أن بلادهم كانت ولازالت وستبقى قلعة للوطنية وللعروبية، وهم متمسكون بفخر بهذه الميزة المكلفة، ويعرف الشارع العربي والشرفاء في العالم هذه الحقيقة، ما سيؤدي بالنتيجة إلى أن نكون هدفاً  دائماً لأعداء الوطن والأمة الذين لابد أن يضعوا خططاً معلنة، ومضمرة أحياناً، لاستهداف هذه القلعة من الداخل ومن الخارج.
في سنوات العدوان السبع اشتعلت الميديا ومراكز الأبحاث بتناقض الآراء حول أسباب الحرب في سورية وعليها، وتراوحت بين فكرتين أساسيتين الأولى نظرية المؤامرة، والثانية قصور العامل الذاتي.
< وإذا كان أغلب السوريين يدركون وجود مؤامرة فإنهم لايركنون إلى “نظرية المؤامرة” conspiracy theory ، وهم يعرفون أن من يلجأ إلى هذه النظرية عادة ما يعجز عن تفسير الأسباب من جهة، وعن معالجة هذه الأسباب من جهة ثانية، وهي مرتبطة بأعراض نفسية تنطلق في أغلب الأحيان من البلادة الذهنية، ومن اللامسؤولية، ولذلك يلقى انتشارها شعبية، وهي سردية مغرية تتطور لتصبح ملحميّة كالبحث مثلاً في مقتل الأميرة ديانا، وتشجيع صدام حسين لغزو الكويت، وكذلك أحداث 11 أيلول 2001… إلخ
الحقيقة أن أغلب الشعوب كانت تؤمن بنظرية المؤامرة، وقد ازداد هذا الإيمان مع الانترنت، ولهذا علينا أن ننبّه الأجيال إلى الفرق الجوهري بين الوجود الحقيقي للمؤامرة، وبين تبنّيها كأسلوب في التفكير. فالمؤامرة شيء، ونظرية المؤامرة شيء آخر، لاسيما أن أغلب أعدائنا يقترفون جرائم بحق الشعب والوطن والأمة ظاهرة للعيان بجذورها وأصولها وفروعها، وهي بمثابة استراتيجيات دائمة لا يمكن الاكتفاء معها باعتبار العدوان علينا مؤامرة بقدر ماهو نهج واضح وثابت، فتاريخ سورية الحديث والمعاصر تعرفه الأجيال وتعرف معه مخاطر الصهيونية والوهابية والإخوان المسلمين والرجعية العربية، والعثمانية، وهذا ما لايصح معه الاحتكام الى نظرية المؤامرة، ولا حتى إلى المؤامرة وحسب، فهذا واضح ومستقر، ودائم مادامت سورية وطنية عربية.
< هذه الإشكالية بين نظرية المؤامرة، والمؤامرة، تبدو ساطعة من حيث التصنيف في كتاب ميشيل ريمبو “عاصفة على الشرق الأوسط الكبير” وهو يقول:”الرئيس الأسد علماني وإصلاحي، حين وصل إلى السلطة وقّع 1500 مرسوم لتحرير الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وعرف كيف يطعّم القومية العربية بمكتسبات التربية الغربية، وهو منفتح على الحداثة ومختلف عن الحكومات التي سعت إلى الإطاحة به”. هنا نجد ريمبو لا يتحدث عن “مؤامرة” بل عن “عاصفة”.. إنه التفكير الجديد الذي لم تعد فيه الذرائعية مستهجنة.
< لقد أنتجت سنوات العدوان على سورية “وعياً مطابقاً” جديداً يُراهن عليه لصون الوطن والهوية الوطنية، فقد عرف السوريون خلالها أهمية رفع خطاب المؤامرة من التداول، وكان رائدهم في البحث في عوامل” القصور الذاتي” ومعالجتها والتنويه إليها باستمرار السيد رئيس الجمهورية بدءاً من الحديث عن المطالب المحقّة في الأيام الأولى، واستمرار التواصل مع أغلب فئات الشعب في المحافظات والمنظمات والأحزاب… إلخ وصولاً الى حديث سيادته التاريخي في رئاسة مجلس الوزراء في 20/6/2017، وكذلك الأمر في المجالس، وفي وسائل الإعلام، ومؤتمرات الأحزاب والمنظمات، ومجلس الشعب.
هذا الوعي المطابق رافق إنجازات الجيش العقائدي الباسل وسيكون حديث المستقبل الواعد لأنه يأخذ بالحسبان الأسباب الداخلية انطلاقاً من أن المؤامرة حقيقة موجودة ومستدامة وليست نظرية، وهي لا تهزم أساساً إلّا من الداخل.
< لم يكن التقدم المستمر في هزيمة الإرهاب والتكفير ونزعات التطرف والانفصال والتطبيع بمعزل عن حيوية الشعب بمؤسساته وأحزابه ومنظماته وقيادته الوطنية. هذه الحيوية كان عمادها “التفكير النقدي” Critical Thinking. والسوريون عادة مجتمع نَقّاد. والتفكير النقدي هو العملية العقلية النشطة والمتقنة لاتخاذ القرار عن طريق التحليل والتركيب والاستنتاج، وهو وليد المنطق اللاصوري، فليس شرطه أن تكون منتقداً، بقدر مايجب أن تكون مستنتجاً مثلاً لما ورد في كتاب نتنياهو “الإرهاب: كيف يمكن للغرب أن ينتصر” 1986، وكتاب فوكوياما “نهاية التاريخ” 1989، وكتاب “صدام الحضارات” لهنتنغتون 1993 وكتاب بيريز “الشرق الأوسط الكبير” 1996، و” العمق الاستراتيجي” لداود أوغلو 2001، و”الفوضى الخلّاقة” لرايس 2005، وكلها كتب صهيو أطلسية تمهّد لتقويض استقرار المنطقة والعالم منذ ثلاثين عاماً. هذا كله ليس مؤامرة بل سياسة واقعية ملموسة ومعلنة بوضوح.
وحين  يصرخ المتآمر أمامك: أنا هنا وهكذا أفعل، فإنه لم يعد متآمراً.
فالتفكير النقدي لا يعترف مع هذه الكتابات والطروحات بوجود نظرية مؤامرة، ولا مؤامرة. فهذا منهج مطروح علناً وبمقدمات واضحة مقترنة بمصالح وباستراتيجيات لا يمكن أن يدركها المحللون والإعلاميون أصحاب “المواقف” الخطابية، إنما يدركها أصحاب التفكير النقدي.
التفكير النقدي نقيض التفكير التآمري، وهو الذي تزداد أهميته في أوقات الحروب والأزمات، لأنه يساعد الشعب على ألا يكون متلقياً سلبياً، ولأنه يرسّخ بناء الوعي، ويعزز الهوية والانتماء الوطني، وفوق كل هذا يجنّب المجتمع فخ التضليل الإعلامي، ويجعله قادراً على فرز ما هو مفبرك عمّا هو واقعي، وما هو نافع عمّا هو ضار له. وهذا ما كان سيوجه ضربة قاصمة لقنوات التضليل الإعلامي بمخاطرها المستمرة.
< وعلى الرغم من أن أصحاب “التفكير النقدي” يميلون الى دحض “نظرية المؤامرة” لدخولها في مضمار علم النفس أكثر من العلوم السياسية، إلّا أننا في المسألة السورية كلّما قرأت وحللت وبحثت بالعلم وبالمنطق الصوري واللاصوري ظهر أمامك شيء يمكن أن تسميه مؤامرة، لكنه حقيقة هو نهج دائم قبل أن يكون ظاهرة عرضية طارئة.
هذه الديمومة بالتفكير نقدياً تستدعي مقاومة مستدامة: ثقافة ونهجاً، فـ ” كلفة المقاومة أقل من كلفة الاستسلام”.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP