حوار حول كتاب، "الأوقاف الإسلامية في فلسطين"

ishraq

صورة من الارشيف

المحامي خالد دغش: وقف الاستقلال بنى مؤسسات وقفية موازية لمؤسسات الدولة العثمانية
* الخلط بين الوقف العام والخاص ولجان الأمناء والمتولين كان هدفه العبث بمقدرات الوقف
*بعد تحرير مقبرة الاستقلال ندعو للتجند في معركة صيانة مقبرة القسام

 

يقول د. سامي محمد الصلاحات في كتابه "الأوقاف الإسلامية في فلسطين" الصادر عن مركزالزيتونة للدراسات في بيروت، إن الوقف الإسلامي كان من الممكن أن يشكل قوة داعمة وسلطة موازية لسلطة "الكيان الإسرائيلي"، لو أن إسرائيل لم تنتبه إلى أهمية هذه القوة، وتعمل على تحييد فعاليتها من خلال وضع يدها على هذه الأملاك ومصادرتها.

وربما هذا التقدير هو ما يجعل بروفيسور سعيد زيداني يراهن على أن تشكل مقدرات الوقف الإسلامي، إذا ما تم تحريرها، أساسا ماديا لمؤسسات الحكم الذاتي الذي يحلم به. وفي السياق أيضا، يندرج ما قاله المحامي خالد دغش عضو لجنة متولي وقف الاستقلال في حيفا بأن هذا الوقف سمي بهذا الاسم، لأنه تمكن بالمقدرات التي يملكها من "الاستقلال" عن مؤسسات الدولة العثمانية، وبناء مؤسسات وقفية "وطنية" تعنى بمختلف مجالات حياة سكان المدينة.

ويختلف المؤرخون في تحديد حجم الأوقاف ومساحتها، ويذهب البعض إلى القول إنها كانت تشكل 16% أو 17% من مساحة فلسطين الكلية، وتقدر بـ 1.68 مليون دونم، أي ما يقارب 10% من مجمل الأراضي الصالحة للزراعة.

وتقول بعض المصادر إن مساحة الوقف الصحيح تشكل في المدن 100 ألف دونم، في حين كانت مساحة الوقف الميري تقدر بـ 12%–18% من كامل الأراضي الزراعية، وإن الأراضي الوقفية كانت تشكل 90% من مساحة البلدة القديمة من مدينة عكا، و33% من أراضي الرملة، بينما كانت 70% من حوانيت يافا، كما أن 15–20 ألف دونم من الأراضي المزروعة بالحمضيات هي أراض وقفية.

ويذهب البعض إلى أن مساحة أراضي الوقف كانت تقدر بـ 1.08 مليون دونم في بداية القرن العشرين، أو خلال فترة الانتداب البريطاني في فلسطين، وأن نصف هذه المساحة كان في مناطق الـ48، أي أن مساحة أراضي الوقف في مناطق 48 تبلغ حوالي 537,805 دونم.

وتشير الورقة الخاصة بالأوقاف والمقدسات التي قدمت إلى مؤتمر الجماهير العربية في (الناصرة 12-12-1996) إلى أن مساحة الوقف الصحيح في المدن 100 ألف دونم.، بينما تقدر مساحة الوقف الميري بنحو 12-18% من كامل الأراضي الزراعية البالغة 1.2 مليون دونم ميري وقفي.

وأوردت الورقة أن نحو 90% من أراضي عكا و 33% من أراضى الرملة هي أراض وقفية، ونحو 70% من حوانيت يافا أملاك وقفية، وان بين 15-25 ألف دونم الأراضي المزروعة بالحمضيات هي أراض وقفية، وأشارت إلى وقف مسجد النبي روبين قرب نتانيا (نحو 22 ألف دونم) ووقف مسجد حرم سيدنا علي (نحو ألف دونم) وعليه أقيمت مستعمرة "هرتسليا" الصهيونية.

وتختلف المصادرالإسرائيلية في تحديد المساحة الحقيقية للأراضي الموقوفة، فيقدرها (ي. شمعوني) بنحو 100 ألف دونم، بينما يقدرها (جرنوفسكي) بنحو 700 ألف دونم.

أما المسح الذي أجرته جمعية الأقصى اعتمادا على السجلات والوقفيات المتوافرة في المجلس الإسلامي الأعلى، فقد أفاد بأن عدد العقارات قد وصل إلى 745 في مناطق عكا وصفد والناصرة وحيفا، وفي يافا يوجد 206 دكاكين و64 بيتا وقفاً، وفي عكا 428 دكانا و 318 بيتا، وفي حيفا وعكا وصفد والناصرة يوجد 149 مسجدا و317 مقبرة مساحتها 2,797 دونما، و60,292 دونما من الأراضي لا يشمل وقف التخصصات، إضافة إلى 401 مقام.

وكما هو معروف فقد أمرت إسرائيل بسريان قانون أملاك الغائبين الذي سنته عام 1952 على أملاك الوقف الإسلامي، بادعاء أن المجلس الإسلامي الأعلى الذي كان يتولى هذه الأوقاف ورئيسه الحاج أمين الحسيني أصبح غائبا.

أما الأملاك الوقفية التي نجت من هذا القانون، كونها لم تكن تخضع لسلطة المجلس الإسلامي الأعلى، وهي أوقاف المدن الفلسطينية التي بقيت فيها بقية باقية من الفلسطينيين، وهي في يافا وحيفا وعكا، فقد عبثت بها إسرائيل من خلال الخلط بين لجان متولي الوقف ومجالس الأمناء التي شكلها مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية من أعوان ومقربي السلطة، الذين عاثوا على مدى سنوات طويلة فيها فسادا، وأبرموا صفقات تسريب وبيع مشبوهة لأراضي الوقف.

ومؤخرا جرى الكشف عن صفقة مقبرة الاستقلال في حيفا، وتم بجهود لجنة متولي وقف الاستقلال والأحزاب والهيئات الشعبية المشكلة لـ "لجنة تحرير أوقاف حيفا" التي رئسها عضو لجنة المتابعة المرحوم عبد الحكيم مفيد، تم تحرير أرض مقبرة الاستقلال بعد أن جرى جمع ما يقارب الثلاثة ملايين شيكل كان أعضاء مجلس الأمناء المعين من قبل السلطة قد قبضها من الشركة في إطار صفقة البيع التي أبرمتها.

حول موضوع أوقاف حيفا والأوقاف الإسلامية عامة كان لنا هذ الحوار مع المحامي خالد دغش عضو لجنة متولي وقف الاستقلال.

في البداية حدثنا عن الفرق/ الخلط بين الوقف الذي سرى عليه قانون أملاك الغائبين والوقف الذي لم يسر عليه هذا القانون مثل وقف الاستقلال؟

دغش: الخلط كان مقصودا، في حين أن الأمور كان يجب أن تكون واضحة، فهناك الوقف الخاص الذي لم يكن يتبع للمجلس الإسلامي الأعلى، ولذلك لم يعلن عنه أملاك غائبين، وهوعلى غرار ما يعرف في حيفا بوقف "الاستقلال"، ويفترض أن يقع تحت مسؤولية لجنة متولي وقف الاستقلال.

 

كذلك الخلط بين لجان متولي الوقف وبين مجالس الأمناء المعينة من قبل الحكومة، كان مقصودا والهدف منه تمرير قانون أملاك الغائبين على أكبر قدر من أملاك الوقف، حتى لو كان ذلك عن طريق التضليل وتمرير صفقات بيع الأملاك عن طريق لجان الأمناء. وعلى سبيل المثال، قمنا مؤخرا بتحرير مسجد الجرينة الذي ادعوا أن قانون أملاك الغائبين يسري عليه، وفي الحقيقة هو وقف خاص يتبع لوقف الاستقلال.

سؤال: أنت تقول إن الحكومة الإسرائيلية عمدت إلى الخلط للسيطرة على أكبر قدر من الأوقاف، حتى لو كانت وقفا خاصا غير تابع للمجلس الإسلامي الأعلى، ولم يسر عليه قانون أملاك الغائبين، علما أن سحب قانون أملاك الغائبين على الوقف برمته هو إجراء غير مفهوم، قال فيه الشاعر راشد حسين "الله أصبح غائبا يا سيدي ..." هذا ناهيك عن أن القانون ذاته هو إجراء جائر؟

دغش: نعم، فنحن نعرف أن وقف الاستقلال كان من أكبر الأوقاف في فلسطين، وأنه نجح من ناحية اقتصادية بالاستقلال عن مؤسسات الدولة العثمانية، والتحول إلى مؤسسة اقتصادية تعنى بشؤون أهالي حيفا التعليمية والثقافية والصحية وإدارة شؤون الناس.

أما اليوم فباستثناء جامع الاستقلال ومقبرة الاستقلال ومقبرة القسام أساسا كونها معالم دينية لا يمكن إخفاؤها، لا نعرف الكثير عن أملاك هذا الوقف ومصيرها، ونتوقع أنها ابتلعت من قبل قانون أملاك الغائبين، ولكن مثلما فعلنا مع مسجد الجرينة سنواصل التفتيش للعثور على هذه الأملاك وتحريرها، ومؤخرا مثلا اكتشفنا أن لوقف الاستقلال 12.5 دونم على شاطئ "هرتسليا" هي أرض مسجد سيدنا علي.

سؤال: وكيف تم الخلط بين مجالس الأمناء المعينة من قبل السطة وبين متولي الوقف؟

دغش: في ظل غياب الوعي والاهتمام بقضية الأوقاف وهيمنة السلطة وأعوانها على هذا المجال، اختلط الحابل بالنابل، فكان أعضاء مجالس الأمناء هم متولو الوقف أيضا، فالدولة كانت تعين هؤلاء هنا وهناك، وهذا ما حدث في صفقة بيع جزء من مقبرة الاستقلال، حيث تبين أن من كان مجلس أمناء كان هو نفسه متولي وقف ووقع وثيقة بنقل الملكية من متولي الوقف إلى لجنة الأمناء التابعة للدولة، وهناك اليوم عدة ملفات في المحاكم نطالب فيها بإعادة هذه الأوقاف لوقف الاستقلال.

سؤال: هل هناك أوقاف عدا المقابر والمساجد تتبع اليوم لوقف الاستقلال؟

دغش: هناك عمارة تقع بجانب مسجد الاستقلال تابعة للوقف، لكن لا نأخذ منها مردودا بسبب وجود اتفاقيات "إيجار محمي" التي تصبح فيها قيمة الإيجار 100- 120 شيكل للشهر، وتلك الاتفاقيات يبدو أنها كانت جزءا من عملية الاحتيال على منع بيع الأوقاف، والأدهى أن هذه الاتفاقيات تسمح للمسـتأجر بتأجير العقار لمن يريد أيضا.

قبل حوالي الشهر نجحنا في استصدار قرار من المحكمة الشرعية في حيفا يقضي بإلغاء جزء من اتفاقيات أبرمت بخصوص بيوت بـ "إيجار محمي"، والمرحلة الثانية هي التوجه للمحكمة المدنية لإلغائها بشكل نهائي.

سؤال: لا شك أن نجاحكم في تحرير مقبرة الاستقلال أعطاكم دفعة كبيرة للتقدم بباقي الملفات، ما هو سر نجاحكم؟

دغش: لجنة متولي وقف الاستقلال تعتبر لجنة وطنية ومهنية بامتياز، فهي تضم مجموعة من ذوي الاختصاصات، جلهم من المحامين الغيورين على الملك العام والشأن العام، ويعملون تطوعا وبإخلاص في خدمة هذه القضايا.

في قضية مقبرة الاستقلال وصلنا للمحكمة العليا التي وافقت على إلغاء صفقة بيع جزء من المقبرة التي أبرمت، لقاء دفع المبلغ الذي قبضه المتولي مع الفوائد المترتبة عليه، ما يعني دفع بضعة ملايين من الشواقل، وما كنا لننجح في إنجاز ذلك لولا الالتفاف والاحتضان الجماهيري للقضية، من قبل كافة الأحزاب والهيئات وفي مقدمتها لجنة المتابعة وتجند الجميع في الحملة التي أطلق عليها "حملة تحرير أوقاف حيفا" والتي ترأسها عضو لجنة المتابعة، الأخ المرحوم عبد الحكيم مفيد، والتي تمكنت من جمع المبلغ المطلوب وتحرير المقبرة، وإلغاء الحجوزات التي كانت قد شملت جزءا من مسجد الاستقلال ذاته.

سؤال: وماذا مع قضية مقبرة القسام؟

دغش: القضية وصلت إلى مرحلة نعتقد أنها خطيرة، في ضوء تغيير القاضية التي أبدت توجهات إيجابية، بدون سابق إنذار. والقضية كما تعرف تدور حول بيع 30 دونما من أصل 48 هي مساحة مقبرة القسام، كانت إسرائيل قد صادرتها في الخمسينيات وقامت ما تسمى "دائرة أراضي إسرائيل" ببيعها لشركة " كيرور أحزكوت"، وهي شركة تتوفر الكثير من منتجاتها في بيوتنا مثل مشروبات "تمبو" و "تابو تشيبس" وغيرها دون أن نفكر بمقاطعتها.

وكانت الشركة قد تقدمت لمحكمة الصلح في "الكرايوت" بعد أن أوقفناها عن العمل في المقبرة، وادعت في دعواها أنه لا توجد قبور في القسم الذي تجري فيه الأعمال من المقبرة، و"لكن إذا كان هناك قبور فنحن نطلب من متولي الوقف نقلها".

سؤال: تقصد أن الشركة هي التي توجهت للمحكمة لأخذ شرعية قانونية لأعمالها، وليس أنتم من توجهتم لوقف أعمالها؟

دغش: نعم نحن طلبنا منهم التوقف عن العمل في أرض المقبرة وهم توجهوا للمحكمة. ومن جهتنا قدمنا اعتراضا ولائحة دفاع ادعينا فيها أن صفقة البيع لاغية، وبعد التفتيش في الوثائق تبين لنا أنه مع عقد الصفقة جرت عملية تبادل أبرمها متولي الوقف سهيل شكري، تم بموجبها التنازل عن 30 دونما من مقبرة القسام مقابل الحصول على 15 دونما في مقبرة كفار سمير، فادعينا أنه طالما أنكم صادرتم الأرض وبعتوها للشركة المذكورة في الخمسينيات، فلماذا أجريتم عملية التبادل مع سهيل شكري في سنوات السبعينيات.

سؤال: وماذا كان الجواب؟

لم نحصل على جواب، لكننا اكتشفنا أيضا أن الأرض التي اعطيت للمقبرة الإسلامية في كفار سمير هي أرض تابعة للكنيسة. كذلك تبين أنه في صفقة التبادل التي عقدت مع سهيل شكري ذهبوا للمحكمة الشرعية وفي القرار الذي أصدره في حينه القاضي حبيشي، والذي صادق على الصفقة اشترط تنفيذها بعدم وجود قبور، فادعينا أن هذا الشرط يلغي الصفقة. كذلك اكتشفنا أن سهيل شكري قبض أموالا، حيث تم العثور على ورقة يطلب فيها أن يدفعوا له أموالا لغرض إجراء عملية النقل. (كما هو معروف فإن سهيل شكري قد هرب إلى الولايات المتحدة عند انكشاف أمر الصفقة، ولاحقا مات ودفن هناك).

سؤال: وأين وصلت الأمور اليوم؟

دغش: مؤخرا انضم إلينا طاقم محامين من مؤسسة "ميزان"، وبالتعاون معهم تقدمنا بدعوى إضافية إلى المحكمة المركزية في حيفا، طالبنا فيها بإعلان بطلان كل الاتفاقيات المتعلقة بمقبرة القسام.

في نهاية الشهر الماضي أصدرت محكمة "الكرايوت" قرارا بتعيين مختصين اثنين، واحد في علم الآثار؛ والثاني مختص بالقانون الشرعي، لفحص موقع وجود كل قبر وآخر في قسم المقبرة المذكور، ويبدو أن الهدف هو حصر القبور في مساحة صغيرة والاستيلاء على بقية الأرض.

من جهتنا رفضنا هذا التوجه، وقلنا إن الفحص الذي أجريناه وبيّن وجود أكثر من قبر كاف، كما أنه يكفي وجود قبر واحد لتسري حرمة المقبرة على كل الأرض.

سؤال: عودة إلى ملف الأوقاف بعموميته، هل هناك أرقام رسمية عن حجم أملاك الوقف؟ ولماذ ترفض إسرائيل الكشف عن هذه المعطيات؟

دغش: أما الشق الثاني من السؤال فجوابه معروف، وفيما يتعلق بالشق الأول فإن إسرائيل ترفض حتى اليوم الكشف عن معطيات وأرقام حول هذا الملف.

مؤخرا، أي قبل بضعة أشهر، كان لنا جلسة مع نائب وزير الماية، من حزب "شاس"، يتسحاك كوهين، مع أعضاء كنيست عرب وممثلين من الوقف وبحضور حارس أملاك الغائبين وممثلين عن "دائرة أراضي إسرائيل"، ولم نخرج بنتيجة لأنهم قالوا إنهم غير جاهزين للجلسة، ووعدونا بعقد جلسة ثانية. لكن كان لافتا ما قاله حارس أملاك الغائبين إنه لا يوجد عنده أي معلومة، وإن كل شيء قد نقل إلى دائرة أراضي إسرائيل.

سؤال: ولماذا لم تعقد هذه الجلسة حتى اليوم؟

دغش: يبدو أنهم يماطلون لأنهم لا يريدون كشف أسرار تتعلق بحجم أملاك الوقف التي سطوا عليها، ولكن يمكن أن يقولوا أيضا إنه تم بيع هذه الأملاك، وها هو ثمنها موجود في صندوق معين، وطبعا المبلغ سيكون زهيدا.

فإذا كانوا يعلنون في كثير من الأماكن عن عطاءات لبيع أملاك غائبين، فما الذي سيمنعهم من بيع أملاك الوقف التي تقع ضمن هذا التصنيف، فمؤخرا علمنا أن المركز الرياصي في "نافيه شأنان" قد بني على أراض وقفية، كما أن جزءا من ميناء حيفا كان تابعا لوقف الاستقلال، وهم يشوهون هوية الأرض عبر إعادة "تجميعها وتوزيعها" بحيث يصبح من الصعب التعرف عليها وتحديد موقعها وتاريخها.

ومن جهتنا، فإن جواب حارس أملاك الغائبين أضاء لنا ضوءا أحمر بأنه قد تمت تصفية غالبية أملاك الوقف الإسلامي.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP