الأهداف الأميركية النفطية في الحرب على العراق
هيمن الغموض على الأهداف النفطية الأميركية في حرب 2003 على العراق، كما تباينت عن نظيراتها البريطانية. ويكمن سبب الغموض الرئيس في عدم اهتمام الشركات الأميركية بالمشاركة في دورات التراخيص العراقية، باستثناء «اكسون موبيل»، على رغم أن واشنطن استحوذت على الملف النفطي العراقي قبل الحرب وبعدها، بخاصة مجموعة وزارة الدفاع. فقد هيمن «البنتاغون» على القرارات الرئيسة، خصوصاً اختيار الشركات من دول معينة لعقود تطوير الحقول. وتبين هذا بوضوح في «تقرير تشيلكوت» البريطاني، إذ أفاد كبار المسؤولين البريطانيين بانزعاجهم لاستحواذ الولايات المتحدة على هذا الملف الحيوي. وكشف التقرير عن التعليمات التي صدرت إلى الوزراء البريطانيين من قبل حكومة طوني بلير لربط أهداف الحرب بإرساء الديموقراطية في الشرق الأوسط، ومواجهة الإرهاب وإنتاج أسلحة الدمار الشامل. كما كشف وفقاً لإفادات بعض الوزراء البريطانيين، تعليمات بعدم الإشارة لدور النفط، للحد من زيادة تأجيج الرأي العام العراقي والبريطاني والدولي ضد الحرب. وبالفعل، فقد همشت هذه التعليمات دور المصالح النفطية في الحرب. ويذكر أن الإدارة الأميركية استطاعت هي أيضاً التعمية» على دور النفط، بخاصة الدور الرئيس الذي لعبته مجموعة «البنتاغون» من المحافظين الجدد. ولم تصدر إشارات أميركية إلى دور النفط سوى عبر تلميحات سريعة في مذكرات محافظ المصرف المركزي السابق ووزير المال السابق، التي أشارت بسرعة إلى أهمية النفط في اتخاذ قرار شن الحرب.
بدأت الآن تظهر بوضوح الصلة بين المصالح البريطانية والأميركية. فقد أكد المسؤولون البريطانيون في إفاداتهم أمام لجنة «تشيلكوت»، أن أهداف الحكومة والشركات البريطانية هي إلغاء تأميم صناعة النفط العراقية وفتح المجال للشركات البريطانية العملاقة («رويال داتش شل» و «بريتيش بتروليوم») للاستثمار في الحقول العملاقة.
أما بالنسبة للمصالح الأميركية، فلم تصدر التسريبات المعتادة إلى وسائل الإعلام الأميركية. لكن تشير نخبة من كبار المسؤولين النفطيين العراقيين السابقين المتواجدين حالياً خارج العراق، إلى أن الهدف الرئيس الأميركي هو تحقيق زيادة كبيرة في إنتاج النفط العراقي، أكثر منه إفساح المجال لاستثمار الشركات النفطية الأميركية. فهناك العامل الاستراتيجي بانتهاز الفرصة لاستعمال العراق في ضخ إمدادات ضخمة وجديدة من أجل خفض الأسعار. فأرباح الولايات المتحدة من إغراق الأسواق العالمية بالإمدادات النفطية العراقية الجديدة وانخفاض الأسعار الناتج من هذه الزيادة سيوفر بلايين الدولارات للخزينة الأميركية. بينما الاهتمام بإعطاء الشركات الأميركية عقوداً محدودة، سيؤدي إلى تحقيق ربح لكل شركة يقدر ببليون أو بليوني دولار سنوياً فقط. وهدفت الولايات المتحدة أيضاً إلى زيادة الإمدادات النفطية في الأسواق، وعدم الاعتماد في ذلك على دولة أو دولتين فقط. طبعاً، كان هذا الأمر قبل النجاح السريع والعالي للنفط الخام الصخري الأميركي الذي ارتفع معدل إنتاجه أكثر من 5 ملايين برميل يومياً خلال فترة انهيار الأسعار (النصف الثاني من عام 2014 إلى أواخر 2016).
معروف علناً أن الإدارة الأميركية شكلت في بداية حكمها فريقاً لإعداد استراتيجية للطاقة برئاسة ديك تشيني، نائب رئيس الجمهورية والرئيس السابق لشركة الخدمات الهندسية البترولية العملاقة «هاليبورتون» ومن غلاة مجموعة الجمهوريين الجدد المحافظة، التي هيمنت على إدارة الرئيس بوش. ولم يتم لحد الآن نشر الاستنتاجات التي توصل إليها الفريق، ولا التوصيات التي اقترحها. لكن يفترض أن أعضاء اللجنة كانت لديهم معلومات وافية عن سير العمل في صناعة النفط الصخري الأميركية بخاصة اقتصاداتها من كلفة وطاقات الإنتاج الممكنة، إضافة إلى إمكان تحقيق الهدف الأميركي في التوصل إلى الاكتفاء الذاتي وتقليص الاستيراد النفطي إلى الحدود الدنيا. كما يفترض أن اللجنة سألت الشركات الأميركية المعنية عن معدل كلفة الإنتاج والتي تراوحت في بادئ الأمر في نطاق بين 50 و80 دولاراً للبرميل، ما استدعى زيادة أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار. وشكلت هذه فرصة لتطوير صناعة النفط الصخري الأميركية وإمكان منافستها للنفط التقليدي. ويتبع ذلك، التفكير في كيفية خفض معدل الأسعار، ما يتطلب تزويد الأسواق بإمدادات نفطية إضافية ضخمة. والدولة التي لديها هذه الطاقات الإضافية هي العراق.
كان من الصعب على العراق تحقيق الزيادة الإنتاجية الضخمة بإمكاناته الوطنية، بعد حصار التسعينات وتدمير المنشآت النفطية منذ 2003. من ثم لجأت السلطات النفطية العراقية إلى تبني اتفاقات الخدمة الهندسية الطويلة الأمد، بعقود مغرية للشركات. وكان الطموح الأولي لوزارة النفط زيادة الإنتاج من نحو مليوني برميل يومياً في أواخر العقد الماضي إلى 12 مليوناً بنهاية هذا العقد. هذا الطموح لم يتحقق، إذ إن معدل الإنتاج العراقي راهناً هو نحو 4.50 مليون برميل يومياً. إلا أن الأسعار انهارت نحو 70 في المئة إلى نحو 30 دولاراً، لتستقر الآن على نحو 50 دولاراً للبرميل.
كما أدت هذه السياسة إلى ظاهرة غريبة بعد احتلال العراق. فقد استحوذت الشركات الصينية على غالبية عقود تطوير الحقول. والصين لم تشارك في الحرب. فلماذا هذا النجاح للشركات الصينية؟ والجواب هو النمو الاقتصادي المستدام للصين والحاجة الماسة لشركاتها إلى تطوير أكبر عدد ممكن من الحقول وتصدير النفط للصين. ويشكل هذا الاعتماد على استيراد الشركات الوطنية، نوعاً من سياسة الأمن الطاقوي للبلاد. ودعمت الحكومة الصينية شركاتها بتزويدها بالسيولة اللازمة لتحقيق أوسع استحواذ على حقول النفط. وأصبحت الصين ثاني أكبر دولة في العالم مستوردة للنفط بعد الولايات المتحدة قبل عام 2004. وساعد أخيراً تقلص أرباح شركات النفط الدولية وشح السيولة المالية لديها إلى تقليص اهتمامها باكتشاف حقول جديدة أو تطويرها، ما استفادت منه الشركات الصينية المدعومة مالياً من قبل حكومتها. والصين اليوم أكبر دولة مستوردة للنفط العراقي. لكن نظراً إلى سوقها الضخمة، لا تغطي الإمدادات العراقية سوى نسبة ضئيلة جداً من طلب الصين على النفط، ما يعني أن تأثير ذلك محدود جداً على السوق الصينية في حال تفاقم الأزمات السياسية واحتمال توقف وصول الإمدادات العراقية أو تأخرها.
تساهم شركة «بتروتشاينا» في الحقول الجنوبية وهي «الرميلة» و «حلفايا» و «غرب القرنة». كما تطور «حقل الأحدب». وتساهم شركة «سينوبيك» في تطوير حقل «طق طق» في إقليم كردستان العراق.
حقق الاهتمام الصيني بالنفط العراقي تلبية مطالب صينية اقتصادية بحتة، إضافة إلى دعم سياسة واشنطن في ضخ كميات إضافية في الأسواق وخفض الأسعار بعد نجاح صناعة النفط الصخري.