أردوغان وسقوط الديمقراطية
عام على محاولة الانقلاب في تركيا… أردوغان وسقوط الديمقراطية
عام كامل مر على محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، وهو عام حافل بالتطورات السياسية التي تنذر بانهيار المعايير الديمقراطية والسيطرة شبه الكاملة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية على مقاليد الحكم في الجمهورية.
محاولة الانقلاب كانت بمثابة الصاعقة التي لم تتخلص تركيا من آثارها بعد. ذهب ضحيتها 250 مواطناً تركياً بالإضافة إلى أكثر من 2000 مصاب في ليلة 15 تموز العصيبة، وكان نزول الشعب التركي إلى الشارع لصد قوات الانقلاب العامل الرئيسي وراء فشله.
توقع العديد من المحللين أن تسود حالة من الوفاق السياسي في البلد بسبب مشاركة جميع الفرقاء السياسيين في ردع العسكر. إلا أن الرئيس التركي استطاع في العام المنصرم أن يحكم السيطرة على مختلف قطاعات الدولة. قامت الحكومة التركية بفصل واعتقال عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين والقضاة وعناصر الشرطة والجيش والإعلاميين والأكاديميين بتهمة الانتماء إلى جماعة فتح الله غولن، القيادي الديني المقيم في الولايات المتحدة والمتهم بالترتيب للانقلاب العسكري، إلا أن الحملة التي شنتها الحكومة طالت أيضاً العديد من المناهضين لسياسات أردوغان.
أصبحت تركيا السجان الأول عالمياً للصحافيين إذ يوجد في سجونها الآن أكثر من 150 إعلامياً. كما قامت الحكومة في الشهرين المنصرمين باعتقال ناشطي حقوق إنسان من ضمنهم أبرز مسؤولين في منظمة العفو الدولية في تركيا. وقامت الحكومة بعزل أو اعتقال ما يقارب ربع الكوادر في القضاء التركي وتبديلهم بالمئات من القضاة الشباب الذين تربطهم علاقات بالحزب الحاكم. وأدت حملات الاعتقال إلى الإبقاء على عشرات الآلاف من السجناء لأشهر أو قرابة سنة بدون قرارات اتهامية أو محاكمات تثبت انخراطهم في محاولة الانقلاب. ولم يتم حتى الآن تفعيل الهيئة المكلفة بالنظر في استئنافات من اعترضوا على قرارات فصلهم من وظائفهم.
يعيش الآلاف ممن تعرضوا للعزل أو الاعتقال ما يسمونه بالموت المدني، بسبب انعزالهم عن المجتمع جراء تهمة لم تثبت عليهم، واستحالة عملهم في مؤسسات عامة أو خاصة وانقطاع رواتبهم ومنعهم من السفر. وطالت حملة الاعتقالات حتى قياديين في المعارضة، إذ قامت الحكومة بسجن قائد حزب الشعب الديمقراطي المعارض والمعني بشؤون الأكراد والأقليات في تركيا صلاح الدين دميرطاش منذ شهر نوفمبر الماضي بتهمة التعاون مع جماعة إرهابية، وتم سجن نائبته وإلغاء عضويتها في البرلمان.كما حُكم على إينيس بربر أوغلو، العضو في الحزب الجمهوري المعارض، بالسجن المؤبد لتسريبه تفاصيل عن نقل أسلحة للمعارضة السورية عن طريق المخابرات التركية.
وجاء الاستفتاء على السلطات الرئاسية ليثبت سيطرة أردوغان على الحكم. وسمحت التعديلات الدستورية التي مرت في استفتاء أبريل بتوسيع كبير في صلاحيات الرئيس التركي، ومن ضمنها تعيين القضاة وإلغاء منصب رئيس الوزراء بالإضافة إلى عودته لقيادة الحزب الحاكم، ما سيتيح له إرساء القوانين بدون تحد في مجلس الشعب.
كما جرى سحب الصلاحيات الرقابية على الوزارات من البرلمان. وأصبح بإمكان أردوغان الترشح للرئاسة لفترتين إضافيتين، ما سيمكنه من الاستمرار في منصبه حتى عام 2029.
وفي السنة الماضية، اختفى الإعلام المعارض بشكل شبه تام عن الساحة التركية بسبب إغلاق وسائل الإعلام المناهضة للحكومة، إما بسبب سحب تراخيصهم أو تعيين مجالس إدارة موالية للدولة أو سحب الإعلانات، بالإضافة إلى حملة اعتقال الصحافيين والتضييق عليهم، ومن ضمنهم إعلاميون من دول غربية. حتى صحيفة الجمهورية التي طالما حاربت جماعة غولن في صفحاتها تم اعتقال 12 من أعضائها، بينهم صحافيون ومديرون.
وأدت الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان وحرية التعبير إلى انهيار العلاقات التركية مع دول الاتحاد الأوروبي خاصة، ما أدى إلى توقف تام لمفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد. كما أكد أردوغان أنه سيصادق على مشروع قرار إعادة عقوبة الإعدام إلى القانون الجنائي التركي إذا تمت الموافقة عليه في مجلس الشعب، ما سيؤدي حتماً إلى انهيار هذه المفاوضات.
ولم تسلم تركيا من العمليات الإرهابية برغم قانون الطوارئ المتوقع تمديده ثلاثة أشهر أخرى على أقل تقدير خلال الأسبوع المقبل. ففي ليلة رأس السنة استطاع عنصر من تنظيم "الدولة الإسلامية " الدخول إلى أحد أشهر الملاهي الليلية في إسطنبول وقتل العشرات من رواده، أغلبهم من الأجانب والعرب.
وأدى انحدار العلاقات مع أكراد سوريا وازدياد وتيرة الصراع مع حزب العمال الكردستاني الانفصالي إلى التدخل التركي عسكرياً في شمال سوريا لطرد تنظيم الدولة من المناطق الحدودية وإيقاف توسع رقعة سيطرة أكراد سوريا في المنطقة، ما ولد توترات بين أنقرة وواشنطن بسبب دعم الأخيرة للأكراد في حملتهم ضد التنظيم في مدينة الرقة.
وتؤثر الحملة الحكومية ضد المنظومات الديمقراطية إلى اضطراب الداخل التركي، الذي أصبح منقسماً بين مناصرين متمسكين بشدة بأردوغان ومناهضين شديدي الكره له ولسياساته. ففي حين يرى المعارضون للرئيس التركي أنه يدمر الأسس الديمقراطية والعلمانية في الدولة، يحترم مناصروه تدينه ويرون فيه حامياً لتقاليدهم الدينية، فيرددون عبارة أنه لولا أردوغان لما استطاعوا ارتداء الحجاب أو ارتياد المساجد، ويرون في صعوده إلى القمة صفعة في وجه من يسمون بالأتراك البيض، وهم شريحة من المجتمع العلماني الذين سيطروا على مقاليد الحكم لعقود، ويشيدون بمواقفه الدولية المناصرة عامة للفئات المستضعفة في فلسطين ومصر وسوريا. ولا يوجد حتى الآن في تركيا تحالف معارض قد يهدد فعلياً سيطرة الحزب الحاكم على مفاصل الدولة.
مما لا يدع مجالاً للشك، برغم زعم الحكومة أنها تحارب الإرهاب وتستهدف فقط جماعة غولن، أن النظام الديمقراطي تحت قيادة أردوغان أصبح أمام خطر الانهيار، مع سيطرة الرئيس التركي على مقاليد الحكم وشبه انعدام حرية الإعلام وضعف دولة القانون ومحاربة المعارضة وانهيار العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، في مرحلة من أهم مراحل تاريخ الدولة التركية منذ أن أسسها مصطفى كمال أتاتورك.
بقلم كريم شاهين مراسل الشرق الأوسط في صحيفة الغارديان البريطانية
نشر سابقاً على موقع رصيف 22