القطط الثعالب: خرافة تتجسَّد حقيقة؟

ishraq

الاشراق

الاشراق|متابعة 

اختلاف أوصافه وصفاته عن القطط المنزلية استدعى الأسطورة التي تتحدث عنه.. هل يوجد "قط ثعلب"؟

"القط مخلوق غامض؛ لا يستعصي عليه إدراك تلك الأشياء الغريبة التي لا يمكن للبشر رؤيتها. هو روح «إيچيبتوس» القديمة، وهو حامل أساطير المدن المنسية في «ميرو» و«أوفير». هو سليل أسياد الأدغال، ووريث أسرار أفريقيا العتيقة. أبو الهول هو إبن عمه، يتكلم القط لغته، لكن القط أقدم كثيراً، ويذكر جيداً ما قد نساه أبو الهول نفسه".

هوارد فيليبس لافكرافت، قطط أُلثار [1].

في جزيرة كورسيكا يتهامس الرعاة بأسطورة محلية عن وحش خفي يهاجم الماعز والأغنام في ظلام الليل، أطلقوا عليه في لغتهم إسم «جاتّو فولبي»، والتي تعني: القط الثعلب. لكن العلم كشف مؤخراً أن هذه الأسطورة المحلية ليست تماماً من وحي خيال الرعاة.

 ففي عام 2008 قبض مُزارِع من منطقة «كاب كورسي» في شمال كورسيكا على قِط تسلَّل في الليل إلى قنّ الدجاج في مزرعته. كان القط أكبر وأطول من القطط المنزلية بشكل ملحوظ، بفراء مائل للحمرة وجسد ممشوق نحيل الخصر وذيل طويل منتفش الفراء قليلاً ومزيَّن بحلقات داكنة تنتهي بطرف أسود. صفات استدعت أسطورة القط الثعلب، ولفتَت أنظار العلماء إلى احتمالية أن يكون هذا القط البري نوعاً لم يكتشفه العلم بعد.

ولأعوام عديدة حاوَل الباحثون في المكتب الوطني للصيد والحياة البرية [2] في كورسيكا - بقيادة بيير بينيديتي - العثور على واحد من تلك القطط الثعالب التي لا تكاد تترك أثراً حين تمر بين شجيرات الغابات الجبلية هناك، باستخدام مصائد بسيطة تغري القطط بالاقتراب باستخدام الروائح. وفي عام 2012 فشلَت إحدى تلك المصائد في احتجاز زائر غامض، لكنها نجحت في الإمساك بالقليل من شعيرات فرائه، وقد كانت هذه الشعيرات كافية لإجراء اختبارات الحمض النووي.



الأسطورة تحيا

يعلق بينيديتي على ذلك قائلاً: "بفحص الحمض النووي تَبيَّن لنا أن ذلك القط لا يمت بصلة قرابة وطيدة للقط البري الأوروبي [3] وإنما هو أقرب إلى القط البري الأفريقي [4]. لكن هويته الحقيقية لم تُحدَّد بعد، ونعتقد أنه نوع بري جديد شاهَده بعض السكان المحليين من قبل ولا بد، لكنه بقي خفياً عن أنظار العِلم، بسبب نشاطه الليلي وحذره الشديد".

أما في العام 2016 فقد نجح الباحثون أخيراً في الإمساك بقط ثعلب حي، قبل أن تتوالى النجاحات ويستطيعون الإمساك بــ 12 قطاً من أصل 16 رُصِدَت في المنطقة [5]. وقد دُرست القطط المحتجزة وأُخذَت منها العينات قبل إطلاق سراحها مجدداً. ومنها ذلك القط الذي ظهر في مقطع فيديو [6] وأظهرَت إصابة في إحدى عينيه، يرجَّح أنها كانت من آثار معركة مع قط آخر منافس.

يبلغ طول القط المُكتشَف (90 سم) تقريباً من الرأس إلى الذيل، ويبدو أن ما رشَّحَه إلى إسم القط الثعلب كان الطول الواضح لأنيابه والاتساع الكبير ما بين أذنيه وشكل فرائه الحريري ولونه الخمري الذي يأخذ ألواناً داكنة أكثر عند القائمتين الخلفيتين وعلى حلقات الذيل وطرفه، كما أهَّلَته للإسم طبيعتُه الحذرة المتسللة، التي تكفل له حمايةً من أعدائه الطبيعيين، حتى المسلَّحين منهم بحاسة إبصار خارقة مثل التي يمتلكها المفترِس الأعلى [7] في المنطقة؛ طائر العُقاب الذهبي [8].

 

وبالطبع ما يزال الغموض يحيط بالقطط الثعالب؛ حول عاداتها الغذائية والتناسلية وحتى حول أصول استيطانها لهذه البقعة من الأرض، وهناك نظرية مقترَحة بأن أول ظهور لهذه القطط يعود إلى 6500 سنة قبل الميلاد، حين جلبها المزارعون إلى كورسيكا كوسيلة لمكافحة الجرذان. وإذا صحَّت هذه النظرية فالقطط الثعالب، وفقاً لما يقوله بينيديتي، ستكون من أصول شرق أوسطية.

ويضيف بينيديتي: "كنت أسمع عن هذا الحيوان منذ طفولتي، لكنني لم أره أبداً. كانت هناك أجواء أسطورية تحيط به وكان الكثيرون يشكِّكون في حقيقة وجوده. لكننا أمسكنا به الآن أخيراً، وصرنا نعرف أن القط الثعلب لم يكن من الثعالب، وإنما من القطط. وأنه - على الأرجح - سلفٌ للقطط المنزلية التي نعرفها اليوم".

وما زالت الأبحاث الوراثية جارية لتحديد إذا ما كان هذا القط يمثل بالفعل نوعاً جديداً تماماً. وقد يبدو من الغريب أن يَكتشِف البشر اليوم - بعد كل هذا التطور في تقنيات التصوير والمسح - أنواعاً جديدة من ثدييات في حجم تلك القطط، لكن اكتشافاً كهذا يبدو حقّاً من الأخبار الطيبة النادرة وسط طوفان الانقراضات الذي صار عالمُنا الآن غارقاً في ظلماته.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP