المجتمع الدولي يحبط أول خطوة لترامب في شن الحرب على ايران
تجاهلت أغلب وسائل الاعلام العالمية الضربة الموجعة التي وجهتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمس الخميس لمساعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تأليب العالم ضد ايران، وبذلك فان الوكالة أحبطت أول خطوة قامت بها ادارة ترامب من اجل الاستعداد لشن الحرب ضد ايران.
فغير خاف على احد ان الرئيس الأميركي يسعى الى تشكيل جبهة عالمية ضد ايران وقد أعلن بشكل صريح في حملته الانتخابية بأنه يريد الغاء الاتفاق النووي، وبعد فوزه في الانتخابات أعلن ان الاتفاق لا يخدم بلاده ولا يحقق أية مكاسب لها، ومع أنه قام بتمديد العقوبات ضد ايران، إلا أنه لم يكن بوسع ادارته الغاء الاتفاق أو القيام بالسيناريو الثاني وهو اعادة اجراء المفاوضات بشأنه، من دون وجود دعم وتأييد دولي، وكذلك من دون وجودغطاء قانوني ورسمي لهذه الخطوة.
وقد قامت الادارة الاميركية أول خطوة عملية في اطار بلورة تحالف دولي ضد ايران والتمهيد لشن الحرب عليها، يوم الأربعاء قبل الماضي عندما زارت مندوبة الولايات المتحدة الدائمية في الأمم المتحدة نيكي هايلي الوكالة الدولة للطاقة الذرية في فيينا والتقت المدير العام للوكالة يوكيا امانو، وبعد الزيارة واللقاء أعلنت هايلي بأن الهدف من اللقاء هو معرفة ما اذا كانت ايران ملتزمة بالاتفاق النووي، وان واشنطن مستعدة لتقديم أية مساعدة تحتاجها الوكالة.
واي مراقب سياسي يدرك ان هايلي لا تتحدث بصدق، اذ كان بامكانها ان تنتظر يوم الخميس ليصدر تقرير الوكالة بشأن الاتفاق النووي وتعرف حينها ان ايران ملتزمة بالاتفاق أو غير ملتزمة به، كما يمكنها أن تعلن من الولايات المتحدة استعداد بلادها لتقديم أية مساعدة للوكالة، وبالتالي ليست هناك حاجة لتتجشم عناء السفر لفيينا لتتحدث عن هذين الموضوعين.
هذه الحقيقة تنبئ بأن هايلي زارت فيينا والتقت بامانو من أجل تحقيق غايات أخرى، الأمر الذي تناولته بعض وسائل الاعلام والسياسيين وخاصة السياسيين الايرانيين، حيث أكدوا أنها ذهبت لفيينا من أجل التأثير على تقرير الوكالة، وادخال فقرة ان ايران غير متعاونة وغير ملتزمة بالاتفاق النووي في التقرير.
ما يدعونا الى التشكيك بنوايا الولايات المتحدة وتحركاتها وسعيها الى تشكيل تحالف دولي ضد ايران ومن ثم ارغامها على الرضوخ والاستسلام لمطالبها أو شن الحرب ضدها، هو السعي لمعرفة أسرار القدرات العسكرية الايرانية وخاصة قدراتها الصاروخية، فكما قلنا في مقالات سابقة، ان الولايات المتحدة لن تغامر حتى بتوجيه ضربة لايران ان لم تعرف قدرتها على الرد، لذلك فان هايلي عندما تطلب من امانو تفتيش المواقع والمنشآت العسكرية الايرانية فانها لا تريد بذلك معرفة ما اذا كانت خرقت الاتفاق النووي أو لا (كما هو معلن) وانما تريد معرفة قدرات ايران ومواقعها العسكرية.
التقرير الذي أصدرته الوكالة خيب آمال هايلي، غير أن السؤال المطروح هو، هل ستتوقف الولايات المتحدة عند هذا الحد ولن تكرر المحاولة؟
بالتأكيد أن الادارة الأميركية ستحاول مرة أخرى وثالثة ورابعة، لأن اثارة التوتر والتصعيد بل وشن الحرب حاجة اميركية، سنتطرق لاسبابها وغاياتها في المستقبل، ولكن من المؤكد أن موقف طهران وردود فعلها يلعب دورا مهما في احباط المساعي الأميركية، فيا ترى كيف ستتصدى الحكومة الايرانية لهذه المحاولات وتحبطها؟
يمكن معرفة السياسة التي تنتهجها الحكومة الايرانية الحالية تجاه المساعي الاميركية، ولكن لا يمكن التنبؤ بسياسات الحكومات القادمة لأنه في الأساس لا يمكن التنبؤ بطبيعة الحكومات القادمة وتوجهاتها السياسية والتيار الذي تنتمي اليه، ولكن ما يتعلق بالحكومة الحالية فيمكن القول أنها ستبذل كل مافي وسعها لعرقلة أي تبلور لتحالف دولي ضد ايران سواء من خلال توطيد العلاقات أو ابرام عقود اقتصادية كبيرة أو عدم القيام بما يمكن أن تستخدمه الولايات المتحدة ذريعة ضد ايران مما يؤدي الى احراج الموقف الأوروبي.
حتى الان أبدى المجتمع الدولي تعاونه في انجاح الاتفاق النووي وبالاضافة الى الزيارات والاتفاقيات التي تشير الى أن هذا المجتمع تجاوز مرحلة الحظر وانه يتعامل بواقعية مع المرحلة الجديدة فقد صدرت مواقف مشجعة في هذا الاطار، ولعل التصريحات اتي أدلت بها فدريكا موغيريني رئيسة السياسة الخارجية الأوروبية مؤخرا تأتي في مقدمة هذه المواقف حيث أعلنت أن الاتفاق النووي ليس اتفاقا ثنائيا لتستطيع دولة ما الغاءه وانما اتفاق دولي، وان الاتحاد الدولي سيبقى متمسكا به.